كريتر نت – متابعات
يضغط تنامي ديون الاقتصادات النامية والناشئة على الدول الغنية لإيجاد حلول أكثر واقعية وتحمل مسؤولياتها، بعدما اتسعت بشكل مخيف خلال السنوات القليلة الماضية بفعل تراكم الأزمات، رغم التشكيك في نجاح أي خطة ما لم تكن تنطوي على إرادة حقيقية.
وتواجه مجموعة العشرين منعطفا صعبا خلال الفترة المقبلة في محاولاتها المضنية نحو إيجاد حلول للاقتصادات النامية والناشئة، والتي تواجه معضلة تضخم ديونها بشكل مقلق في ظل انعكاس الأزمات العالمية عليها.
وتزايدت التحذيرات مع انعقاد اجتماعات المجموعة من أن تصاعد ديون البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط قد يضر بفرصها في التنمية المستدامة، خاصة مع انهيار عملاتها وجعل مواطنيها يفقدون الثقة في برامج الحكومات لمواجهة المشكلة.
واختتم وزراء المال ومحافظو البنوك المركزية من المجموعة الاثنين في الهند محادثات حول إعادة هيكلة الديون وإصلاح البنوك متعددة الأطراف وتمويل تغير المناخ، بهدف دعم الاقتصاد العالمي المتعثر.
ودشنت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيثارامان التي ترأس الاجتماع في غانديناغار بولاية غوجارات غرب البلاد، المناقشات الأحد الماضي بتذكير وزراء المال بأن على عاتقهم “مسؤولية توجيه الاقتصاد العالمي نحو نمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل”.
وقبل الاجتماع قالت سيثارامان للصحافيين إلى جانب وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، إن “إحدى القضايا الرئيسية المدرجة على جدول الأعمال على مدار يومين ستكون تسهيل التوصل إلى إجماع حول القضايا المستعصية المتعلقة بارتفاع المديونية”.
وأكدت أن المناقشات ستركز على “قضايا عالمية مهمة مثل دعم بنوك التنمية متعددة الأطراف واعتماد إجراءات مناخية منسقة”.
وخلال العقد الماضي ازدادت مديونية البلدان النامية بأكثر من الضعف، لتبلغ مستوى قياسي في 2022، وفقا للتقرير السنوي للبنك الدولي عن الديون الدولية الذي نُشر في ديسمبر الماضي.
وأظهرت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وقت سابق هذا العام، أن الدين العام وصل في العام الماضي إلى رقم قياسي بلغ 92 تريليون دولار، تتحمل منه الدول النامية 30 في المئة، وهو عبء غير متساو.
وأشار البرنامج إلى أن 52 بلدا، أي 40 في المئة من الدول النامية، من بينها إثيوبيا وغانا وباكستان وسريلانكا وتونس وزامبيا، مثقلة بالديون وتواجه خطر التخلف عن السداد. وينفق نصفها 20 في المئة من ميزانيته لسداد الفائدة على ديونها.
ومن بين تلك الدول التي كان لديها أعلى ديون في عام 2021 بالنسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي، فنزويلا بواقع 240.5 في المئة والسودان بنحو 181.9 في المئة وإريتريا بنحو 176.2 في المئة ولبنان بنحو 150.6 في المئة.
وضمت القائمة أيضا الرأس الأخضر بنسبة 142.3 في المئة وسورينام بواقع 125.7 في المئة وجزر المالديف بنحو 124.8 في المئة، وفقا لأرقام صندوق النقد الدولي المذكورة في هذا التقرير.
والأسباب متعددة، ومن بينها انخفاض قيمة عملاتها مقابل الدولار في حين أن ديونها غالبا ما تكون مسعّرة بالدولار، وارتفاع معدلات وأسعار الطاقة والأغذية والأسمدة، وكل ذلك يؤدي إلى تجفيف احتياطاتها من العملات الأجنبية.
وتحدثت يلين عن الجهود المبذولة لمعالجة مشكلة المديونية في أفقر دول العالم، مشيرة إلى التقدم المحرز لناحية إعادة هيكلة ديون زامبيا، والتي ناقشتها خلال زيارتها لبكين في وقت سابق من الشهر.
