كتب : عبدالستار سيف الشميري:
مهاد..
بالنظر إلى طبيعة عمل “القاعدة” تاريخياً، في اليمن وغيرها، نجده يعتمد على التراجع المحسوب بصورة تكتيكية وإعادة استجماع القوى قبل معاودة الظهور من جديد حتى عندما كان التنظيم يفقد الحاضنة كان يواصل اكتساب المجندين الجدد ويعيد التموضع في ملاذات آمنة.
المبتدأ..
في اليمن تحديداً وفي المناطق المحررة، هناك نقطتان جوهريتان ساعدتا القاعدة في الثماني السنوات الأخيرة على البقاء والتمدد والقدرة على شن الهجمات، التي كان آخرها الأعمال الإرهابية في شبوة وأبين واغتيال مؤيد حميدي مسؤول وكالة الغذاء العالمي الذي اغتيل في مدينة التربة. هاتان النقطتان هما:
أولاً: انخراط عناصر القاعدة في تجارة السلاح مع آخرين يتبعون الحوثي وجماعات دينية أخرى ومشيخ قبلي ومتنفذين ومهربين سابقين وجدد.
ثانياً: حالة التعاون المعلوماتي واللوجستي مع جماعات دينية أخرى أبرزها الحوثيون وشد أزر بعضها.
الخبر..
إدارة ابن سيف العدل الذي انتقل إلى اليمن منذ سنوات لإدارة شأن القاعدة المالي بتكليف من أبيه الذي يتزعم القاعدة في العالم الآن من مقره في قاعدة خرسان بإيران، أعطى متغيرا جديدا في رؤية القاعدة وأولوياته التي أصبحت بحسب النظرية الجديدة لتنظيم القاعدة والتي تسربت إلى أروقة الاستخبارات ومراكز البحوث، وتقوم أو تقول نصا “التركيز على العدو القريب وليس البعيد” وهو مبدأ فرضه سيف العدل بهندسة إيرانية تجعل الجيش والأمن والشرعية في اليمن هي العدو الأقرب وليس أمريكا وإسرائيل أو ما كان في الأولويات المعلنة السابقة.
ويهدف ذلك إلى خلط الأوراق في المناطق المحررة بأيدي القاعدة، كون الحوثي أخرج منها، ويعطي انطباعاً عن استقرار مناطق الحوثي وعبث مناطق الشرعية.
الجملة..
الهندسة الجديدة للقاعدة في اليمن بقيادة سيف العدل وابنه بالإضافة إلى المعلومات التي توفرها أجهزة التنصت في السفن الإيرانية في البحر على مقربة من سواحل عدن والحديدة والصليف وغيرها، هذه المعلومات وتدفق الأموال أعطى للقاعدة روحا جديدة وساعده على البقاء رغم كل الضربات التي تلقاها في الجنوب شبوة وأبين تحديدا، حيث خاضت القوات أكبر معارك عبر التاريخ مع القاعدة في معسكرات اتخذت الجبال والطبيعة الجبلية الصعبة ملاذاً آمناً.
صحيح، أن حالة عدم الاستقرار في المناطق المحررة والفلتان الأمني شكل رافداً إضافياً، لكن متغير الهندسة الإيرانية والمعلومات وتزويد القاعدة بطيران مسير ينقل تنظيم القاعدة إلى طور تاريخي جديد قد يدركه المراقبون ولكن بعد حين، وهو أمر بالغ الأهمية وجدير بالدراسة والتتبع.
السياق..
من نافلة القول إن القاعدة خلال ثلاثة عقود وحتى يوم الناس هذا استطاع أن يخلق لنفسه أدوات مثل أدوات الدولة وهيكلا عسكريا قويا يستطيع التكيف مع الواقع المحيط به، وقد ساعده على ذلك استعداده اكتشاف كل ما هو جديد والاستفادة من التقنية وأنجب جيلا جديدا ماهرا في التعامل مع وسائل التواصل وتوظيفه لصالح عملياته.
فلم يكن التنظيم مجرد وسائل الاتصال أو منظومة التسليح والمراقبة.. فقد استطاع هذا الجيل من القاعدة مواصلة عملية التعلم من أساسيات الجيل القديم من شيوخ ومنظري القاعدة، مع صبغ عملية التعلم بالتطور الذي يحظى به العالم.
وختاماً..
يمكن تقدير خلاصة الموقف على النحو الآتي:
من الواضح أن تنظيم القاعدة في اليمن فقد الكثير من أوتاده وحاضنته ومعسكراته الرئيسة، لكنه لم يفقد الفاعلية والقدرة على المنازلة.
إن التراجع لتنظيم القاعدة وفقدان مساحة من جغرافيته لا ينبغي النظر إليه أنه مؤشر على فقدانه القدرة على المبادأة وهو تراجع ظاهري.
فقد استعاض التنظيم عن كل ما فقد بعناصر قوة جديدة، هي ذلك الكم من المعلومات التي تسهل له دقة تنفيذ الأهداف وزمنها، وكذلك نوع السلاح وعدده بالإضافة إلى تدفق المال والدعم اللوجستي.
هذه الاستعاضة تقف خلفها رؤية إيرانية لخلط الأوراق جنوباً وخبط تعز ومأرب شمالاً، دون أي مجهود حوثي.
وتشكل المساحات النفعية وتبادل المصالح بين الجماعات الدينية قوة للتنظيم وتوفر له عمرا أطول إذا ما أخذنا بعين التأكيد على أن هناك حقلا برجماتيا واسعا يعتمده القاعدة للتعامل مع جهات خارجية منها إيران وغيرها للقيام بدور حروب الوكالة.
ويمكن بناء تقدير الموقف من زاوية الاعتبارات والظروف السياسية الحالية وتغير موازين القوى وتغير السلاح وتدفق السلاح بالتأكيد على أن تنظيم القاعدة أصبح لاعبا جديدا في كل المعادلات العسكرية وفي ظلال المعارك السياسة أيضا، وإن بدا أن التنظيم خارج الحديث السياسي إلا أن ظله وتأثيراته لتعزيز بعض القوى وتغيير موازين القوى واضح جلي.
فالتنظيم يظهر بشكل مفاجئ، لتعزيز قوة ما، من خلال ضرباته لبعض الأطراف داخل مكونات الشرعية، وهذا يؤكد أنه طرف رئيس في الصراع الحالي وليس مجرد جماعة إرهابية يمكن القضاء عليها بسهولة وبضربة قاضية.
وعلى هذه الفرضية في تقدير الموقف يجب أن تتخذ الشرعية ومن خلفها التحالف العربي استراتيجية جديدة لمواجهة التنظيم، والخروج من التعامل الساذج، الذي يذهب إلى أن هذا تنظيم إرهابي يمكن مواجهته بعمليات متقطعة أحياناً، أو كلما قام بعملية.
لقد أصبح الأمر أخطر من ذي قبل، فقد أصبح أمر التنظيم أكثر تعقيداً وارتباطه الخارجي أكبر وضوحاً وفاعليته أكثر فتكاً.
نقلاً عن نيوزيمن