كريتر نت – متابعات
أقرت حركة النهضة الإسلامية في تونس موعدا ثابتا لمؤتمرها الحادي عشر الذي تأخر لسنوات بسبب صراع المواقع داخلها، في وقت قالت أوساط سياسية تونسية إن المؤتمر سيوفر فرصة للخروج من أسر زعامة أغرقت الحركة في أزمات داخلية ووتّرت علاقتها بالسلطة.
وقالت أوساط مقربة من الحركة إن تحديد موعد المؤتمر لقي معارضة من المحسوبين على القيادة الحالية الذين طالبوا باستمرار التأجيل إلى حين خروج رئيس الحزب راشد الغنوشي ومساعديه من السجن. لكن دعاة التغيير في الحركة، وخاصة من العناصر الشابة، أصروا على تحديد موعد ثابت لعقد المؤتمر في مؤشر واضح على أنهم يريدون استغلال فرصة غياب الغنوشي ومساعديه لانتخاب قيادة جديدة، وهو أمر ما كان ليتم في وجودهم.
وأعلنت الحركة الخميس عن تنظيم مؤتمرها الانتخابي الحادي عشر في أكتوبر المقبل، داعية أعضاءها وقواعدها إلى “المشاركة الواسعة في هذه المحطة السياسية الهامة”.
وتخفي دعوة الأنصار إلى الحضور بكثافة في المؤتمر والإعداد له وجود عوائق داخل الحركة قد تقود إلى مقاطعة كبيرة، في ظل الحديث عن غياب التحمّس لتنظيم المؤتمر من جهة، ومن جهة أخرى تخلي الكثير من المنتمين إلى الحزب عن النشاط بسبب ما اعتبروه فشلا من القيادة في إدارة البلاد خلال السنوات الماضية وتحميلها مسؤولية الظروف الصعبة التي تعيشها الحركة.
وكشفت نقاشات لأنصار الحركة على مواقع التواصل اتجاها لتحميل القيادة السابقة مسؤولية الأزمة الحالية مع السلطة، خاصة مبادرتها إلى اتخاذ موقف صدامي مع الرئيس قيس سعيد قبل إجراءات 25 يوليو 2021 وبعدها، في وقت كان يفترض أن تتعامل فيه النهضة مع الرئيس بصفته الجهة الأكثر شرعية بمقياس القاعدة الشعبية التي عكستها انتخابات أكتوبر 2019.
ويدفع شق من داخل النهضة إلى الحوار مع السلطة والتهدئة معها بعد التوصل إلى حقيقة أن الرئيس سعيد جاد في إحداث التغييرات الكبرى بالبلاد وتحجيم دور الأحزاب وكف تأثيرها السلبي على البلاد.
ويقول هذا الشق إن الوقوف في وجه مسار 25 يوليو خطأ كبير، وإن الاستمرار فيه قد يكلف الحركة الكثير من الخسائر ليس أقلها تفكيك نفوذها في الإدارة وفتح ملفات ضد عناصرها التي شغلت مواقع متقدمة في الدولة.
وقال الرئيس المؤقت لحركة النهضة منذر الونيسي إن ”المؤتمر 11 للحركة سيكون مؤتمر الانتقال القيادي مهما كان وقت عقده، لأنه يمنع على الغنوشي المواصلة بعد قيادته لدورتين متتاليتين، وهو ما يعني الانتقال من الجيل المؤسس إلى الجيل الجديد”.
وأضاف الونيسي في تصريح لـ”العرب” أن “النهضة حركة ديمقراطية وتشتغل بنظام المؤسسات، وهو مؤتمر لإنقاذ تونس والحركة والترشح فيه مكفول، لكن الغنوشي بالقانون لا يسمح له بالمواصلة، وربما سنرى وجوها جديدة على رأس الحركة مثل علي العريض أو عبدالكريم الهاروني أو نورالدين البحيري أو منذر الونيسي”.
ويرى مراقبون أن تحديد موعد لعقد المؤتمر فيه رسالة مبطنة إلى السلطة بأن الحركة مستعدة لإزاحة من وتّروا علاقتها بالرئيس سعيد، وأنها ملتزمة بالحوار والتهدئة، لكن لا يعرف إن كانت الجهات الأمنية والقضائية ستسمح بعقد المؤتمر خاصة أن مقرات الحركة مغلقة بقرار قضائي ووضع الحزب يلفه الغموض، ويمكن أن يعجّل السعي لعقد المؤتمر استصدارَ قرار يقضي بحل الحزب أو تعليق نشاطه إلى موعد غير معروف.
