كريتر نت – الشرق الأوسط
لم يخطر ببال ياسر عبدالله (30 عاماً) عند تخرجه قبل 6 سنوات في كلية الصيدلة في جامعة صنعاء، أنه سيفترش رصيف أحد الشوارع ليبيع مستلزمات الهواتف الذكية، حيث قاد اختلال سوق العمل، وظروف الصراع، وانعدام الفرص، آلاف الخريجين إلى العمل في غير تخصصاتهم.
فبعد بحث مضنٍ دام 72 شهراً عن وظيفة في القطاع الحكومي أو على مستوى مؤسسة خاصة، أفاد ياسر بأنه استعان ببعض أصدقائه ممن لديهم خبرة كافية في بيع وتجارة مستلزمات الهواتف من أجل مساعدته في مزاولة تلك المهنة.
وتمكّن الخريج الصيدلاني، بفضل رفاقه، من اقتحام سوق العمل، والانضمام إلى قائمة صغار الباعة الذين لا تزال تعج بهم غالبية طرقات وشوارع وأسواق صنعاء، حيث يعرض بضاعته على الزبائن ليتحصل على أرباح يومية تعادل ما بين 8 و10 دولارات تكفي، بحسبه، لتوفير متطلبات أسرته الضرورية.
ودفعت الظروف المعيشة البائسة، واتساع رقعة الفقر، وانقطاع الرواتب، وانحسار فرص العمل، آلافاً من خريجي الجامعات في اليمن، إما للانضمام قسراً إلى رصيف البطالة، وإما للعمل بمهن مختلفة، وإما لتأسيس مشروعات تجارية بسيطة تدر لهم الدخل لإعالة ذويهم.
وتؤكد مصادر نقابية في صنعاء ارتفاع عدد الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل في صنعاء وبقية المدن، وبلوغها نسباً مرتفعة. وتقول إن ذلك يتزامن مع ما يعانيه البلد منذ سنوات من أزمات متلاحقة يرافقها تعطيل الأسواق والمؤسسات، وتدمير البنية التحتية، وتوقف عجلة التنمية، وانعدام أبسط الخدمات.
شكاوى وتأسيس مشروعات
خريجو جامعات حكومية وأهلية في صنعاء شكوا في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، من معاناة تواجههم أثناء البحث منذ التخرج عن وظائف أو فرص عمل تغنيهم عن الحاجة، معبرين عن شعورهم بالإحباط نتيجة انعدام الفرص الوظيفية في المؤسسات الحكومية، وقلتها في القطاع الخاص.
وأشاروا إلى لجوء كثير منهم، مضطرين، إلى مزاولة مهن مختلفة بعضها متعبة وبعيدة عن تخصصاتهم العملية من أجل توفير متطلبات أهاليهم الضرورية.
ويبدي أسامة حسن، وهو خريج جامعي من إب، أسفه جراء عدم تمكنه منذ 3 سنوات من الحصول على وظيفة ضمن تخصصه براتب جيد يعينه على رد بعض الجميل لوالده، الذي لطالما وقف بجانبه أثناء تلقيه تعليمه، وصولاً إلى تخرجه في كلية الحاسوب في جامعة إب بتقدير جيد جداً.
وبينما يقرر 3 من زملاء أسامة، بعد إتمامهم مرحلة التعليم الثانوي بمدرسة حكومية في عاصمة محافظة إب، الاغتراب والهجرة خارج الوطن؛ بحثاً عن الرزق بدلاً من مواصلة التعليم الجامعي، يبدي أسامة ندمه الكبير حيال مواصلة التعليم الجامعي، وضياع بعض سنوات عمره دون جدوى.
ويقول في الوقت الذي لا يزال يواجه فيه صعوبة في البحث عن عمل، يعيش زملاؤه في الثانوية مع ذويهم أوضاعاً مستقرة، بينما هو يعجز عن رسم الابتسامة في محيا والده، وبقية أفراد عائلته.
وعلى عكس ما كان ينشده ياسر وأسامة، يقول مفيد الشرعبي، خريج كلية التجارة في جامعة ذمار قبل 7 سنوات، إنه أكمل تعليمه الجامعي ليس لغرض الحصول على وظيفة، بل لاكتساب العلم والمعرفة التي تمكنه من الاعتماد على نفسه، وتأسيس مشروعة التجاري الخاص.
وتساءل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «كيف يمكن لي الانتظار بعد تخرجي للحصول على وظيفة وأنا أشاهد منذ سنوات مليوناً و200 ألف موظف يعانون الويلات نتيجة حرمانهم من مرتباتهم».
أسس مفيد، قبل 5 سنوات، محلاً لبيع الملابس في شارع جمال، وسط صنعاء، ويؤكد أن محله يشهد حتى اللحظة إقبالاً من قبل الزبائن، مع تعبيره عن سعادته بنجاح المشروع، مؤكداً أن ذلك ساعده كثيراً على توفير لقمة العيش لأسرته، وكذا فرص عمل للآخرين.
ارتفاع معدل البطالة
كانت دراسة موّلتها منظمة «يونيسف» الأممية، أكدت أن معدل البطالة في اليمن ارتفع إلى مستويات كبيرة خلال الفترة من 2014 إلى 2020، ووصل إلى 32 في المائة من إجمالي القوى العاملة، متجاوزاً ضعف ما كان عليه في 2014، البالغ 13.5 في المائة.
وأفادت الدراسة بأنه وخلال سنوات الحرب مثّل فقدان الوظائف، ومحدودية فرص التوظيف الجديدة، أهم النتائج المباشرة والتداعيات الأساسية لانقلاب ميليشيا الحوثي.
وبحسب الدراسة، دفعت جماعة الانقلاب الحوثي كثيراً من اليافعين والشباب لمغادرة مدارسهم ومواقع أعمالهم، إلى دائرة الحرب والانخراط في المواجهات العسكرية، لتُخلق تحديات كبيرة أمام فئة اليافعين والشباب، ونزوح ملايين من ديارهم وفقدان الممتلكات، وانقطاع الرواتب لنسبة كبيرة من الموظفين العموميين، وتراجع الخدمات الأساسية، ونشوء اقتصاد الحرب، وانهيار العملة.
وذكرت أنه بالإضافة إلى المخاطر الناتجة عن الحرب التي تقودها الجماعة، بما فيها تجنيد اليافعين والشباب والزج بهم في المواجهات العسكرية، حرمتهم من مصادر رزقهم، تُبين الإسقاطات السكانية في اليمن أن فئة الشباب تمثل نحو 32 في المائة من إجمالي السكان لعام 2020، ويشكلون النسبة العظمى من القوى العاملة.
وقالت الدراسة إن غياب الاستقرارَين السياسي والأمني، وضعف نجاعة السياسات الاقتصادية، أديا إلى زيادة التحديات التي تواجه اليافعين والشباب، حيث أسهمت تلك الظروف في عدم القدرة على الحصول على التعليم الملائم لاحتياجات سوق العمل.
وسبق أن أكدت الأمم المتحدة، في تقرير سابق لها، أن معدل البطالة في اليمن يعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ما يمثّل خطورة على مستقبل الشباب، خصوصاً مع توقف عجلة التنمية في البلاد.
وأشار التقرير الأممي إلى أن ذلك المعدل وصل إلى أكثر من 60 في المائة، مع تأكيده أن اليمن يحتاج إلى توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل سنوياً لاستيعاب الأعداد المتزايدة للحفاظ على معدل البطالة عند مستواه الحالي.