كريتر نت – متابعات
في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة اليمنية عن تخفيض أسعار التأمين البحري في الموانئ الخاضعة لسيطرتها، كانت مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، تقوم بإرسال تعميمات إلى التجار وشركات الملاحة تبلغهم بزيادة أسعار الجباية التي تفرضها تحت مسمى الضرائب والجمارك على السلع والبضائع القادمة إلى مناطقها أو الواصلة عبر ميناء الحديدة الخاضعة لسيطرتها.
خلال سنوات الحرب العبثية التي تقودها الميليشيات الحوثية، ارتفعت كلفة التأمين البحري الواصلة إلى الموانئ اليمنية، إلى 16 ضعفاً، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية المستوردة. وتبلغ أسعار التأمين على الشحن إلى موانئ عدن 0.40% من قيمة الحمولة، بينما يبلغ سعر التأمين إلى الحديدة أكثر 0.62% من قيمة الحمولة.
وعود كاذبة
نجحت المليشيا الحوثية في استغلال الهدنة الأممية ورغبة المجتمع الإقليمي والدولي في تمديدها، من أجل فتح ميناء الحديدة بشكل كلي أمام حركة السفن القادمة من إيران وعدة دول أخرى. وتمكنت من خلال عمليات الضغط والإجبار التي مارستها على شركات الملاحة والتجار المستوردين تشغيل عدد من خطوط الملاحة التجارية إلى الميناء.
ومنذ مطلع العام الحالي، أصدرت الميليشيات الحوثية عبر وزارة الصناعة والتجارة في حكومة صنعاء، غير المعترف بها دولياً، قرارات للتجار بمنع الاستيراد عبر الموانئ المحررة الخاضعة للحكومة الشرعية، وأوقفت نقاط الجمارك الحوثية دخول شاحنات البضائع القادمة من المحافظات المحررة ضمن خطواتها لتحويل عمليات الاستيراد صوب ميناء الحديدة.
كما قدمت الميليشيات وعودا كثيرة للتجار والمستوردين من تسهيلات وامتيازات عبر ميناء الحديدة، مستغلة التخبط الحكومي في إدارة الموانئ المحررة وارتفاع أسعار صرف الدولار الجمركي الذي وصل إلى 750 ريالا يمنيا، وكذا أعمال الجباية التي يقومون بفرضها بالقوة على التجار في نقاط الجمارك على الحدود مع المناطق المحررة.
ويقول عدد من التجار لـ”نيوزيمن”: الإجراءات المتصاعدة في الموانئ المحررة، خصوصا ارتفاع سعر صرف الدولار في التعاملات الجمركية، وكذا الجبايات المفروضة والإجراءات القمعية التي مارستها الميليشيات الحوثية بحق البضائع القادمة من ميناء عدن دفع بالكثير من التجار إلى الانتقال لميناء الحديدة للهروب من الخسائر الكبيرة.
لم تدم التسهيلات الحوثية كثيرا، قبل أن يفاجأ التجار المستوردون في ميناء الحديدة مؤخرا بارتفاع أسعار الشحن البحري مقارنة بموانئ عدن بنسبة تقدر بنحو 70 بالمائة.
وقالت مصادر ملاحية وتجارية، إن سعر شحن الحاوية 40 قدما إلى موانئ عدن تبلغ 3200 دولار بينما يبلغ سعر شحن نفس الحاوية إلى موانئ الحديدة أكثر من 5250 دولارا. بالمقابل سعر الشحن لذات الحاوية إلى موانئ جدة السعودية أو الموانئ المصرية لا يتجاوز 1100 دولار.
لم تكتف ذراع إيران بارتفاع أسعار الشحن البحري إلى ميناء الحديدة، بل سارعت إلى إثقال كاهل التجار والمستوردين بمزيد من الجبايات والإتاوات تحت مسمى الضرائب الجمركية وغيرها من المسميات التي تستحدثها القيادات الحوثية لجني مليارات الريالات لحساباتها الخاصة.
إغلاق ميناء الحديدة
مطلع أغسطس الجاري، أعلنت الميليشيات عن جرعة جديدة في الرسوم الضريبية على السلع القادمة عبر المنافذ البرية المرتبطة بالمناطق الحكومية، أو عبر طريق البحر “ميناء الحديدة”.
وقضى القرار الحوثي الصادر من وزارة المالية إلى رئيس مصلحة الجمارك بـ”تحصيل الرسوم الضريبية والعوائد الأخرى على كافة السلع المستوردة عبر المنافذ البرية، كما في ميناء الحديدة بنسبة (100%)، توريد نقدي من إجمالي القيمة الجمركية”.
