طارق أبو السعد
كاتب مصري
يفتخر الإخوان المسلمون بأنّهم أكثر الفصائل الإسلامية احتراماً للعقل والمنطق، وأنّهم ضدّ “خرافات الصوفية”، وقد صدّق البعض ذلك، لكنّ ما كشف عدم صحة هذا الادعاء؛ ممارساتهم في المواقف العملية، وعلى وجه الخصوص أثناء الأزمات، فقد أظهروا العقلية الحقيقية المختبئة بين تلافيف الشخصية الإخوانية، ومدى توغّل الفكر الأسطوري في بنيتهم العقلية، وإن زعموا خلاف ذلك.
أول هذه المظاهر بعد ثورة 30 يوليو التي أنهت حكمهم؛ انتشار مقولة “من ولّاه سيتولّاه على السنّة” بين عموم الإخوان، وهي إشارة إلى أنّهم تولّوا حكم مصر بأمر الله تعالى المباشر، وما دام الله تعالى هو من جاء بهم إلى الحكم، فمن المؤكد أنّ الله تعالى هو من سيتولى الدفاع عنهم!
*يفتخر الإخوان بأنّهم أكثر الفصائل الإسلامية احتراماً للعقل ولكن ممارساتهم في المواقف العملية تنفي ذلك*
وبعد النظر في الحكايات التي تربّى عليها الإخوان؛ اكتشفت أنّ أحدَ مكوّنات التربية الإخوانية هي تجهيزهم لقبول الفكر الخرافي والأسطوري، مع ملاحظة أنّ هناك فارقاً واضحاً بين العقل الفردي لشخص ما من الإخوان والعقل الجمعي لجماعة الإخوان، ثمّ ازددت يقيناً أنّ العقل الجمعي للإخوان هو عقل خرافي في المقام الأول.
رغم كلّ ما يدّعيه الإخوان من أنّهم ضدّ الخرافة، وأنّ حسن البنا جاء ليحاربها، إلّا أّن كتاباتهم شاهدة عليهم، وحكاياتهم المنقولة شفهياً أكبر دليل على استخدام الإخوان لمكونات الفكر الغيبي، للسيطرة على أتباعهم، ومن ثم توجيههم إلى حيث تريد القيادة، ولقد مرّت عملية بناء العقل الجمعي للإخوان بمراحل متعددة، ومحاور متنوعة على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: تقبّل الأمور الخارقة للعادة على مرّ تاريخ الإخوان المسلمين قاموا بتربية أفرادهم على قبول الأمور الخارقة للعادة، كأنّها كرامة لبعض الأتقياء من الجماعة، فهم يحكون عن كرامات المؤسس حسن البنا الكثير، حتى تشعر أنّه كلازمة لأشخاص الإخوان، ففيما ذكره محمود عبد الحليم، في كتاب “الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ”، ص 57: أنّ الأستاذ حسن البنا شغله عن الاستذكار عمله كعامل في محلّ البقالة، فلم يجد وقتاً يؤهّله للمذاكرة، فشكا إلى الله، ونام ليلة الامتحان، فرأى فيما يرى النائم أنّ رجلاً يواسيه، ويقول له: التفت فإذا في يده الكتاب الذي سيمتحن فيه في الصباح، فيفتح الرجل الكتاب على صفحة معينة، ويشير لحسن البنا أن يقرأ سطوراً بعينها، وفقرات بذاتها، وهكذا إلى نهاية الكتاب، يقول حسن البنا للمؤلف: فلمّا أصبحت وجدتني أحفظ تلك الفقرات عن ظهر قلب، ودخلت الامتحان فإذا الأسئلة كلّها هي نفس ما قرأته في الرؤيا، ويستكمل البنا: وهكذا مرّت ليالي الامتحان وأيامه على هذا النحو، وظهرت النتيجة فكنت الأول، والحمد لله! هذه الحكاية يذكرها حسن البنا بتفاصيل أخرى، لكنّ مضمونها واحد، وهو أنّ الرجل جاء إليه ومعه الكتاب وفتح صفحة كذا، وصفحة كذا، فإذا هي الإجابات في الصباح.
ومع ترديد تلك الحكاية يترسخ كثيراً لدى الإخوان أنّ قادتهم مؤيَّدون من الله تعالى، يمكنهم أن ينالوا انتصاراً وفوزاً ونجاحاً عبر المنام! إن لم تكن هذه الحكاية تخاريف، فما هي التخاريف إذاً؟
المرحلة الثانية: القيام بالمعجزات
مما يتناوله الإخوان عن حسن البنا؛ أنّه أثناء التدريبات لحرب العام 1948 بفلسطين، بينما كان الإخوة يتدربون في بعض الجبال، تاهوا، ولم يستطيعوا الوصول لطريق السكة الحديدية، فظلّوا في حيرة، فإذا بصوت الإمام البنا يأتيهم: “سيروا في اتجاه كذا، ثم كذا”، حتى وصلوا إلى الطريق، وركبوا القطار فنزل الأخ، قائد المجموعة، إلى بيت الإمام أولاً، فطرق الباب، ففتح له الإمام وقال: هل عرفتم الطريق؟ فانكبّ الأخ يقبّل يد الإمام.
