كريتر نت – متابعات
تُسابق حكومة نيودلهي الزمن من أجل إعادة ملء احتياطي النفط الإستراتيجي في الهند، في وقت تواجه فيه اتهامات غربية بخرق العقوبات المفروضة على صادرات الطاقة الروسية. وتُخطط الهند لاستيراد قرابة 9.2 مليون برميل من النفط الخام لملء احتياطياتها الفارغة، لكن ما تزال أصناف النفط وتوقيت الشراء لملء احتياطي النفط الإستراتيجي في الهند قيد المناقشة.
ووضعت الزيادة في وارداتها من النفط الروسي الهند أمام مرمى انتقادات الدول الغربية التي سارعت إلى اتهامها بخرق العقوبات المفروضة على صادرات موسكو من الطاقة. وتعتقد الدول الغربية أن السلوك الذي تنتهجه نيودلهي في هذا الشأن يُمثل تحديًا صارخًا للعقوبات المفروضة على روسيا، بهدف وقف مصادر تمويل آلة حربها الشرسة على جارتها أوكرانيا.
وارتفعت صادرات الخام الروسي إلى الهند قبل أشهر، لكن هذا الاتجاه بدأ في التراجع أخيرا حيث تخزن البلاد ما يكفي لتلبية طلبها. وفضلت الهند الخام الروسي في الأشهر الأخيرة بسبب أسعاره الزهيدة مقارنة بالبدائل في الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط في الهند خلال الفترة التي تتبع موسم الذروة التي ستحل في الأشهر المقبلة، قبل أن يرتفع مرة أخرى العام المقبل. ومن المتوقع أن تخفض روسيا صادراتها النفطية تماشيا مع تخفيضات الإنتاج السعودية الطوعية في أوبك+.
وكانت الهند تستورد كميات كبيرة من الخام الروسي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، بفضل أسعار النفط التنافسية. وتقوض روسيا أوبك من خلال خصم سعر نفطها الخام بشكل كبير، مما مكّن العديد من الدول (بما في ذلك الصين والهند) من الاستفادة من فرصة التخزين بتكلفة منخفضة بينما يكون الطلب مرتفعا.
وتعرضت هذه الخطوة لانتقادات العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم بعد التطبيق التدريجي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات على الطاقة الروسية خلال العام الماضي. وحث الرئيس جو بايدن والعديد من قادة الدول الأخرى الدول في جميع أنحاء العالم على تقييد استيراد النفط والغاز الروسيين لإدانة الحرب المستمرة والإضرار باقتصاد موسكو.
لكن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي دافع عن قرار البلاد بزيادة واردات الخام الروسي قائلا إنه وسيلة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. وطلبت الهند أكثر من مرة من البلدان ذات الدخل المرتفع دعم تطوير صناعتها القائمة على الطاقة المتجددة لدعم التحول الأخضر العالمي الذي لا يزال يقع في آذان صماء. ويبقى اعتماد الدولة على النفط والغاز كبيرا، ويعتقد مودي أنه ينبغي السماح لدولته منخفضة الدخل بشراء أيّ نفط تجده بأقل سعر، وخاصة بعد أن فشل في رؤية الدعم لصناعة الطاقة من الولايات المتحدة وأوروبا.
وسجلت واردات الهند من الخام الروسي في يونيو مستوى قياسيا بلغ 2.2 مليون برميل في اليوم، وهو ما يمثل نحو 40 في المئة من واردات الهند من النفط الخام. وكان ذلك بعد 10 أشهر متتالية من الزيادات. وتجاوزت وارداتها من النفط الروسي في الشهر السابق إجمالي الواردات من أكبر المصدّرين التاليين لموسكو وهما المملكة العربية السعودية والعراق.
وتعدّ الهند ثالث أكبر مستورد للخام في العالم، مما يجعلها سوقا مهما لروسيا. وكانت الهند تستورد القليل من الخام الروسي قبل الحرب في أوكرانيا. ولكنها زادت وارداتها بشكل مطرد منذ أن عرض بوتين أسعار خام مخفضة، لضمان استمراره في بيع منتجات الطاقة إلى أولئك الذين ما زالوا مهتمين بشرائها. لكن من المحتمل أن تكون قدرة الهند على استيراد المزيد من النفط الروسي قد وصلت إلى الحد الأقصى مع دخولها موسم الرياح الموسمية التي يقل فيها الطلب.
