كريتر نت – متابعات
يستمر الحر الشديد في الهيمنة على أجزاء كبيرة من العالم، حيث تسببت درجات الحرارة غير المسبوقة في نشوب حرائق غابات واسعة النطاق خلال الأيام الأخيرة، ومعه تستمر الجهود الدولية مستعينة بالتكنولوجيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ومع زيادة وتيرة ظواهر الطقس المتطرفة خاصة موجات الحر القاسية، أقدمت مدن عدة مثل لوس أنجلس وسانتياغو وملبورن على تعيين مسؤولين عن المناطق الحارة أو ما يُطلق عليهم في بعض الأوقات “مفوضي شؤون الحر”، إذ ينوط بهم إيجاد طرق لحماية السكان من الآثار الخطيرة الناجمة عن الحر الشديد.
وتأتي المبادرة في إطار خطة الأمم المتحدة لإنشاء نظام مبكر بقيمة تزيد عن 3 مليارات دولار، لحماية كل سكان الأرض من كوارث الطقس بحلول عام 2027.
وفي ذلك، قال مدير خدمات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية يوهان ستاندر، إن هذه المبادرة تعتمد على فكرة هامة تتمثل في أنه يمكن “إنقاذ حياة أي شخص قد تشكل ظواهر الطقس والمناخ أو الفيضانات أو المخاطر البيئية ذات الصلة خطرا على حياته”.
ونظرا لتباين ظواهر الطقس المتطرفة التي تتطلب إنشاء أنظمة إنذار مبكر، تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد حل واحد لإنقاذ السكان من خطر تداعيات ظاهرة تغير المناخ، لكن كورت شيكمان، مدير مبادرات المناطق الحارة في مركز “أرشت روك” الخاص بأبحاث مقاومة المناخ، قال إن رسائل التحذير تعد هامة “لأن هناك الكثير من الناس يمكنهم القيام بأمور للحفاظ على سلامتهم”.
وأفاد الاتحاد الدولي للاتصالات بأن خدمات الإذاعة والتلفزيون والرسائل القصيرة قد تكون وسائل اتصال هامة فيما قد يمكن إرسال رسائل نصية لسكان المناطق المعرضة للخطر، بيد أن في ظل وجود أكثر من 2.7 مليار شخص على ظهر الأرض محرومين من خدمات الشبكة العنكبوتية، فإنه قد يتعذر توافر مثل هذه الخدمات لكافة سكان المعمورة.
120 مليون أنف إلكتروني للتحذير من الحرائق سيتم نشرها في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030
وفي ذلك، قال كوزماس لوكيسون زافازافا، مدير مكتب تنمية الاتصالات في الاتحاد الدولي للاتصالات، إن هذا الأمر يمثل “مصدر قلق بالغ”، مضيفا أنه “يوجد في أفريقيا 26 دولة من بين 46 دولة صنّفتها الأمم المتحدة على أنها أقل البلدان نموا، فضلا عن وجود بلدان كبيرة تعيش فيها مجتمعات في مناطق نائية ويصعب الوصول إلى سكانها لأنهم محرومون من شبكات الاتصال”.
وأشار إلى أن أحد الحلول يتمثل في إطلاق أقمار اصطناعية تدور في مدارات أرضية منخفضة وذات تكلفة منخفضة مما يتيح الاتصال بسكان المناطق النائية، فيما يأمل في أن يشمل ذلك طرق الاتصال البدائية مثل أجراس الكنائس ومكبرات الصوت وصفارات الإنذار.
وفي أوروبا، يتم إرسال رسائل تحذيرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخطوط الهاتف الساخنة وتطبيقات الهواتف الذكية بشأن موجات الحر التي سوف تضرب مدنا مثل ميلانو وباريس وروتردام.
وقالت اليونانية إيليني ميرفيلي، وهي واحدة من “مفوضي شؤون الحر” في العاصمة أثينا، إن “تطبيق إكستريما جلوبال الذي نستخدمه يظهر المخاطر التي يواجهها أي شخص اعتمادا على مكانه في أثينا وأيضا عمره وجنسه وهل يعاني من ظروف صحية موجودة مسبقا. وسيرشد التطبيق السكان إلى الأماكن التي يمكنهم الاختباء فيها”.
وفي منطقة براندنبورغ الألمانية التي تفتك بها حرائق الغابات باستمرار، طورت جهات صناعية كبرى أجهزة مزودة بـ”أنف” إلكتروني للمساعدة على لجم النيران ومنع تمددها من خلال رصد مصادر اندلاعها في وقت أبكر.
