كريتر نت – متابعات
ترقبٌ على صفيح ساخن، هكذا هي الصورة المُشعة من غرب أفريقيا، مع انتهاء مهلة “إيكواس” للتدخل العسكري في النيجر.
وليل الأحد-الإثنين، انتهى الموعد النهائي الذي قدمته كتلة دول غرب أفريقيا للمجلس العسكري في النيجر، لإعادة الرئيس محمد بازوم للسلطة، دون أي مؤشر حتى كتابة هذا الموضوع، على تدخل عسكري من قبل الجيران.
وفي 26 يوليو/تموز الماضي، احتجز جنود متمردون رئيس النيجر المنتخب ديمقراطيا، محمد بازوم، معلنين الإطاحة به، في خطوة دفعت “إيكواس” المكونة من 15 دولة إلى توجيه إنذار نهائي لـ”استعادة الديمقراطية” في النيجر.
قرارٌ أثار مخاوف من اندلاع صراع إقليمي في جزء من أفريقيا يضم بعضا من أفقر دول العالم. كما تعاني بالفعل من تمدد حركات إرهابية، وانعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع، فضلا عن الآثار الشديدة لتغير المناخ في تلك المنطقة.
من أين الشرارة؟
لكن السؤال الذي يستبق الضوء الأخضر لتفعيل إنذار “إيكواس”، هو من أين ستندلع الشرارة الأولى، في حال وقع الفأس في الرأس؟
يقول مراقبون إن التدخل في النيجر يعتمد بشكل كبير على نيجيريا التي تضم 223 ألف فرد بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة الحديثة والمروحيات المسلحة.
فنيجيريا لا تمتلك أكبر جيش في المنطقة فحسب، بل يرى خبراء أن من المنطقي الاعتماد على نيجيريا ، التي تشترك في حدود بطول 1600 كيلومتر (1000 ميل) مع النيجر، ناهيك عن أن البلدين لم يشهدا نزاعا حدوديا خطيرا بينهما، إلى جانب الروابط الثقافية القوية التي تربطهما مثل لغة “الهوسا”.
كما أن رئيس نيجيريا بولا تينوبو، يتولى حاليا، رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، والذي استهل مهامه في يوليو/تموز الماضي، بقوله: “لن نسمح بانقلاب بعد انقلاب في غرب أفريقيا”.
وهو ما يعتقده، أمين إسماعيل مجذوب الخبير الأمني والعسكري بمركز البحوث الاستراتيجية بالخرطوم، مرجحا أن تكون الانطلاقة الأولى من نيجيريا رغم قرار مجلس الشيوخ بعدم التدخل عسكريا وتفضيل الحل السياسي، وذلك لحدودها المباشرة والأقرب.
ويقول مجذوب لـ”العين الإخبارية”: ” ستكون قاعدة تجميع القوات من دول إيكواس في نيجيريا لأنها الأقرب والأكبر عسكريا، ولديها إمكانيات مادية”.
لكن في الوقت نفسه، فإن نيجيريا الواقعة في جنوب النيجر، غارقة في الداخل في قتال حركة بوكو حرام الإرهابية، وقُطاع الطرق المسلحين ، الذين يديرون عمليات في 30 ولاية من أصل 36 ولاية في البلاد.
معادلةٌ تمثل تحديا للقوات النيجيرية لتجميع قوتها الحقيقية لمثل هذا التدخل العسكري في الجارة النيجر.
وبالنظر إلى الجيران الآخرين، فقد أكدت عدة دول أعضاء أخرى في المجموعة الاقتصادية الأفريقية بالفعل أنها لن تدعم استخدام القوة في النيجر.
وهو ما بدا جليا في موقف كل من مالي وبوركينا فاسو (غربا)، حيث حذرتا من أن أي تدخل عسكري في النيجر سيعتبر “إعلان حرب” ضد بلديهما.
فكلا البلدين لديهما حكومات عسكرية وصلت إلى السلطة في انقلابات ، وكلاهما تم تعليقه من هيئات صنع القرار في “إيكواس” نتيجة لذلك.
إضافة إلى الجزائر (غير عضو في إيكواس)، والجارة الواقعة في الشمال الغربي للنيجر، حذرت من محاولات التدخل العسكري، ودعت إلى استعادة النظام الدستوري في البلاد عن طريق الوسائل السلمية.
كذلك تشاد (شرقا)، غير العضو في المجموعة الاقتصادية، والواقعة إلى الشرق من النيجر، والتي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الحدود مع النيجر والبالغة 1175 كيلومترا، أكدت أنها لن تتدخل في الأوضاع الراهنة بجارتها.