وصرح جانيف شاه المحلل البارز في شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي أن “الهند ستتطلع إلى استمرار واردات الخام الروسي، ولكنها ربما بلغت الحد الأقصى، مما يسد الحاجة لأيّ براميل إضافية. أود أن أقول إن 2.2 مليون برميل في اليوم ستكون الذروة هذا العام… نعتقد أن واردات الهند من الخام الروسي ستشهد تصحيحا هبوطيا طفيفا إلى مليوني برميل يوميا. وسيكون هذا هو المستوى المستدام للشراء”. وردد خبراء الطاقة الآخرون هذه التوقعات. ويأتي موسم ارتفاع الطلب على الطاقة في الهند في أشهر الشتاء قبل أن يتباطأ خلال موسم الأمطار لنحو أربعة أشهر. وتشهد هذه الفترة توقف الكثير من مشاريع البناء والعديد من المصافي لإجراءات الصيانة.
وبدأ الطلب على النفط بالفعل في الانخفاض، وتراجع بنحو 3.7 في المئة على أساس شهري في يونيو الماضي. وقد تكون قدرة روسيا على تصدير كميات أكبر من الخام في الأثناء قد بلغت حدودها القصوى أيضا. وانخفضت صادرات البلاد من النفط بنحو 600 ألف برميل يوميا إلى 7.3 مليون برميل يوميا في يونيو الماضي، وهذه هي الكمية الأقل منذ مارس 2021.
كما تعهدت روسيا بخفض صادراتها النفطية في يوليو الماضي تضامنا مع السعودية التي قلّصت إنتاجها طوعا. وقالت الرياض إنها ستخفض إنتاجها من النفط في محاولة لتعزيز أسعاره التي شهدت انخفاضا حادا خلال الأشهر الأخيرة، وهو أمر ربما ساهمت روسيا فيه. وكانت روسيا تخفض أسعارها عن نفط أوبك+ لجذب المستهلكين ومواصلة بيع الخام، على حساب الأعضاء الآخرين. لكن يبدو أن بوتين ليس على استعداد لتجاوز الحدود أكثر مع السعودية.
وقد تحاول المصافي الهندية زيادة وارداتها من الخام الروسي بشكل أكبر في 2024، لكنها قد تظل مستقرة خلال بقية السنة الحالية (اعتمادا على حالة الصراع وأسعار النفط الروسية). وسترغب مصافي التكرير الهندية على الأرجح في الحفاظ على علاقتها مع مصدري النفط الخام في الشرق الأوسط على المدى الطويل. ويُعتقد أن واردات البلاد من النفط من الشرق الأوسط قد انخفضت بنحو 21.7 في المئة في يونيو الماضي مقارنة ببداية العام، على الرغم من أن للهند بعض اتفاقيات الشراء الدنيا ولا تريد قصر اعتمادها على نفط روسيا.
ولم يتضح بعد إذا ما كانت الهند ستختار شراء شحنات من إحدى الدول المُنتجة للنفط في تحالف أوبك+، أم من مورديها التقليديين في الشرق الأوسط. وفي أوائل العام الماضي (2022) استحدثت الهند خطة تسمح بموجبها للشركات المحلية والأجنبية باستئجار مساحة يمكن أن تتسع لنحو 8 ملايين برميل في موقعين تحت الأرض. ومع ذلك لم تبد مصافي النفط الهندية أي رغبة في دفع السعر الذي كانت تطلبه الحكومة نظير استئجار المساحة.
وأجرت نيودلهي مباحثات بشأن استئجار مخزون الخام مع كل من عملاقة النفط السعودية الحكومية أرامكو، وشركة أدنوك الإماراتية، دون أن تحرز تلك المباحثات تقدمًا يُذكر، بحسب ما كشفت عنه وثائق برلمانية. ووقعت أدنوك في عام 2017 اتفاقية لاستئجار بعض المساحات التي تكفي لاستيعاب نحو 6 ملايين برميل.
وتسعى نيودلهي لزيادة مخزون النفط الإستراتيجي في الهند بواقع 5.6 مليون طن (ما يعادل 40 مليون برميل)، لكن لا يُحرز سوى تقدم بطيء في هذا الخصوص نتيجة قضايا تتعلق بالاستحواذ على الأراضي المُخصصة للتخزين. وتعكف نيودلهي – حاليًا – على تقييم جدوى استعمال كهوف التخزين الواقعة بالقرب من مصفاة نفط بينا التابعة لشركة بهارات بتروليوم كورب النفطية الحكومية، و- أيضًا – استعمال الكهوف الملحية في بيكانير بولاية راجاستان بالقرب من مصنع بارمر التابع لشركة هندوستان بتروليوم كورب.