*على مرّ تاريخ الإخوان قاموا بتربية أفرادهم على قبول الأمور الخارقة للعادة بوصفها كرامات للأتقياء منهم*
ويؤكّد القصة د.خالد أبو شادي في ملتقى إخواني قائلاً: “القصة سمعتها بأذني من الأستاذ أحمد سيف الإسلام في بيته، وهو سمعها من الأستاذ أحمد نار، صاحب القصة، والذي سمع الصوت، وقال الأستاذ أحمد نار: إنّ الإمام البنا استأمنه ألّا يذكر هذه الموقعة لأحد، ولكنّه قال للأستاذ سيف الإسلام (ابن حسن البنا) إنّك من صلب الإمام وذريته وسأقصّها عليك إكراماً للبنا في شخص ابنه”.
وهذه الحكاية مذكورة في موقع “إخوان ويكي”، ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل أين كانت قدرة حسن البنا تجاه قضية مماثلة عندما هجم الأمن المصري على الإخوان وهم يتدربون في الجبل، وألقى القبض عليهم، فيما سميت بقضية المقطم، فلماذا لم يحذّرهم؟ ولماذا لم يعرف أنّهم قادمون!
غني عن البيان؛ أنّ هذه القصّة محاولة للتشبه بحكاية يتم تناولها في التاريخ الإسلامي، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عندما نادى في المدينة المنورة على الجيش المسلم وهو يغزو في الشام؛ أن يحتموا بالجبل.
وثمة حكاية أخرى عجيبة، يوردها موقع “إخوان ويكي” تحت عنوان “صفحات من تاريخ الإخوان في العبادة والكرامات”، ويحكيها هذه المرة عضو مكتب الإرشاد عباس السيسي؛ إذ يقول: “وروى لي الأخ مصطفى المغير؛ أنّه أثناء التحقيق معه في سجن القلعة بالقاهرة، في أحداث 1965، طلبوا منه الدخول في دولاب (خزانة) من مصراعين، وأمروه أن يقف في جزء من الدولاب متصلباً؛ حيث لا يستند إلى أيّ جنب منه، وقد وقف لمدة من الوقت، ثم استدعوه للتحقيق، وسألوه عن أسماء بعض الإخوة الهاربين، ويقول الأخ إنّه حين كان يقف في هذا الدولاب، سمع الضابط يحقّق مع الأخ المهندس سيد شريف، وهو خريج كلية الهندسة، وزميله في الكلية وسمع كلّ ما قاله عنه شخصياً، وقد استفاد ممّا سمعه منه، وهو في هذا الدولاب العجيب، وحين خرج الضابط وسأله عن سيد شريف، أجاب بما سمع، ويقول الأخ الذي وقع معه التحقيق؛ إنّه بعد أن انتهى التحقيق بعدة أعوام تقابل مع الأخ سيد شريف في سجن مزرعة طرة، أو سجن طرة، وأخبره بما حدث معه في سجن القلعة، فقال له الأخ سيد شريف إنّه لم يذهب إلى سجن القلعة على الإطلاق، ولم يحقَّق معه هناك! وأدرك الأخ أنّ الذي سمعه كان إلهاماً من الله تعالى، وهو يعيش داخل هذا الدولاب”!
المرحلة الثالثة: الاتصال بعالم الجنّ والغيب
وسأنقل هنا حكايات يعرفها الإخوان فقط! ولا دليل عليها في أدبيات الإخوان، لكنّها من واقع التلقي الشفهي في تنظيم الإخوان المسلمين.
الأستاذ علي نويتو، وهو مربٍّ من الرعيل الأول من الإخوان المسلمين، كان إذا ما التقى بالإخوان المسلمين أو الأخوات في لقاءات التنظيم، كان في منتصف اللقاء يصمت قليلاً، ويبدأ وجهه يتغير، ويشخص ببصره إلى الأعلى قليلاً، ثم يفصد جبينه عرقاً، ثم يتمتم ويهمهم، وكأنّه يكلّم أشخاصاً غير موجودين، حتى يندهش الحضور ويصمتوا صمت المترقّب.
يبدأ الأخ علي نويتو في الحديث بصوت أعلى قليلاً، وبنظرة ترحيب لذاك المجهول، ويطلب من الحضور أن يفسحوا في المجلس قليلاً، وأن يتركوا مساحة فارغة، وقبل أن يسأل الإخوان لمن هذه الأماكن، يباغتهم الأخ علي نويتو بالقول: أرجو ألّا يقترب أحد من هذه المنطقة الفارغة، لماذا؟ لأنّها مخصصة للإخوان المسلمين من الجنّ!! مِنْ مَنْ؟؟ نعم من الجنّ، وليس هذا فقط؛ فالذي كان يهمهم معه هو الأخ المسؤول أو الأمير من الجنّ؟!!
هكذا تربّى الإخوان، وهكذا تمّ تجهيز العقل الإخواني لتقبل الخرافات، والوهم والتعامل مع الغيبيات على أنّها حقائق، هكذا تمّ بناء العقلية الخرافية الإخوانية التي تفسّر الواقع بحسب قوى غيبية، وعند الجدّ تنتظر من هذه القوى مساندة مادية ملموسة، وليس فقط الدعم الروحي الدافع للتعامل مع الواقع، لذلك هم ينتظرون فعلاً معجزة خارقة للعادة تغيّر سير الحياة، وانتصاراً يتعجّب منه الجميع.
نقلاً عن حفريات