ومع ذلك فإن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والداعم المالي الرئيسي للكثير من الدول الآسيوية والأفريقية المتعثرة ومنخفضة الدخل، تعارض حتى الآن تبني موقف متعدد الأطراف بشأن هذه القضية، حسبما قال مسؤولون.
وعلى هامش محادثات مجموعة العشرين، أشارت يلين إلى أن الصفقة مع زامبيا “احتاجت إلى مفاوضات طويلة”، مضيفة أنها تأمل في أن يتم “سريعا الانتهاء” من معالجة الديون الخاصة بغانا وسريلانكا.
وقالت يلين “ينبغي أن نطبق المبادئ المشتركة التي اعتمدناها في قضية زامبيا على قضايا أخرى، بدلا من البدء من نقطة الصفر في كل مرة”.
ووفقا لمسؤول كبير من الهند التي ترأس مجموعة العشرين، لم تتفاعل بكين بطريقة مشجعة جدا بشأن مسألة الدين المشترك.
وأضاف المسؤول لرويترز، لم تذكر هويته، أن الكثير من الاقتصادات المتعثرة “وصلت إلى نقطة الانهيار” بعد الصدمة المزدوجة المتمثلة بجائحة كوفيد وعواقب الحرب الروسية في أوكرانيا التي تؤثر في أسعار الوقود والسلع العالمية.
وتعدّ بكين دائنا رئيسيا في بعض هذه الحالات، وقد تعرضت لانتقادات بسبب موقفها من إعادة هيكلة الديون.
وكان دائنو نادي باريس قد ناقشوا الشهر الماضي خلال اجتماعهم في العاصمة الفرنسية عشية قمة “ميثاق مالي عالمي جديد”، مشكلة ديون البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة.
ولم يلمس الخبراء والأوساط المالية العالمية أي تقدم في هذا الشأن. وقالوا إن أزمة الديون معقدة خاصة مع ارتفاع تكاليف الإقراض جراء التشديد النقدي الذي فرضته البنوك المركزية حول العالم لمكافحة التضخم الجامح.
وتغيرت تركيبة دائني البلدان النامية بشكل كبير في غضون سنوات، فقد كانت الديون حتى فترة قصيرة وبشكل كبير بأيدي الدول الأعضاء في نادي باريس، والتي تضم عشرين دولة منها مجموعة السبع وروسيا.
والآن، باتت الديون بشكل أساسي بأيدي القطاع الخاص، وتشمل بنوكا وصناديق استثمار وغيرها، بما يصل إلى حوالي 61 في المئة.
وشهدت الكثير من الدول غير الأعضاء في النادي وعلى رأسها الصين والهند والكثير من دول الخليج، زيادة في حصتها بحيث تمثل الصين وحدها في بعض الأحيان نصف القروض من دولة أخرى.
ويؤدي تعدد الجهات إلى زيادة تكاليف الاقتراض للبلدان المعنية ويزيد من صعوبات إعادة هيكلة ديونها قبل أن تخرج عن السيطرة، كما كان الحال مؤخرا في سريلانكا مع عواقب وخيمة في الكثير من الأحيان على الدول المعنية.
وكان الرئيس الجديد للبنك الدولي أجاي بانغا قد عبّر الأسبوع الماضي عن قلقه من “انعدام الثقة العميق” الذي يفصل بلدان الشمال والجنوب “في وقت يتعيّن علينا أن نلتقي” للتصدّي للتحدّيات “المترابطة”.
وركز خلال حديثه على محاربة الفقر في العالم وأزمة المناخ “الوجودية” والانتعاش الاقتصادي بعد الوباء، الذي تعرّض للخطر بسبب التضخم والحرب في أوكرانيا.
وأضاف في مقال نشر على الإنترنت أن “الإحباط الذي تشعر به بلدان الجنوب أمر مفهوم. ففي الكثير من الجوانب تدفع هذه البلدان ثمن ازدهار الدول الأخرى”.