كريتر نت – الشرق الأوسط
تشهد العاصمة اليمنية صنعاء ازدياداً مستمراً في أعداد النساء المشردات في شوارع المدينة بسبب الفقر وظروف المعيشة وفقدان العائل، وسط غياب برامج الحماية والدعم، حيث تعجز المئات من الأسر عن الحصول على مأوى.
تزامن ذلك مع تأكيد تقرير دولي حديث أن النساء والأطفال يشكّلون ما نسبته 80 في المائة من نحو 4.5 مليون نازح داخل اليمن، وأن 26 في المائة من إجمالي عدد العائلات النازحة يَعُلنها نساء. فحين تتجول في بعض شوارع وأزقة صنعاء ستشاهد انتشار العشرات من المشردين يتصدرهم النساء والأطفال ممن اتخذوا من أزقة الأحياء وأرصفة وجنبات الشوارع في العاصمة ملاذاً آمناً لهم هرباً من قسوة الحياة.
«الشرق الأوسط» رصدت من المدينة المختطفة بيد الحوثيين، وتحديداً من شارع الستين (أكبر شوارع المدينة)، مروراً بحي السنينة، وصولاً إلى منطقة عصر، معاناة بعض النساء المشردات مع أطفالهن وما يدور في خلجاتهن من هموم خلّفتها 9 سنوات مضت من الانقلاب والحرب.
ويكتظ جسر المارة في حي السنية في صنعاء بأعداد من النسوة المشردات من مختلف الأعمار واللاتي اتخذن من رصيف ومدرجات الجسر وبقية الأماكن المحاذية له مكاناً للجلوس لطلب العون والمساعدة من المارة.
فقدان العائل
تقضي حليمة إبراهيم (35 عاماً) معظم أيامها إما في الجلوس على رصيف الجسر وإما في التنقل من شارع لآخر لمد يد المساعدة إلى الناس أو للبحث عن مكان بعيد عن الأنظار لتنام فيه مع أطفالها، حيث نزحت مع أسرتها قبل نحو عامين من الحديدة إلى صنعاء بعد تعرض منزلهم للتدمير شبه الكلي جراء سقوط إحدى القذائف عليه.
وتقول حليمة إن فقدان معيلها مطلع هذا العام إثر إصابته بمرض مثَّل فاجعة لها ولأطفالها وحوَّلهم إلى مشردين في شوارع العاصمة.
وزوج حليمة منذ نزوحهم إلى صنعاء كان يعمل في مسح وغسل السيارات، وينفق حصيلة ما يجمعه كل يوم على المأكل والمشرب والملبس وإيجار المنزل لها ولأطفالها.
وتطرقت حليمة في حديثها مع «الشرق الأوسط»، إلى بعض معاناتها وصراعها المرير مع النزوح والتشرد، وذكرت أن معاناتها برزت إلى السطح بعد أشهر من فقدان زوجها، بعدما عجزت عن دفع ما عليها من إيجارات وتوفير قوت أولادها، موضحةً أن استمرار الضغط عليها من مالك المنزل أجبرها على تركه وانضمامها مع أطفالها إلى رصيف المشردين.
على مقربة من حليمة يتخذ بعض النساء الأخريات من «جسر السنينة» وسط صنعاء مكاناً لطلب المساعدة من الغير أو كمأوى وسكن لهن وأطفالهن.
تقف «أم سلمى»، وهي أم لأربع فتيات طوال اليوم على ذلك الجسر بحثاً عمّا يجود به الناس عليها، علّها ترجع بشيء ما نهاية اليوم يكفي لسد رمق بناتها اللاتي تقطن معهن بغرفة صغيرة في منطقة السنينة.
«أم سلمى» شكت أيضاً من أوضاع بائسة تكابدها منذ ثلاث سنوات أعقبت إصابة زوجها بمرض نفسي حوَّله هو الآخر إلى مشرَّد في أزقة صنعاء. وأفادت بأن معاناتها تلك لا تقارَن ببقية النساء المشردات مع أطفالهن ممن تعجّ بهن معظم أحياء وشوارع المدينة، وناشدت المنظمات الإنسانية تقديم المساعدة لها ولليمنيات المشردات اللاتي يواجهن مع أطفالهن عجزاً في توفير المأوى والمطعم والمشرب والملبس.
وفي ظل عجز كبير يُبديه ملايين السكان اليمنيين عن توفير أدنى المتطلبات الضرورية لأسرهم نتيجة استمرار الصراع وتدهور المعيشة، تقول مالكة أحمد وهو اسم مستعار لمشردة في صنعاء، إن معاناتها المستمرة لا تختلف كثيراً عن باقي المشردات بسبب ما خلّفته الحرب من هموم ومآسٍ وأوجاع.
وتتخذ مالكة وستة من أولادها من رصيف «جولة عصر» في صنعاء مكاناً للجلوس كل يوم لمد يد العون من الناس، وتقول إنها تعاني الفاقة منذ أربع سنوات مضت على اختفاء زوجها المفاجئ، بعد أن تركها وأطفالها بلا مأوى ولا طعام، وأنه لا أحد يُعينهم على مجابهة قسوة الحياة.
تقطن مالكة مع أطفالها داخل خيمة صغيرة ومتهالكة تفتقر لأبسط المقومات، حيث سبق أن شيّدتها قبل أشهر على سور أرضية محاذية لمبنى وزارة الخارجية بمنطقة عصر بصنعاء.
غياب الدعم وتزايد الأعداد
مع غياب أي مؤشر جدّي على وقف الصراع، تتواصل معاناة اليمنيين من النزوح والتشرد؛ حيث يشير أحدث التقارير إلى معاناة نحو 25 مليون يمني الويلات بفعل النزوح والتشرد. لافتةً إلى أن الصراع يعد أحد الأسباب التي أدت إلى انتشار المشردين في عواصم المدن.
ويُرجع باحثون اجتماعيون في صنعاء الأسباب التي أدت لتوسع تلك الظاهرة إلى الظروف المعيشية الحرجة واتساع رقعة الفقر وانقطاع الرواتب وتفشي البطالة وندرة المساكن وارتفاع الإيجارات.
ويؤكد الباحثون أن الظاهرة لم تعد في ظل استمرار الحرب مقتصرة على فئة المختلين عقلياً (المجانين)، بل امتدت لتصل إلى آلاف الأسر اليمنية ممن فقدت معيلها أو تلك التي أجبرتها الحرب على ترك منازلها والفرار قسراً من مناطقها.
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان، في تقرير له، إن النساء والأطفال يشكّلون نحو 80 في المائة من 4.5 ملايين نازح داخل اليمن، كما أن 26 في المائة من إجمالي عدد العائلات النازحة تعيلهن نساء.
ويوضح الصندوق أن نحو 5 ملايين ونصف من النساء والفتيات في سنّ الإنجاب يعانين مشكلات في الوصول لخدمات الصحة الإنجابية، ومن بين كل 10 حالات ولادة في اليمن، تتم 6 ولادات دون وجود قابلة مؤهَّلة.
من جهتها، أعلنت منظمة الهجرة الدولية عن نزوح ما يقارب 23 ألف يمني داخلياً منذ مطلع هذا العام، بينما كشفت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن عن تسجيلها في الفترة من يناير (كانون الثاني) 2015 إلى مارس (آذار) هذا العام، نزوح 3 ملايين و103 آلاف و477 شخصاً من 22 منطقة جرى توزيعهم على 13 محافظة يمنية.