القاهرة – أحمد جمال
لا تزال القاهرة غير مطمئنة لخطوات أنقرة في ما يتعلق بملف الإخوان وهي تراقب تحركاتها بالكثير من الحذر، وآخرها إبعاد تركيا لعناصر جديدة من الجماعة، في خطوة تمهد من خلالها للقاء بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان قد يستكمل مسار تطبيع العلاقات.
وتمضي تركيا في اتخاذ المزيد من الإجراءات لتضييق الخناق على أفراد تنظيم الإخوان المقيمين على أراضيها واستبعاد عدد جديد منهم ضمن خطتها للتقارب مع مصر، وتهيئة الأجواء السياسية لعقد اللقاء المنتظر بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان بعد استعادة تبادل السفراء أخيرا.
واستبعدت تركيا قبل أيام عناصر إخوانية تورطت في حادث اغتيال النائب العام المصري هشام بركات عام 2015، وأخرى صدرت في حقها أحكام قضائية في القاهرة، أبرزها القيادي الإخواني يحيى موسى وعلاء السماحي، وتجاهلت عملية تسليمهم للحكومة المصرية.
تأتي الخطوة التركية عقب تصريحات غازل فيها الرئيس أردوغان مصر بتأكيده على أن العلاقات معها سوف تتطور بشكل مختلف للغاية، وأن عددا من الوزراء ورجال الأعمال يعملون على تطويرها حاليا.
ويرى متابعون أن توجيه دفة اهتمام الرئيس التركي لتحسين العلاقات مع مصر التي صنفت جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا يتطلب اتخاذ إجراءات نوعية ضد ما يقرب من خمسة آلاف إخواني فروا منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي قبل عشر سنوات، أو على الأقل ضد الشخصيات القيادية من هؤلاء.
وأشارت بعض التقديرات إلى أن الرئيس السيسي سوف يقوم بزيارة أنقرة قبل نهاية الشهر الجاري بناء على دعوة وجهها له الرئيس أردوغان، غير أن الموعد يتقاطع مع انعقاد قمة روسيا – أفريقيا التي تعقد في مدينة سان بطرسبرغ.
ومن المتوقع أن يشارك السيسي في هذه القمة، لكن حديث أردوغان عن زيارته ليبيا ودولا في شمال أفريقيا قريبا فتح الباب لإمكانية زيارة القاهرة ضمن هذه الجولة، ويُعقد اللقاء الرئاسي المنتظر في العاصمة المصرية.
وتعبر التصورات التركية التدريجية ضد عناصر إخوانية عن رغبة في تهيئة المناخ سياسيا قبل هذه القمة، وتشي بأن الرئيس التركي يريد إرسال المزيد من التطمينات للقاهرة.
وما أسهم في عدم الإعلان رسميا عن موعد لقاء قادة البلدين أن تركيا كانت تتملص من مطالب القاهرة بتسليم أو استبعاد أفراد من الإخوان بحجة أنهم مواطنون أتراك بعد أن منحتهم جنسيتها، ما تغض مصر الطرف عنه أحيانا في خضم رغبتها في تحسين العلاقات وتجاوز ما تسبب فيه الدعم التركي الكبير لتنظيم الإخوان في العقد الأخير.
ويشير المتابعون إلى أن تحقيق اختراق واضح في ملف الإخوان قد يكون أقصر الطرق لبناء جسور الثقة بين البلدين، وما سيتمخض عن زيارة أردوغان لطرابلس قد يضيف معلما إيجابيا جديدا إذا ظهرت بوادر تفاهم مع القاهرة.
أكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن أن الإجراءات التي تتخذها أنقرة بين الحين والآخر بحق عناصر تنظيم الإخوان هدفها التمهيد لزيارة الرئيس السيسي لتحقيق ما يوصف بـ”الترضية” للقاهرة، وتعزيز خطوات تحسين العلاقات التي بدأت بالاستجابة لمطالب مصر الخاصة بالنواحي الأمنية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن قضية أفراد تنظيم الإخوان المتواجدين على الأراضي التركية تمت إثارتها في أثناء الجولة الخليجية التي قام بها الرئيس التركي، ووعدت أنقرة باستكمال خطوات بدأتها بإغلاق منصات إعلامية واستبعاد عناصر ثم ترحيل مطلوبين قضائيا وصدرت ضدهم أحكام نهائية وواجبة النفاذ في مصر.
ولفت إلى أن لقاء السيسي – أردوغان أصبح الطريق أمامه ممهدا، ويجري الإعداد لتفاصيله بما يقود إلى إحداث تطور في العلاقات المشتركة عقب خطوة تبادل السفراء، وأن المشاورات تدور حول إعلان قرارات تعكس عمق التطورات الرسمية، وأن التعامل مع ملف الإخوان محوري لتسهيل عودة الأمور إلى نصابها.
وأعلنت مصر وتركيا في الرابع من يوليو رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء بعد خفضها إلى مستوى القائم بالأعمال عام 2013 بسبب موقف أنقرة الداعم لتنظيم الإخوان، ثم تبادلا رسميا السفراء أخيرا.
وقال السفير التركي في القاهرة صالح موطلو شن إن زيارة السيسي “حُسمت بين حكومتي البلدين وستعقد في الموعد المناسب، والجانبان يواصلان العمل على برنامج القمة ومضمون الزيارة”، دون أن يحدد موعدها.
وتبدو القاهرة غير مرتاحة لبعض التفاصيل في الخطوات التركية، لأنها لم تسلم فعلا العناصر المطلوبة، واستبعادها فقط فتح الباب لهروبها من العدالة. كما أن الموقف التركي من ليبيا ليس واضحا حتى الآن، وهناك مخاوف من أن يكون الحضور الفاعل في غرب ليبيا بوابة لعرقلة حلول سياسية والحفاظ على وحدة الدولة.
وأوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب أن قيام تركيا بفرض رقابة على الأموال التي يتم إرسالها لعناصر تنظيم الإخوان على أراضيها والاتجاه نحو تجميدها خطوة إيجابية ترحب بها القاهرة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن تركيا مازالت تحتضن التنظيم، سواء وفرت لعناصره الدعم المكاني أم لا، ما يجعل دوائر مصرية ترى أن التعامل على مستوى رفع الدعم عن تنظيم الإخوان لا يزال دون المستوى، وأنها طلبت في السابق تسليم عناصر بعينها تورطت في عمليات إرهابية وصدرت في حقها أحكام قضائية نهائية.
وتحتضن تركيا المكتب الرئيسي لتنظيم الإخوان بعد أن جرى إغلاقه في القاهرة عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، وحل التنظيم في مصر، ما جعل جبهة محمود حسين التي ينتمي إليها عدد كبير من الإخوان المصريين تدير أعمالها من تركيا. كما أن الجبهة الأخرى داخل الإخوان وكان يديرها الراحل إبراهيم منير من لندن تتمركز في تركيا أيضا مع انتقال صلاح عبدالحق إليها فباتت حاضنة للجبهتين.
ووصف منير أديب عملية استبعاد عناصر الإخوان بـ”أنها تهرب من المطالب المصرية”، بعد توقعات بتعامل أكثر إيجابية عقب الإعلان عن التبادل الدبلوماسي، لأن هؤلاء تورطوا في عمليات مسلحة وقاموا بقتل ضباط مصريين، والاكتفاء بخطوة الاستبعاد لن يصب في صالح تطوير العلاقات، خاصة على مستوى التنسيق الأمني.
وقامت القاهرة بعد تدشين مباحثات التقارب بتسليم أنقرة ملفات الأحكام القضائية التي تخص قادة الإخوان في تركيا، وقدمت الأجهزة الأمنية المصرية ما يثبت أن بعض الشركات المملوكة للجماعة قامت بتمويل أنشطة إرهابية في مصر وغيرها.
المصدر العرب اللندنية