المبادرة تأتي في إطار خطة الأمم المتحدة لإنشاء نظام مبكر بقيمة تزيد عن 3 مليارات دولار لحماية سكان الأرض من كوارث الطقس بحلول 2027
في قلب غابة إبرسفالده الواقعة في هذه المنطقة المحيطة بالعاصمة برلين، يُضرم يورغن مولر، خبير الغابات المتقاعد البالغ 69 عاما، النار في موقد مستعينا بأغصان صنوبر، وهي شجرة منتشرة على نطاق واسع في المنطقة تُعرف بسرعة اشتعالها. يبدأ عندها الدخان بالانتشار.
وقد أتى يورغن مولر لاختبار أجهزة استشعار صغيرة للغاز تعمل بالطاقة الشمسية، اخترعتها قبل عامين شركة “درياد نتووركس” الناشئة التي شارك بتأسيسها في برلين.
هذه الأجهزة، المثبتة على الأشجار، مزودة بأجهزة استشعار فائقة الحساسية طوّرتها شركة “بوش”، وهي أشبه بـ”أنف” إلكتروني، بحسب مولر، إذ تراقب تركيبة الهواء ودرجة الحرارة والرطوبة والضغط.
و”في غضون 10 أو 15 دقيقة، يمكننا رصد حريق على الأرض قبل اندلاع حريق مفتوح”، بسرعة أكبر بكثير من أنظمة المراقبة الضوئية التقليدية.
ويستخدم المستشعر الذكاء الاصطناعي الذي يسمح له بالتفرقة بين حريق محتمل والغاز المنبعث، على سبيل المثال، من خلال مرور شاحنة تعمل بالديزل.
لدى عودته إلى مختبره في إبرسفالده، يدرّب مولر الجهاز أيضا على تمييز الروائح تبعا لأنواع الخشب.
ويوضح مولر أن الجهاز “بات يشم رائحة الدخان المنبعث من غابات الصنوبر أو الزان. والذكاء الاصطناعي يرسم خرائط لهذا النمط والنظام البيئي”.
بمجرد رصد حريق، تُرسل البيانات إلى منصة مراقبة قائمة على نظام للحوسبة السحابية “كلاود”، ثم يبعث الأخير تنبيها إلى السلطات المحلية.
وقد وُزّع حوالي 400 جهاز استشعار، بمعدل جهاز واحد لكل هكتار، في الغابة البلدية كجزء من مشروع تجريبي يهدف إلى اختبار موثوقية النظام.
وفقا للشركة، فقد خضع النظام للاختبار سابقا في عشر دول، بينها الولايات المتحدة واليونان وإسبانيا. وقد بيع حوالي 10 آلاف جهاز العام الماضي. وبحلول عام 2030، الهدف يقضي بنشر 120 مليون جهاز من هذا النوع في جميع أنحاء العالم.
رايموند إنغل، المسؤول عن حماية الغابات في براندنبورغ، مقتنع بأن هذا الحل يمكن أن يكون مكمّلا لتقنيات الكشف البصري المستخدمة حاليا في الولاية.
من أعلى 105 أبراج منتشرة في جميع أنحاء المنطقة، تصوّر الكاميرات بزاوية 360 درجة المناطق المحيطة، حيث كانت الحراسة مناطة بالبشر في ما مضى، وفق إنغل.
في مركز مكافحة حرائق الغابات في فونسدورف، في جنوب برلين، يعاين إنغل الصور التي أرسلتها الكاميرات. وإذا تلمّس خطرا ما، فإنه يعطي تنبيها فوريا.
مع 521 حريقا في عام 2022، تعد براندنبورغ الولاية الألمانية الأكثر تضررا من هذه المشكلة.
ويقول إنغل “بسبب تغير المناخ، فإن الأحوال الجوية يمكن تشبيهها تماما بما يُسجَّل في مناطق معينة من حوض البحر المتوسط”، مع “فترات جفاف ودرجات حرارة تقترب أحيانا من 40 درجة”.
بشكل عام، يعد الاكتشاف المبكر بنظر إنغل أحد المفاتيح في معالجة هذه المشكلة.
ويقول “كلما اكتشفنا الحريق مبكرا، كلما كان وصول رجال الإطفاء إلى المكان أسرع”، ما يحول دون استعار الحريق.