كتبت قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارًا بـ«قسد»، نهاية فلول «داعش» الإرهابي في آخر معقل كان يتشبث به التنظيم في قرية «الباغوز» شرقي سوريا؛ حيث انتزعت القوات المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، السيطرة على جيب الدواعش الأخير بالقرب من الحدود السورية العراقية.
وفي الوقت الذي بات فيه التنظيم بلا أي معاقل رئيسية، حيث خسر الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا وغيرها من البلدان، أعدّ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف دراسةً حاول خلالها كشف السيناريوهات المحتملة التي قد يتخذها داعش بعد فقدانه معاقله الرئيسية، معتمدًا في ذلك على دراسات أيديولوجية التنظيم الإرهابي والتنظيمات السابقة له.
وذهب المرصد في دراسته، إلى مراحل تكوين وتطوّر التنظيمات الإرهابية التي ظهرت ونشطت في مرحلة ما قبل ظهور «داعش»، لافتًا إلى أنَّ هذه التنظيمات لا تموت كليًّا، وإنَّما تحاول التأقلم والتكيُّف مع الظروف الجديدة في محاولة منها للصمود أو التظاهُر بالصُّمود، وقد تتفكك في شكل مجموعات أو خلايا إرهابية صغيرة تحمل أيديولوجياتِها، وتحاول التزاوج مع تنظيمات إرهابية أخرى منتشرة في المحيط الجغرافي وإن كانت تختلف معها فكريًّا، وقد تتأقلم هذه المجموعات أو الخلايا الإرهابية أو تنشق عن بعضها ليبزغ فجر تنظيم إرهابي جديد لكنه أشد شراسة من التنظيم المسيطر على البيئة الحاضنة، ويتفوق عليه متصدرًا المشهد الإرهابي.
وأوضحت الدراسة أن «داعش» كان حريصًا على زرع أيديولوجيته المتطرفة في عقول الأطفال والشباب ليضمن استمرارها، مِثله في ذلك مثل جميع التنظيمات الإرهابية، لكنه كان أحرص التنظيمات على تغذية هذه الأيديولوجية وتطويرها لديهم عَبْرَ المواقع الإلكترونية التي أنشأها الذراع الإعلامية للتنظيم، والتي باتت منتشرة بغزارة من خِلال الشبكات العنكبوتية وتصعُبُ السيطرة عليها.
الخطط البديلة
وشددت الدراسة على أنَّ دحر التنظيم عسكريًّا في معاقله الرئيسية في سوريا والعراق، لا يعني بالضرورة نهاية هذا التنظيم، لا سيَّما أنَّ الركائز التي يقوم عليها من الفِكر المتطرّف والآلة الإعلامية والتمويل والمقاتلين والبيئة الخصبة ما زالت موجودة وإن ضَعُفَتْ، إضافة إلى أنَّ الصفوف الأولى لقيادة هذا التنظيم لا تُعْرَف أماكنُ وجودِهِم، ومصيرهم مجهول حتى الآن، وربما يكونون متمركزين في دول خارج نطاق الشرق الأوسط؛ وذلك لامتلاكهم الكثير من الأموال ووثائق السفر المزورة، ما يُمَكِّنُهُم من الفِرار.
وعن الخطط البديلة التي قد يذهب إليها «داعش» بعد تلقيه الهزائم في معاقله الرئيسية، رجح المرصد 6 سيناريوهات، يتمثل أولها في «الذوبان والتخفي» وسط السكان المحليين؛ حيث يخلع مقاتلو «داعش» الزي الإرهابي ويذوبون وسط السكان العراقيين والسوريين، على شكل خلايا عنقودية أو عشوائية أو فردية نائمة، تعمل على تنفيذ هجمات إرهابية محلية في مناطق متفرقة لاستنزاف الحكومات وإثارة الفتن الطائفية والقلاقل، واغتيال القادة المحليين؛ لتوفير مناخ فوضوي يسمح للتنظيم بعبور مرحلته الانتقالية والتي سيعمل خلالها على توحيد صفوفه وإعادة ترتيب أوراقه في كلا البلدين.
