كربتر نت – متابعات
وضعت الاشتباكات المسلحة بين الجيش المالي وعناصر فاغنر الروسية من جهة وتحالف الفصائل الأزوادية وتنظيم أنصارالدين من جهة ثانية بمنطقة البير بشمال مالي، الجزائر أمام أولى ارتدادات التحرك المتسارع لرمال الساحل في المنطقة، فهو إلى جانب مضاعفته لفرص الانفجار في الساحل الصحراوي بتزامنه مع تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر، سيدق إسفينا جديدا في نعش اتفاق السلام الهش الذي ترعاه الجزائر منذ العام 2015.
ولم يصدر أيّ تعليق أو موقف رسمي من طرف الجزائر إلى حد الآن عن الهجوم العسكري الذي يشنه الجيش المالي مدعوما من فاغنر، على قواعد التنظيمات المسلحة التابعة لإقليم الأزواد والمدعوم بدوره من طرف تنظيم أنصارالدين الإسلامي، وهي الخطوة التي تعتبر مقدمة لما يتهدد الجزائر من خطر تحرك رمال الساحل.
◙ اتفاق السلم والمصالحة الذي ترعاه الجزائر منذ العام 2015، بمرافقة أممية ودولية، بات يترنح في الآونة الأخيرة، أمام نوايا القيادة العسكرية في مالي التنصل من بنوده
وشكل دخول فاغنر على خط النزاع المسلح في مالي تحولا لافتا في الأزمة التي تهدد منطقة الساحل بالانفجار، فقد جاء الاشتباك المسلح المندلع منذ ليل الخميس بالتزامن مع التطورات المتسارعة في النيجر، ليكرّس حجم التهديدات التي تحيط بالجنوب الجزائري، وتداخل الأوراق العسكرية والإستراتيجية في المنطقة.
ويأتي هذا التطور وسط مخاوف من مدى استعداد الجزائر للتعاطي مع هذه التغييرات والقدرة على احتواء تداعياتها، وأنها يمكن أن تواجه مشهدا أكبر من قدرتها، وأن الثقة العالية بالنفس قد تنتهي إلى الصدمة في حال واجهت تغييرات أكبر من توقعها، مثل ما حصل مع فرنسا التي كانت تعتقد في قدرتها على التحكم بتحولات منطقة الساحل والصحراء لتستفيق على موجة تهز مناطق نفوذها دولة بعد أخرى.
ورغم التطمينات التي قدمها الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية الجنرال سعيد شنقريحة حول استعداد الجيش الجزائري وجاهزيته لكل المخاطر التي تهدد البلاد، فإن شخصيات سياسية ودبلوماسية أبدت مخاوفها من أن الوضع قد يستهدف إدخال الجيش الجزائري في حالة منهكة من اللاحرب واللاسلم.
وقال نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إن الجزائر تدفع فاتورة التساهل مع الدور الروسي في مالي، والحياد البارد الذي أبدته تجاه دور فاغنر على حدودها الجنوبية خاصة في ظل دعم غير معلن للانقلابات التي حصلت سواء في مالي أو النيجر.
◙ مخاوف من مدى استعداد الجزائر للتعاطي مع هذه التغييرات والقدرة على احتواء تداعياتها
ويبدو أن وجود فاغنر على الأراضي الأفريقية لم يعد يحرج موسكو، رغم تداعياته على تأجيج الصراع في المنطقة، وأنه يتعدى سقف التقارب القائم بين الجزائر وروسيا، بعدما تحول هذا الوجود إلى طرف في أزمة تحاول الجزائر معالجتها منذ العام 2015، عبر تحقيق مصالحة بين حكومة باماكو والفصائل المسلحة في شمال البلاد.
وقالت تقارير دولية نقلا عن شهود عيان إن “اشتباكات اندلعت ببلدة البير الواقعة في إقليم كيدال في شمال البلاد وغير بعيد عن الحدود الجزائرية، منذ يوم الخميس، بين وحدة من الجيش المالي وعناصر مسلحة تابعة لتحالف الأزواد العسكري”.