كما قضى القرار الحوثي، باستمرار “نسبة الرسوم الجمركية (50%) من إجمالي القيمة الجمركية لكافة السلع الواردة إلى المراكز البرية سواء أتت عبر المنافذ البرية أو البحرية للمناطق (الخاضعة لسيطرة الشرعية)”. وبدء تنفيذ القرار فعلياً بحسب القرار من تاريخ 8 أغسطس 2023.
القرار العشوائي انعكس سلباً على أسعار السلع المستوردة التي ارتفعت بشكل كبير، لتزيد من تفاقم الأزمة الغذائية والإنسانية التي تصفها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ على مستوى العالم.
الحكومة اليمنية بدورها ردت على هذه القرارات بالتهديد بإغلاق ميناء الحديدة، في حال استمرار الميليشيات الحوثية بحربها الاقتصادية ضد أبناء الشعب اليمني.
وقال وزير الإعلام معمر الإرياني “إن فرض مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، جبايات مضاعفة على حركة كافة السلع والبضائع في المنافذ الرابطة بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، توازي الرسوم الضريبية والجمركية التي تفرضها على السلع المستوردة عبر ميناء الحديدة، خطوة تصعيدية جديدة تندرج ضمن الحرب الاقتصادية المُعلنة التي تشنها على الحكومة والشعب اليمني”.
الوزير اليمني قال إن هذه الخطوة الخطيرة تهدف إلى إجبار شركات الاستيراد والتجار على وقف الاستيراد عبر ميناء عدن، والاتجاه لميناء الحديدة الواقع تحت سيطرتها. وهذا يندرج ضمن المخطط الرامي إلى الإضرار بإيرادات الدولة، والحيلولة دون قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها بما في ذلك دفع مرتبات الموظفين في المناطق المحررة، امتداداً لسياسات الافقار والتجويع التي تنتهجها بحق المواطنين”.
وجدد الإرياني التحذير من استمرار مليشيا الحوثي في مسارها التصعيدي الذي يفاقم المعاناة الانسانية المتردية، وينذر بانهيار الاوضاع الاقتصادية، مؤكدا أن الحكومة لن تقف مكتوفة الايدي امام هذا التصعيد الخطير، وستضطر لإعادة النظر في التسهيلات المتصلة بإعادة تشغيل ميناء الحديدة، واتخاذ الاجراءات والتدابير التي تحفظ مصالح ومقدرات الشعب اليمني.
وطالب المجتمع الدولي والامم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن باتخاذ موقف واضح من هذه الخطوات التي تتعارض مع جهود ودعوات التهدئة، وتؤكد مضي المليشيا الحوثية في نهج التصعيد دون اكتراث بالأوضاع الاقتصادية والانسانية الصعبة، والضغط على المليشيا لوقف الحرب الاقتصادية الممنهجة، والتي تُهدد بنسف فرص السلام، وجر الاوضاع لمزيد من التعقيد.
ضربة حكومية
وتزامناً مع إصدار الحوثيين لقرارات الزيادة الضريبية الجمركية، أعلنت الحكومة اليمنية عبر وزير النقل، عبدالسلام حُميد، إبرام اتفاقية مع شركات التأمين البحري العالمية والأمم المتحدة، لتخفيض تكلفة التأمين على السفن القادمة صوب الموانئ اليمنية المحررة.
وقال: إن توقيع الاتفاقية يمثل إنجازاً كبيراً، خصوصا وأن كلفة التأمين البحري ارتفعت إلى 16 ضعفاً جراء تبعات الحرب المستمرة منذ أكثر من 8 سنوات، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية المستوردة.
وتأمل الأمم المتحدة أن تكون هذه الخطوة أحد الحلول لخفض الأسعار، إلا أن القرارات الحوثية استبقت هذه الخطوة برفع تكاليف الجمارك والضرائب للبضائع المستوردة وهو ما يؤكد أن الأزمة الغذائية وارتفاع الأسعار ستظل قائمة خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات.
وخلال السنوات الماضية، سعت الأمم المتحدة بالشراكة مع سلطات الموانئ اليمنية والقطاع الخاص وموانئ روتردام لإيجاد حلول تسهم في خفض كلفة التأمين التي تعتبر من أعلى النسب عالمياً بسبب مخاطر الحرب والفوضى التي تشهدها البلاد.
وتشمل الحلول التواصل مع شركات التأمين البحرية العالمية لتشجيعها على خفض رسوم التأمين، فضلا عن إصلاح البنى التحتية للموانئ لتقليل الوقت اللازم والمُكلف للغاية الذي تقضيه السفن في الرصيف لتفريغ البضائع، وما يترتب على ذلك من غرامات التأخير.