صالح البيضاني
في توقيتات مدروسة، يطل نائب رئيس مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري بين الحين والآخر، للتشكيك في شرعية “الشرعية” والطعن في مشروعية مجلس القيادة الرئاسي، الذي يمثل “الشرعية” اليوم في اليمن، ولمن لا يعلم، حصل جباري على هذا المنصب في أول اجتماع للبرلمانيين المساندين للشرعية في 2019 والتوافق على اختيار رئيس للمجلس وثلاثة نواب، من بينهم ممثل لكتلة “الرماديين”!
وحالة جباري ليست حالة فريدة في المشهد اليمني، خصوصا في معسكر المناهضين للحوثي، بل هي مؤشر على حجم الانقسامات والتناقضات والازدواج السياسي الذي أنتج في نهاية المطاف تيارا من داخل الشرعية، يعمل بدون كلل أو ملل على تقويضها والنيل منها.
هذا التيار يشبه بقعة رمادية تتسع يوما بعد يوم في معسكر “الشرعية” اليمنية، بفعل تمويل خارجي سخي من قبل أطراف إقليمية، قررت منذ أمد بعيد أن تصفي حساباتها القديمة مع الدول التي باتت تمثل اليوم “التحالف العربي”، عبر تغذية الصراع في اليمن، والحرص على أن تخرج الجماعة الحوثية منتصرة في نهاية المطاف، لتظل شوكة في خاصرة المنطقة.
وجد هذا “التيار الرمادي” هامش مناورة أوسع بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، واتساع دائرة المناورة السياسية واللعب على المتناقضات المحلية والإقليمية، وأصبحت رموز هذا التيار، كما هو حال جباري، تتحرك بحرية أوسع وتراكم مكاسبها السياسية والمادية من دون أن تدفع ثمن مواقفها المتطرفة التي تطعن في شرعية “الشرعية” وهو ما يعني ببساطة ومن دون الحاجة إلى إجراء معادلات حسابية، تعزيز شرعية الطرف الآخر المتمثل في الانقلاب الحوثي.
◙ التيار نجح باعتقادي في إلحاق الضرر البالغ بالشرعية اليمنية أكثر من الحوثيين أنفسهم، وتمكن من خلق مساحة شكوك هائلة تحولت إلى مادة إعلامية يتناقلها الحوثيون قبل غيرهم
تتقاسم وجوه هذا التيار المهام، فبينما يتولى “جباري” التشكيك في الشرعية انطلاقا من موقعه كعضو في مجلس النواب الذي بات هو أيضا موضع تشكيك في قانونيته، يظهر عسكري سابق على فترات متقطعة لتكرار روايته المزعومة حول دور التحالف العربي في عرقلة وصول “الجيش الوطني إلى تخوم صنعاء”، في الوقت الذي يطلق ثالث التصريحات الإعلامية، بصفته مستشارا في الحكومة اليمنية، لتوفير مادة إعلامية مدسوسة، من خلال استهداف دول التحالف العربي والتشكيك في دورها ومهاجمة أطراف يمنية باتت اليوم جزءا من الشرعية، عبر تمثيلها في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، كالمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح.
يحاول رموز “التيار الرمادي” في الشرعية اليمنية وهم يخوضون معركتهم لتقويض “الشرعية” اليمنية من داخلها وحماية المشروع الحوثي، تقديم أنفسهم كتيار وطني مستقل يرفض وصاية دول التحالف العربي على اليمن وينتقد رضوخ الشرعية لما يعتبره إملاءات السعودية والإمارات، كما يواصل هذا التيار استهداف خصومه الذين هم من – ربما من قبيل المصادفة – خصوم الإخوان في اليمن، وتقديمهم كقوى محلية مرتهنة لأجندات التحالف!
أما الصورة النهائية لرموز تيار الإرباك في اليمن الذي يعمل من داخل الشرعية ضد أهداف الشرعية وضد التحالف، فهي استمرار جني المكاسب المادية والمعنوية والسياسية التي تؤمنها الشرعية لهم، رغم مواقفهم المعادية والمشككة بها، ومواصلة الدعم السياسي والإعلامي الذي تقدمه لهم قواعد وكوادر الإخوان وأحيانا الحوثيون، وعرضت الكثير من وسائل الإعلام مواقفهم تلك بشكل مغر على الصعيد الشعبوي، في ذات الوقت الذي يستمر فيه تدفق المال الخارجي الذي يغذي تحركات هذا التيار ويؤمن استمرارية مواقفه.
لقد نجح هذا التيار باعتقادي في إلحاق الضرر البالغ بالشرعية اليمنية أكثر من الحوثيين أنفسهم، وتمكن من خلق مساحة شكوك هائلة تحولت إلى مادة إعلامية يتناقلها الحوثيون قبل غيرهم، كما أربك نشاط هذا التيار أداء الشرعية من داخلها وحول المعركة الإعلامية والسياسية التي كان يفترض توجيهها نحو الحوثيين إلى معركة بين أطراف الشرعية ذاتها، وهو الأمر الذي بلغ ذروته بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وتمكن هذا التيار وأطراف أخرى داخل الشرعية تمده بأسباب البقاء وتوفر له الحماية السياسية والدعم الإعلامي، من تعطيل عمل المجلس الرئاسي إلى حد بعيد وكبح جماح التحولات التي كان يفترض أن تتم بعد تشكيل المجلس بصفته عنوانا لمرحلة جديدة في تاريخ الشرعية تتجاوز أخطاء وتركة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي الثقيلة وإخفاقاتها.
نقلاً عن العرب اللندنية