وأفاد الشهود أن “دفاعات التحالف العسكري لمنطقة الأزواد المدعوم بعناصر تنظيم أنصارالدين، قد دحر القوة العسكرية المالية، التي اشتبكت مرتين في محيط بلدة البير، الأولى مع التنظيم الإسلامي، والثانية مع التحالف الأزوادي، وأن اضطرار فاغنر للتراجع أوقع الوحدة في فخ عسكري”.
وتابعوا “الجميع يختبئون في الداخل. نحن نسمع دوي طلقات النيران. هناك نيران من أسلحة خفيفة ومن أسلحة ثقيلة”.
وليست هذه المرة الأولى التي تسجل فيها اشتباكات مسلحة بين الجيش الرسمي المالي ومسلحي التنسيقية العسكرية للأزواد أو التنظيمات الجهادية، على غرار أنصارالدين وداعش، خاصة منذ الانقلاب على السلطة المدنية في مالي العام 2020 ثم العام 2021، غير أن دخول قوات فاغنر على خط الأزمة وتزامنه مع الانقلاب العسكري الآخر في النيجر، يعتبر تحديا جادا للجزائر التي تتقاسم نحو 2400 كيلومتر من الحدود البرية مع مالي والنيجر.
ويعتبر تأمين الحدود الجنوبية للبلاد من نشاط الجماعات الجهادية والتنظيمات الاستقلالية، وعصابات الهجرة السرية والجريمة المنظمة، فضلا عن إمكانيات اللجوء الإنساني بنزوح المئات من اللاجئين، عبئا ثقيلا سيكون الجيش الجزائري أول من يتحمل نتائجه وتداعياته.
◙ وجود فاغنر يتعدى سقف التقارب بين الجزائر وروسيا، ويراكم توترات أمنية تهدد حدود الجزائر وتخرجها من الحياد
وبات اتفاق السلم والمصالحة الذي ترعاه الجزائر منذ العام 2015، بمرافقة أممية ودولية، يترنح في الآونة الأخيرة، أمام نوايا القيادة العسكرية في مالي التنصل من بنوده، وتهديد الفصائل المسلحة بالتخلي عنه، بسبب ما تصفه بـ”التحرش المستمر لقوات الجيش المالي”، وهو ما يعتبر تهديدا ميدانيا يعكس التحولات السياسية في المنطقة، في ظل تراجع النفوذ الفرنسي مقابل التغلغل الروسي الداعم لنخب عسكرية صاعدة في أفريقيا.
وجاء ظهور قوات فاغنر إلى جانب الجيش المالي في آخر تحرك ميداني له ضد الفصائل المسلحة المعارضة للسلطة المركزية، ليرفع اللبس الذي كان يطرح حول الدور الروسي في التحولات المتسارعة في أفريقيا، ويحاول فرض واقع ميداني جديد ستكون دول الجوار أولى ضحاياه وعلى رأسها الجزائر التي تشترك في نحو 2400 كيلومتر من الحدود البرية مع مالي والنيجر، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر إستراتيجية على مصالحها وأمنها.
وأعلنت تنسيقية الحركات الأزوادية أن قواتها تصدت لهجوم وصفته بـ”المعقد” من جانب الجيش المالي وقوات فاغنر في بلدة البير الواقعة شمال البلاد، بينما برر الجيش المالي هجومه برغبته في صد هجوم كان إرهابيون بصدد القيام به.
ومنذ الانقلاب العسكري في مالي العام 2020، يخيم الفتور على علاقات السلطة المالية مع الجزائر، بسبب رغبتها في التنصل من اتفاق المصالحة الذي تتمسك به الجزائر، لكن ذلك لم يكن مصدر تهديد كبير، قبل أن تدخل قوات فاغنر على الخط، وانضمام النيجر إلى المجموعة الأفريقية التي تحث الخطى نحو إعادة التوازنات الإقليمية والدولية في القارة السمراء.