عمر الرداد
كاتب أردني
بعد إعلان الرئيس التركي في الأول من أيّار (مايو) الماضي مقتل زعيم تنظيم داعش الرابع (أبو الحسين القرشي) في عملية نفذتها الاستخبارات التركية في مناطق (عفرين) شمال غرب سوريا، حيث تخضع المنطقة للسيطرة التركية، أعلن تنظيم داعش، عبر تسجيل صوتي تم بثه عبر الإنترنت اختيار خليفة جديد للقرشي، وهو (أبو حفص الهاشمي القرشي)، زعيماً جديداً للتنظيم، مقدّماً رواية جديدة يعترف فيها بمقتل القرشي “بعد مواجهة مع هيئة الردّة والعمالة، في إحدى بلدات ريف إدلب، إثر محاولة “مقاتليها” أسره وهو على رأس عمله، فاشتبك معهم بسلاحه حتى قُتل متأثراً بجروحه”، خلافاً للرواية التركية التي تضمنت أنّ “القرشي قام بتفجير نفسه بحزام ناسف، إثر محاولة القبض عليه ومحاصرة المنزل الذي كان يقطنه”، وفيما يلي قراءة أوّلية في مسارات تنظيم داعش المستقبلية ومآلاته.
أوّلاً: إنّ تصفية (4) من قادة التنظيم منذ عام 2019، بعد هزيمة التنظيم في الباعوز، تؤكد أنّه يعاني من أزمة أمنية عميقة، وأنّه غير قادر على منع وقوع اختراقات موجعة في دوائره القيادية الأولى، وتأمين قيادته من الاستهداف، فيما يعكس تصفية (3) من قادته شمال غرب سوريا ضيق الجغرافيا التي يتحرك فيها قادة التنظيم، وأنّ مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام “عدو داعش” تحولت إلى ملاذات آمنة لقياداته، وهو ما يفسر سهولة اصطياد قادته، وهو ما أكده إعلان التنظيم الجديد حول مقتل القرشي وتعيين الهاشمي خليفة له، باتهام هيئة تحرير الشام بقتل القرشي، وأنّها “سلّمت جثّته للاستخبارات التركية بعد اعتقالها المتحدث السابق باسم التنظيم، (أبو عمر المهاجر)، وآخرين، وتسليمهم لتركيا”.
ثانياً: يرتبط تأخر التنظيم في إعلان مقتل قائده السابق وتعيين بديل له بعدة عوامل، قاسمها المشترك أنّها تؤكد مجدداً ضعف التنظيم، وفي مقدمتها إرسال رسالة للحلفاء والخصوم بأنّ التنظيم لا يرتبط بأشخاص، بل إنّ الدولة قائمة ولها مؤسسات وهياكل وبنى تنظيمية قادرة على مواصلة المواجهة مع الأعداء والخصوم، ثم إنّ هذا التأخر يرتبط بإنجاز البيعة في ولايات التنظيم، والتي تشهد عادة خلافات داخل التنظيم بمرجعية “المهاجرين والأنصار” ومطالبات الكوادر من الأجانب بتولي مواقع قيادية، إلى جانب مخاوف أمنية من التسرع في الكشف عن الخليفة الجديد وبالتالي تسهيل استهدافه، خاصة إذا كان نطاق تحركه في المنطقة نفسها التي فيها تصفية أسلافه، ورغم غياب أيّ معلومات عن الخليفة الجديد، إلا أنّ المرجح أنّه من الكوادر القيادية من أصول عراقية، وأنّه من الجناح المتشدد في التنظيم، ولن تختلف مواقفه ومقارباته عن أسلافه.
ثالثاً: وفقاً لرواية الناطق الرسمي باسم التنظيم (أبو حذيفة الأنصاري) وتأكيده تصفية (القرشي) من قبل هيئة تحرير الشام وتسليم جثته للاستخبارات التركية، بعد معركة شرسة مع عناصر الهيئة، فإنّ المرجح أن تبدأ معارك أكثر شراسة بين داعش وهيئة تحرير الشام، وهو ما يعني توسيع جبهة الخصوم أمام “بقايا داعش” في سوريا، فالهيئة رغم المعارك السابقة معها في مرحلة صعود داعش، إلا أنّ المرجح تجددها في سياقات جديدة عنوانها تقديم الهيئة المزيد من الإثباتات على تحولها إلى جهة موالية لتركيا وقدرتها على مواجهة داعش والإسهام في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ويبدو أنّ سيطرة الهيئة على مناطق واسعة من إدلب وشمال حلب ستوفر لها إمكانية تحقيق المزيد من النجاحات، ولا يستبعد معها احتمالات نجاحها في الوصول إلى الخليفة الخامس وتصفيته، بدعم وغطاءات تركية.
رابعاً: رغم ذلك، فإنّه وفي ضوء التطورات الميدانية في سوريا، خاصة مناطق شرق الفرات، وتحديداً بين التحالف الروسي ـ الإيراني مع الجيش السوري، مقابل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وبمرجعية علاقات غامضة بين القيادة الإيرانية والسورية مع داعش، فإنّ احتمالات بناء “تفاهمات” بين داعش والقيادة الإيرانية، وعلى أساس مقاربة “العدو المشترك”، تبدو احتمالاتها واردة، وقد تظهر ترجماتها في المدى القريب، مع استمرار اتهامات متكررة من قبل روسيا وإيران والقيادة السورية بأنّ داعش صنيعة أمريكية وغربية لتبرير استمرار احتلال أراضي شرق الفرات، بما في ذلك العملية التي نفذها داعش مطلع الأسبوع الجاري ضد قطاعات من الجيش السوري في محافظة الرقة، وأسفرت عن مقتل (10) عناصر من الجيش السوري، والتي لا يستبعد أنّها جاءت لتأكيد تنظيم داعش أنّ عدوه الأول هو “النظام السوري”.
خامساً: بالرغم من التقييمات التي تشير إلى ضعف تنظيم داعش منذ هزيمته عام 2019 في الباعوز، إلا أنّ التطورات اللاحقة أثبتت استمرار قدرته على شن هجمات في العراق وسوريا، ضد أعدائه و خصومه الكثر، إلا أنّ هذه العمليات، ورغم أنّها لم تكن نوعية بحجم العمليات التي نفذت في مراحل تمدد نفوذه، يتم استثمارها من قبل “الجميع” ضد “الجميع”، وهو ما يتوقع معه استمرار “شبح” تنظيم داعش، وتنفيذه عمليات غير معزولة عن السياقات العامة لتطورات الملف السوري، عنوانها بقاء شبح داعش لتبرير القتال بين الأطراف المتصارعة في سوريا وعليها، وبمرجعية مكافحة الإرهاب، هذا العنوان الذي يستطيع أيّ طرف إصدار اتهامات للخصوم بالتعاون معه، بما يخدم استراتيجاته وأهدافه.
نقلاً عن حفريات