وتشاد التي ذهب رئيسها للنيجر للتوسط بين بازوم وقادة الانقلاب، لديها ما يكفي من تحديات لاسيما موجة النزوح من السودان الذي يشهد اقتتالا منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
غير أن تشاد قد تبقى برأي مجذوب، قاعدة أخرى مرجحة، من باب أنها “تؤجر قواتها للعمل سواء كان مقابل مصالح مالية، أو مقابل علاقات مع فرنسا” على حد قوله.
وأضاف ” يمكن أن يتم نقل القوات من تشاد غير العضو في إيكواس إلى نيجيريا”، معتبرا أن قرار مجلس الشيوخ النيجيري بضرورة إعطاء فرصة للحلول السياسية يمكن أن يتغير، وذلك لطبيعة الدول الأفريقية ونظم الحكم فيها إذا اُتخذ القرار يتم تنفيذه حتى لو اعترضت مؤسسات أخرى في الدولة”.
ومثل نيجيريا، تعد بنين موقعا مهما للنيجر حيث يرتبطان بحدود طولها 266 كيلومترا، تمر منها معظم طرق التجارة الخارجية للبلد الأخير.
ورغم العلاقات الوطيدة بين بنين وفرنسا التي دعمت جهود “إيكواس” لإحباط الانقلاب، إلا أنها اعتبرت على لسان وزير خارجيتها، الجمعة الماضية، أن “الدبلوماسية تبقى الحل المفصل لما يحصل في النيجر.
لكنه في الوقت نفسه، تعهد بدعم بلاده لجهود “إيكواس” لحل الأزمة”.
ثم ليبيا التي تقع شمال شرقي النيجر، والتي تعتبر البلد العربي الأكثر تضررا من الانقلاب في النيجر، خاصة وأن الرئيس بازوم، ينحدر من قبيلة “أولاد سليمان” الليبية التي تمتد حتى حدود تشاد جنوبا.
ولهذا جاء موقفها مبكرا، على لسان رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، الذي عبّر عن قلقه من الأحداث الجارية في النيجر.
واعتبر الدبيبة أن التحركات العسكرية هناك تشكل “مصدر قلق” للدول المجاورة، داعيا إلى وضع حد فوري لهذه التحركات التي “تقوض أمن المنطقة واستقرارها”.
ما هي فرص نجاح “إيكواس”؟
قد يكون التدخل العسكري في النيجر مختلفا تمامًا عن الوضع في غامبيا – أصغر دولة في البر الأفريقي – التي لديها جيش ضعيف نسبيا.
وعلى الرغم من أنها واحدة من أفقر دول العالم ، إلا أن النيجر لديها قوات متسلحة بخبرات كبيرة في محاربة الإرهاب، والتي تدرب على أيدي الولايات المتحدة التي لديها 1100 جندي يتمركزون في البلاد ، وفرنسا التي لديها حوالي 1500 جندي.
وكان مسؤولون من غرب أفريقيا، قد أكدوا أنهم لن يستخدموا القوة تجاه النيجر إلا كملاذ أخير، وأن لديهم خطة للتدخل، إذا لزم الأمر، دون الإفصاح عن أية تفاصيل أخرى تتعلق بهذه الخطة سواء قوامها أو موعدها أو مكان انطلاقها.
وقال الجنرال كريستوفر جوابين موسى، رئيس أركان الدفاع النيجيري، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم السبت: “يجب استعادة الديمقراطية ، من خلال الدبلوماسية أو القوة”.
لكن المتمردين الذين كانوا يحتجزون الرئيس بازوم ، قالوا إنهم سيقاومون أي جهد لإزاحتهم من السلطة ، تاركين مستقبل النيجر ومستقبل شعبها معلقين في الميزان.
وأمس الأحد،أغلقت النيجر مجالها الجوي ، متذرعة بالتهديد المحتمل بتدخل عسكري خارجي.
وبازوم ، الحليف الغربي الرئيسي الذي تم انتخابه عام 2021 ، رفض الاستقالة ، وتجاهل قادة الانقلاب حتى الآن الدعوات للإفراج عنه. كما رفضوا تهديدات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقطع العلاقات.
وفيما تتوجه الأنظار شاخصة إلى النيجر بعد انتهاء مهلة إيكواس، يرى أمين إسماعيل مجذوب الخبير الأمني والعسكري بمركز البحوث الاستراتيجية بالخرطوم، أن التدخل العسكري من المجموعة الأفريقية “سيكون ضعيفا ما لم تكون هنالك تحالفات إقليمية أو ضغوط من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبي”.