كريتر نت – متابعات
يشكّل إنتاج الهند وباكستان لسلاح نووي هدفا إستراتيجيا للدولتين ركيزته الأساسية إحداث التوازن في شبه القارة الهندية على خلفية عداوات قديمة بين البلدين. لكن هذا التوازن بدا أنه قابل للخلل في ظل تصريحات صادرة من داخل باكستان قد تشير إلى تغيير محتمل في العقيدة النووية للبلاد.
وقال الدكتور مانبريت سيثي، زميل مركز دراسات القوة الجوية في نيودلهي، ورادم سودارشان شريخاندي، الرئيس السابق للاستخبارات البحرية الهندية والأستاذ المساعد بكلية الحرب البحرية الهندية، والبريجادير آرون ساهجال، العميد المتقاعد من الجيش الهندي وزميل مجموعة دلهي للسياسات، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، إنه خلال قمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” التي عقدت مؤخرا في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، أعرب قادة العالم عن قلقهم إزاء الموقف النووي الروسي ونشر الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروس، بالنظر إلى الصراع الجاري بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الغرب.
وأحدثت كلمة ألقاها اللفتنانت جنرال خالد كيدواي، مؤخرا موجات صادمة في أنحاء المنطقة، الأمر الذي قد يشير إلى أن إسلام أباد ربما تكون قد غيرت للتو عقيدتها النووية.
المؤسسة العسكرية الباكستانية تسعى إلى تقويض التفوق العسكري الهندي من خلال النشر السريع للأسلحة النووية
ويقول الباحثون إنه إذا تم تنفيذ هذه التغييرات، فقد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار إلى حد كبير، ليس فقط في المنطقة، ولكن أيضا في بقية العالم. ويجب على واشنطن أن تنتبه لترى أن هذا التطور سيؤثر على إستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كما أوضحوا أن كلمة كيدواي، التي ألقاها في الذكرى الخامسة والعشرين للتجارب النووية الباكستانية، مهمة لسببين رئيسيين.
السبب الأول هو أنها جاءت من كيدواي نفسه. فبصفته الرئيس السابق لقسم التخطيط الإستراتيجي، الذي يدير جميع السياسات والإستراتيجيات المتعلقة بالبرامج النووية والصاروخية الباكستانية، يعد كيدواي العقل المدبر وراء السياسة النووية الباكستانية ومبادئ الردع، و”مهندس” برنامج الطاقة النووية في البلاد.
أما السبب الثاني فهو ما ذكره كيدواي بالفعل في كلمته، إذ وصف جهود البلاد المستمرة لضمان “الردع كامل الطيف”، بدعم من ثالوث نووي من القدرات البرية والجوية والبحرية. وهذه هي سياسة باكستان المتمثلة في امتلاك قدرات كافية لتتمكن من الرد على مجموعة واسعة من التهديدات، يفترض أن مصدرها الهند.
ويبدو أن كيدواي يشير إلى أن باكستان يمكن أن تطور أسلحة نووية قصيرة المدى، أو يجب عليها ذلك، وربما حتى في الخطوط الأمامية.
وهذا التحول المقترح في العقيدة النووية، ليس خارجا عن المألوف. فالتفكير العقائدي الحالي في باكستان وتطوير قدراتها هما نتيجة للحرب الهندية – الباكستانية عام 1971، والتي خسرتها إسلام أباد. ويلقي الصراع بظلاله الطويلة على عقلية تنظر إلى الأسلحة النووية باعتبارها الضامن النهائي لأمن البلاد.
وتهدف المؤسسة العسكرية الباكستانية إلى تقويض التفوق العسكري الهندي من خلال النشر السريع للأسلحة النووية.
وشرح كيدواي قيمة الأسلحة النووية التكتيكية عندما تم اختبار صاروخ “نصر” الباليستي قصير المدى لأول مرة في أبريل 2011. وقال إنه “سيصب الماء البارد على البداية الباردة”، في إشارة إلى عقيدة الرد العقابي للهند. وعلى الرغم من أن القادة العسكريين الهنود رفضوها منذ ذلك الحين، طورت نيودلهي إستراتيجية انتقامية عقابية منسقة بعناية ضد الهجمات الإرهابية التي ترعاها باكستان.
ولم تقبل الهند قط سلم التصعيد النووي التدريجي، وبدلا من ذلك تنتهج مبدأ الانتقام الشامل ضد أي استخدام نووي، بغض النظر عن الطريقة التي يصف بها المستخدم الأول السلاح، أو التعهد باستخدامه. ويقول الباحثون إنه لأمر مدهش أن يعتقد الإستراتيجيون في باكستان أن أي شيء يفعلونه سيعفى من هذه العقيدة.
هناك ما لا يقل عن أربعة مخاوف رئيسية في ما يتعلق بباكستان يمكن أن تكون لها آثار إقليمية، بل وعالمية، وينبغي النظر إليها بجدية
وبالنظر إلى العديد من الأمور المجهولة التي تنشأ بمجرد استخدام سلاح نووي، أيا كانت تسميته، ليس من المرجح أن يتم تنفيذ المخطط الدقيق للاستخدام النووي على كل المستويات، إلى درجة أن كيدواي يبدو وكأنه يشير إليه على النحو المنشود. ويرى الباحثون أن هذا تفكير خطير ومزعزع للاستقرار تماما إلى أقصى الحدود.
وقد أوضحوا أنه لن تكون مثل هذه الخطوة انتحارية للمستخدم الأول فحسب، بل ستؤدي أيضا إلى دمار واسع النطاق في المنطقة، وما وراءها.
إن إستراتيجية باكستان المستمرة، والمتمثلة في الاستفزازات دون التقليدية وحافة الهاوية النووية، ناهيك عن الاضطرابات الاجتماعية الأوسع نطاقا، تشكل مصدر قلق مشترك للهند والولايات المتحدة.
ويرى الباحثون أن هناك ما لا يقل عن أربعة مخاوف رئيسية في ما يتعلق بباكستان يمكن أن تكون لها آثار إقليمية، بل وعالمية، وينبغي النظر إليها بجدية. أولها البيئة السياسية والاقتصادية غير المستقرة إلى حد كبير داخل البلاد، بما في ذلك احتمال خروج الاضطرابات الاجتماعية عن نطاق السيطرة.
أما مصدر الخوف الثاني، فإنه يتمثل في الانقسامات العميقة داخل الجيش الباكستاني، كما رأينا في ظهور زمر متنافسة من كبار الضباط، والتي لها آثار مضاعفة من خلال الرتب الصغيرة. والثالث هو أن الغضب الشعبي الحالي، وخاصة في “قلب باكستان”، يعد أمرا غير عادي حتى بالنسبة للجيش الباكستاني الذي يبدو شديد التحصين.
ومصدر الخوف الرابع هو أن هناك دورا للصين ونفوذها في الإستراتيجية والترسانة النووية المقترحة.
ومع نوع الإستراتيجية النووية التي يبدو أن باكستان تتبعها، فإنها تختار الوقوف على حافة الهاوية النووية. وقد ينظر إلى إعلان “النطاق الصفري” في قسم الخطط الإستراتيجية على أنه تحول عقائدي كبير، لكنه لا يتغير كثيرا بالنسبة للهند. وخلص الباحثون إلى أن باكستان تحتاج إلى التفكير بعمق في هذا المفهوم الخاطئ للردع.