أما السيناريو الثاني فكان «إعادة التمركز الجغرافي» للتنظيم؛ إذ أنه من المحتمل أنْ يسعى التنظيم إلى تدشين مركز قيادة لخلافته المزعومة بديلًا عن مركزه الذي فقده في سوريا والعراق، سيكون هذا المركز في الغالب في منطقة بعيدة عن دائرة الصراع في الشرق الأوسط تصلح لاحتضانه ونشر أيديولوجيته.
وجاء السيناريو الثالث بعنوان «التحول»، وفي هذا السيناريو رجحت الدراسة إمكانية تحول «داعش» من تنظيم إرهابي إلى شبكة إرهابية سِرّية غير مستقرة على أرض بعينها؛ ليصعب رصده ومحاربته معتمدًا على «الذئاب المنفردة» التابعة له في معظم دول العالم في تنفيذ هجمات إرهابية، بعيدًا عن التمكين على أرض بعينها، وفي هذه الحالة سيكون التنظيم أشد خطرًا عمّا مضى.
لملمة الأوراق
وتناول السيناريو الرابع مسألة «لملمة الأوراق» من أجل العودة بشراسة؛ نتيجة التناحر الذي قد ينشأ بين القوات والتنظيمات التي كانت موالية للتحالف الدولي المناهض لـ«داعش» على تصدر السلطة في كلا البلدين، وكذلك إذا نجح التنظيم من خلال حرب العصابات في تصفية القيادات التنظيمية، وفي إشعال الفتن الطائفية هناك، ما يُمَكِّنُهُ من توحيد صفوفه في المناطق الصحراوية المشتركة بين حدود العراق وسوريا، والعودة إلى تصدر المشهد الإرهابي بشراسة.
وفي خامس السيناريوهات تناولت الدراسة إمكانية «نقل المعركة إلى دول التحالف المناهض لداعش»، على أن يتم ذلك من خلال تفعيل التنظيم لذئابه المنفردة، والمقاتلين الأجانب العائدين إلى بلدانهم الأصلية وأشبال الخلافة والخارجين من السجون في قضايا تتعلق بتنظيم «داعش» بعد انقضاء مدة عقوبتهم، عَبْرَ إرسال رسائل مُشَفَّرَة تدعو جميع هؤلاء لتنظيم صفوفهم.
وأوضحت الدراسة أن التنظيم قد يلجأ إلى هذا السيناريو، للثأر من دول التحالف الدولي المناهضة له ولإعطاء عناصره الفرصة لترتيب أوراقهم والظهور من جديد.
الاندماج
بينما جاء السيناريو الأخير ليرجح احتمالية اندماج أبناء أبوبكر البغدادي، ضمن صفوف تنظيمات إرهابية أخرى؛ إذ أنه في حالة هزيمة «داعش»، وعدم قدرته على العودة، سيدمج مقاتليه مع تنظيمات إرهابية أخرى، الأمر الذي سينتج عنه ميلاد ما يسمى بـ«الجيل الرابع من الإرهابيين»، والذي سيكون أبشع وأدمى من الصورة التي شاهدناها على يد هذا التنظيم.
وأوضحت الدراسة أن «الجيل الرابع» سيكون على هيئة جماعة بديلة لـ«داعش»، أو تقوية جماعة موجودة سابقًا فاقها التنظيمُ قوة وعتادًا وانتشارًا كتنظيم «القاعدة»، والذي يحاول بشتّى الوسائل تصدُّر المشهد الإرهابي، لاسيَّما وأنَّ «القاعدة» يسعي للفساد من جديد، منافسًا بذلك نظيره الداعشي الذي عانى العالم بأسرِهِ من جرائمه الوحشية التي ارتكبها وما زال يرتكبها في شتّى بقاع العالم، في الوقت الذي تراجع فيه بشكل واضح «تنظيم القاعدة»، الذي كان يحتل صدارة الحركات الإرهابية حتى مطلع يناير 2011.