كريتر نت – متابعات
جمد الغرب مئات المليارات من الدولارات من احتياطيات النقد الأجنبي المودعة في حسابات البنك المركزي الروسي في وقت مبكر من الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وهي الأموال التي يُقدَّر حدها الأدنى بنحو 300 مليار دولار. وبعد مرور عام على الحرب الأوكرانية، يمارس سياسيون وناشطون في الغرب ضغوطاً من أجل توظيف هذه الثروة في عملية إعادة إعمار أوكرانيا، إلا أن ذلك ينطوي على مخاطرة.
ورغم عدم وجود ما يشير إلى قرب انتهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، يفرض ملف إعادة إعمار ما دمرته الحرب في أوكرانيا نفسه على جدول أعمال حلفاء كييف الغربيين، خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن كلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى تريليون دولار. لذلك تدرس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومات أخرى إمكانية استخدام الأموال والأرصدة الروسية، التي تم تجميدها ردا على غزوها لأوكرانيا، في تمويل مشروعات إعادة الإعمار.
ورغم أن الحرب قد تستمر سنوات أخرى فإن أوكرانيا تحتاج الآن إلى تمويل لمشروعات بنية تحتية عاجلة، في الوقت الذي تراجع فيه التأييد الشعبي في الولايات المتحدة (أكبر الدول المانحة لأوكرانيا) لاستمرار تقديم الدعم للدولة التي تدمرها الحرب، مما سيفرض أعباء على مؤسسات التمويل الدولية لمساعدة الأوكرانيين على إعادة الإعمار، أو البحث عن مصادر تمويل بديلة.
ويقول جوناثان ماسترز المحلل السياسي في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إن إعادة إعمار أوكرانيا ومساعدة شعبها على التعافي ستتطلبان إنفاق مئات المليارات من الدولارات، وقد تزيدان على تريليون دولار وفقا لطول أمد الحرب وشدتها وانتشارها الجغرافي في أوكرانيا.
وحتى الآن تقدر المفوضية الأوروبية والحكومة الأوكرانية والبنك الدولي والأمم المتحدة كلفة إعادة الإعمار بنحو 411 مليار دولار، مع المساهمات القادمة من القطاعين العام والخاص في الدول الغربية. ويزيد هذا الرقم على ضعف إجمالي حجم الاقتصاد الأوكراني قبل الغزو . وتقول حكومة كييف إنها تحتاج إلى 14 مليار دولار لتمويل مشروعات البنية التحتية الحيوية خلال العام الحالي فقط.
جوناثان ماسترز: الخبراء توقفوا عند المخاطر التي تنطوي عليها الخطوة
وفي المقابل يبلغ إجمالي أصول البنك المركزي الروسي، التي جمدتها حكومات الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والمفوضية الأوروبية فور بدء غزو أوكرانيا، حوالي 300 مليار دولار، وهو ما يعادل نصف احتياطي روسيا من النقد الأجنبي في ذلك الوقت. كما صادرت هذه الحكومات عشرات المليارات من الدولارات من الأصول المملوكة لأثرياء ومؤسسات خاصة روسية مقربة من نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
و في الوقت نفسه فإن الدول التي جمدت هذه الأصول الروسية هي من بين تلك الدول التي تحمّل دافعو الضرائب فيها عبء دفع أموال طائلة لمد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية والمالية الضخمة منذ بدء الغزو؛ فعلى سبيل المثال بلغ إجمالي الأموال التي قدمتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا حوالي 75 مليار دولار.
وتتفق حكومات الدول الغربية على أن روسيا قامت بعدوان غير مشروع، ولذلك ستتحمل كلفة إعادة إعمار ما دمره الغزو. وتدرس هذه الحكومات الآن عدة آليات قانونية ومالية يمكن من خلالها استخدام هذه الأصول المجمدة للمساهمة في إعادة الإعمار. لكنْ هناك جدل واسع حول كيفية تنفيذ هذا السيناريو إلى جانب العواقب السياسية والمالية العالمية التي تنطوي عليها مصادرة أصول دولة ذات سيادة.