وأغلقت السلطات مقرات الحركة بما في ذلك المقر المركزي في العاصمة منذ أبريل 2023 للتفتيش، ولم تعلن عن أيّ آجال لإعادة فتح المقرات.
وأوقفت أجهزة الأمن عددا من قياديي الحركة من بينهم الغنوشي وقياديون آخرون بارزون للتحقيق في شبهات بالتآمر على أمن الدولة والتحريض وتلقي تمويل خارجي.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب أن “حركة النهضة انتهت كتنظيم وكيان سياسي فاعل وله مؤسساته”، مشيرا إلى أنه “من الوارد أن يوجد من يستغل فرصة وجود راشد الغنوشي والقيادات التاريخية للنهضة في السجن لوضع يده على ما تبقى من التنظيم”.
وقال الطبيب في تصريح لـ”العرب” إن “عهد أحزاب الترويكا والعشرية الكارثية انتهى، ولم يعد موجودا في المشهد شيء اسمه أحزاب، وكلها فشلت في أدوارها سواء بمعارضتها للسلطة أو بموالاتها لها”.
وتابع “نحن الآن في مرحلة تجاوز الحالة الحزبية والحالة النقابية، والنهضة بالغنوشي أو دونه انتهت، كما أنه ليس هناك مبرر الآن لوجود النهضة سياسيا، وكانت الحركة تبيع الوهم، فسقط هذا الوهم ودخل طي النسيان”.
وقالت الحركة في بيانها إنها ستعمل في المؤتمر على “تجديد عرضها السياسي وبرنامجها الوطني المستقبلي”، وإنها متمسكة “بحياة سياسية مسؤولة، وبتقييم جدي لمشاركتها في إدارة عشرية الانتقال الديمقراطي الصعب”.
ويحمل البيان إيحاء بمراجعات المسار السابق للحركة وتصويب توجهاتها في مسعى للفت نظر السلطة التي لا يوحي خطابها بأنها في وارد التقارب مع الأحزاب أو النقابات، خاصة أنها تحمّلها مسؤولية الأزمات الحادة التي تعيشها البلاد.
وقال المحلل السياسي مراد علالة إنه “من الصعب جدا في التنظيمات العقائدية التخلي عن القيادات التاريخية، لكن هناك ترويج للمراجعة واستخلاص الدروس، وهناك محاولة لإعادة الانتشار والتموقع لعائلة الإسلام السياسي في تونس من خلال مؤتمر علني”.
وأكد لـ”العرب” أن عقد المؤتمر والتلويح بالمراجعات “محاولة للخروج من الأزمة وتلميع صورة الحركة بكونها مدنية ومنفتحة على الشباب والنساء، ولكن مثل هذه الحيل لم تعد تنطلي على التونسيين”.
وقاد تأخير عقد المؤتمر خلال السنوات الماضية إلى خلافات داخل حركة النهضة بين شق الغنوشي الذي يمسك بمفاتيح الحزب ماليا وتنظيميا وبين خصومه الذين يطالبون بمؤتمر يفضي إلى قيادة جديدة، خاصة في ظل تفاهمات سابقة أفضت إلى اتفاق يمنع على رئيس الحركة أن يتولى القيادة لأكثر من دورتين متتاليتين.
وأدى هذا الخلاف إلى استقالات وانشقاقات داخل الحركة في 2020 و2021. وكان أبرزها قائمة الـ113 التي ضمت أسماء بارزة بينها عبداللطيف المكي وسمير ديلو. وعزا المستقيلون قرارهم إلى تعطل الديمقراطية داخل الحركة، وانفراد مجموعة من الموالين لرئيس الحركة بالقرار داخلها.
وحمّل المستقيلون “القيادة الحالية لحركة النهضة المسؤولية الكاملة فيما وصلت إليه من عزلة، وقدرا هاما من المسؤولية فيما انتهى إليه الوضع العام في البلاد من تردّ”.