محمد ناصر
كشف الصراع على الأموال بين قادة ميليشيات الحوثي عن تورط مجموعة من المسؤولين بواقعة فساد بمبلغ يقارب ثمانية وخمسين مليون دولار، كانت مخصصة لشراء شحنة من الوقود في عام 2019، ومع ذلك لم تتم مساءلة المتورطين فيها حتى اليوم، وفي مقدمتهم مدير شركة النفط في صنعاء المسؤول المباشر عن الصفقة.
القضية تعود إلى سنوات ما قبل التهدئة وعند افتعال أزمة المشتقات النفطية وإدارة قادة الميليشيات بالتعاون مع المسؤولين الذين تم تعيينهم في شركة النفط وفروعها وإدارة ميناء الحديدة ووزارة المالية، كانت هناك سوق سوداء كبيرة لإخفاء المشتقات النفطية وبيعها بأضعاف أسعارها.
حينها، تم شراء شحنة من الوقود وإدخالها إلى ميناء الحديدة ودفع قيمتها، إلا أن الشحنة اختفت ولا يُعلَم مصيرها، حيث تتبادل الأطراف المسؤولة عن تلك الاتهامات، فأحدهم يتهم فرع شركة النفط بالحديدة وإدارة الميناء بالسماح للسفينة بالمغادرة دون إفراغ الشحنة، في حين يتهم آخرون إدارة الشركة بدفع المبلغ مقدماً قبل التأكد من إفراغ الشحنة في خزانات فرع الشركة في الميناء.
ووفقاً لما ذكرته مصادر عاملة في قطاع النفط، فإن علي الطائفي، الذي عينه الحوثيون حينها مديراً تنفيذياً لشركة النفط اليمنية في صنعاء، منح إحدى الشركات الخاصة موافقة استيراد شحنة من النفط، وأن الشركة استوردت الشحنة وأدخلت السفينة إلى ميناء الحديدة لإفراغها.
وأوضحت المصادر أن الطائفي الذي يعدّ على نطاق واسع مجرد واجهة للقيادي الحوثي المتنفذ أحمد حامد، مدير مكتب مجلس حكم الانقلاب والمعروف بكنية «أبو محفوظ» ورّد المبلغ إلى حساب الشركة دون التأكد من إفراغ الكمية إلى خزانات فرع شركة النفط في الميناء.
وبحسب هذه الرواية، فإن السفينة وبدلاً من إفراغ حمولتها غادرت الميناء وذهبت لبيع تلك الكمية في بلد آخر، في حين أن الشركة تسلمت القيمة الكاملة للكمية، غير أن هذه المصادر لم توضح الكيفية التي تم بموجبها السماح للسفينة بمغادرة رصيف الميناء دون إفراغ حمولتها، ولا الدور الذي لعبه مدير فرع شركة النفط هناك ولا المسؤولون عن مخازن الوقود، ولا الطريقة التي تمكنت بها الشركة المتهمة من إخراج المبلغ، ولماذا لم يقم قادة الميليشيات بالحجز على أموالها إذا كانت هذه الرواية حقيقية.
محاولة للتغطية
المصادر أفادت بأن قيادة الميليشيات أقدمت بعد عام على الفضيحة على إبعاد الطائفي من إدارة شركة النفط دون اتخاذ أي إجراء في حقه أو المسؤولين في فرع الحديدة.
وكشفت عن أن الجناح الآخر في قيادة المليشيات والذي يديره القيادي محمد الحوثي أوعز إلى ما تسمى هيئة مكافحة الفساد للتحقيق في الواقعة والتي بدورها أحالت القضية إلى نيابة الأموال بعد مرور أكثر من عام على الواقعة، حيث قامت النيابة بإحالة القضية إلى المحكمة التجارية، ولكن بحسب المصادر، لم تتم متابعة القضية لأن المتورطين فيها مسؤولون كبار من ضمنهم مسؤولون في وزارة الشؤون القانونية في حكومة الانقلاب.
ويقول النقابي محمد الحمزي: إنه كان أحد المتابعين لهذه القضية باسم نقابة شركة النفط اليمنية ومجلس تنسيق النقابات ومعه عبد الله الضيعة، وعبد الكريم الشرعبي وعارف المصعبي، وإنه سُجن بسبب كشفه عن قضايا الفساد، وخصوصاً هذه القضية وقضية المشتقات النفطية الملوثة وفساد المناقصات.
ويؤكد الحمزي أنه إلى الآن لم تتحرك القضية والجناة كلهم خارج القضبان، ولا يوجد من سيحرّكها وإعادة المبلغ إلى خزينة الدولة ومعاقبة المتواطئين بمن فيهم من تعمدوا إهمال متابعتها.
وتظهر وثيقة موجهة من وزير الشؤون القانونية في حكومة الانقلاب غير المعترف بها أن آخر تناول لهذه القضية كان قبل عامين وثلاثة أشهر، حيث وجّه رسالة في 21 مارس (آذار) 2021 إلى عمار الأضرعي الذي عينته الميليشيات مديراً لشركة النفط خلفاً للطائفي ينتقد فيها عدم متابعة الشركة هذه القضية لدى المحكمة التجارية، ودون أن يبين الدور الذي لعبه المدير السابق في هذه الصفقة.
وبحسب المذكرة، فإنه سبق مخاطبة شركة النفط في 31 مايو (آذار) 2021 بوجود إحدى القضايا الكبيرة المتعلقة بشركة النفط والتي تعدّ من كبريات قضايا الفساد والتي تم خلالها نهب مبلغ وقدره 57.8735 مليون دولار والتي أحالتها ما تسمى محكمة الأموال العامة إلى المحكمة التجارية، إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ لم تقم شركة النفط بمتابعة القضية ولم تستأنف الحكم، وهو الأمر الذي يعني تسهيلاً لنهب المال العام، ومع ذلك فإن القضية لم تُحرّك حتى الآن.
استحداثات مشبوهة
في سياق متصل بفساد المليشيات في قطاع النفط، كشفت مصادر عاملة في فرع الشركة بمحافظة الحديدة، عن أن المدير المقال بسبب فساده ياسر الواحدي كُلّف الإشراف على القيام باستحداثات جديدة في ميناء رأس عيسى النفطي، وأنه يصرف الملايين، في حين أن العمال والموظفين هناك لا يحصلون على مستحقاتهم، وأنه استغل نفوذه وعلاقته مع «أبو محفوظ» وجرد نائبه من الصلاحيات كافة بعد أن اعترض على الفساد الذي يمارسه.
وذكرت المصادر أن الميليشيات بدأت منذ أسابيع عدة بعمل استحداثات في ميناء رأس عيسى بالتزامن والبدء بعملية إنقاذ ناقلة النفط المتهالكة «صافر» التي ترسو هناك، لكنها لم توضح طبيعة الاستحداثات ولا غايتها.
وقالت المصادر: إن الواحدي أبلغ العاملين هناك أنه بصدد عمل ميناء نفطي إضافي إلى جوار ميناء رأس عيسى، وسط مخاوف بأن يكون الهدف من ذلك هو منح بعض تجار الميليشيات الذين يحتكرون تجارة المشتقات النفطية امتيازات في الميناء مثل بناء خزانات خاصة لتكون بديلة عن الخزانات الأرضية التي كانت الحكومة قد بدأت العمل بها قبل الانقلاب حتى تكون بديلاً للناقلة المتهالكة «صافر».
المصدر الشرق الأوسط