ففي الولايات المتحدة اتخذت إدارة الرئيس جو بايدن بعض الخطوات البسيطة في هذا الاتجاه. على سبيل المثال حولت إلى أوكرانيا في وقت سابق من العام الحالي أكثر من خمسة ملايين دولار من “الأصول المصادرة” الخاصة بالأثرياء الروس الخاضعين للعقوبات الأميركية. في الوقت نفسه قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن “هناك عقبات قانونية كبيرة” في طريق مصادرة أصول الحكومة الروسية. ولكن مجموعة من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي طرحت مشروع قانون يعطي الرئيس الأميركي السلطة القانونية لمصادرة الأصول الحكومية الروسية المجمدة.
وفي الاتحاد الأوروبي يدرس قادة الدول الأعضاء الخيارات المتاحة أمامهم، حيث ركزت المناقشات الأخيرة على كيفية استخدام الفوائد الضخمة للأرصدة الروسية المجمدة أو فرض ضرائب عليها، بدلا من مصادرة الأصول نفسها. ويتوقع المحللون أن تبلغ قيمة الفوائد على الأصول المجمدة، وأغلبها خاضعة لشركة يوروكلير الموجودة في بلجيكا، أكثر من ثلاثة مليارات دولار خلال العام الحالي.
ومن ناحيتها أطلقت كييف بعد شهور قليلة من بدء الغزو الروسي حملة للمطالبة بمصادرة الأصول الروسية في الخارج. لكن العقبات القانونية والبيروقراطية الكبيرة عرقلت هذه التحركات. وحتى مارس الماضي تمت مصادرة اثنين فقط من أكثر من 900 من الأصول الحكومية الروسية المجمدة، وتحويلهما إلى صندوق استثمار وطني لإدارتهما. ويقول ماسترز، نائب مدير التحرير في مجلس العلاقات الخارجية، إن الخبراء والمشاركين في المناقشات توقفوا عند عدد من المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه الخطوة.
وحذر البنك المركزي الأوروبي قادة الاتحاد الأوروبي بشكل غير معلن من أن مصادرة الأصول الحكومية الروسية يمكن أن تدمر سمعة اليورو العالمية كثاني أكبر عملة للاحتياطي النقدي لدى دول العالم. كما ستؤدي إلى ارتفاع سعر العائد على سندات الخزانة لدول الاتحاد الأوروبي وتضر بالعلاقات التجارية للاتحاد مع دول العالم.
◙ مسألة مصادرة الأصول الروسية السيادية ستكون محفوفة بالمخاطر بموجب القانون الدولي وقد تخلق مخاطر أخرى أيضاً على الاستقرار المالي العالمي
ومسألة مصادرة الأصول الروسية السيادية ستكون محفوفة بالمخاطر بموجب القانون الدولي، ويقر المسؤولون بأنها قد تخلق مخاطر أخرى أيضاً على الاستقرار المالي العالمي؛ حيث أوضحت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، في أبريل الماضي، أن مصادرة أصول الدولة الروسية لا ينبغي أن تتم بسهولة، ويجب أن تكون بالتنسيق مع الحلفاء، وقد تتطلب تشريعات في الولايات المتحدة.
وإضافة إلى ذلك فإن احتياطيات البنك المركزي الروسي هي أموال عامة، ومن ثم فهي مختلفة تماماً عن الأصول المجمدة للروس الذين يخضعون للعقوبات، على الرغم من اختلاطها أحياناً؛ فهذه الأموال قد حصلت عليها الدولة الروسية، من حيث المبدأ، نيابةً عن الشعب الروسي، فهي ذات شرعية دولية ولا تجوز مصادرتها.
وهناك مخاوف مماثلة في الولايات المتحدة. ومع ذلك يقول بعض خبراء المال إنه لا يوجد سبب يدعو إلى القلق لأن الحكومات الأجنبية تعاملت بالفعل مع هذه المخاطر ووضعتها في الاعتبار بالنسبة إلى تكوين احتياطياتها من النقد الأجنبي. كما يرى هؤلاء الخبراء أن دول العالم لن تجد بدائل يعتمد عليها للاحتياطي الأجنبي بعيدا عن الدولار واليورو أو العملات التي يتم تداولها على نطاق واسع لدى حلفاء الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه يحذر خبراء السياسة الخارجية من أن الرئيس الروسي بوتين يمكن أن يوظف محاولات الغرب لمصادرة الأصول الروسية في تعزيز شعبيته في الداخل وحشد التأييد الشعبي للحرب. ويقر هؤلاء الخبراء بوجوب أن تتجنب القوى الغربية تكرار الأخطاء التي ارتكبها الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى عندما فرضوا أعباء ثقيلة على ألمانيا المهزومة مما ساهم في صعود النازية.