كتب .. عهد الخريسان
في المؤسسات الهشة دائما ما تفضح الصدمة هشاشة بنيتها مهما حاولوا متعهدو التجميل والتطبيل من أصحاب المصالح والمتزلفين تحسين صورتها وستر عوراتها فالصدمات تكون فاضحة وكاشفة و إنذار بوجود خطأ يبحث عن حل حقيقي ولا يكتفي بمجرد الترقيع والتحوير .
جريمة تعذيب و قتل جمال شهاب كانت تلك الصدمة التي كشفت مدى هشاشة المؤسسات التي تمثل الدولة واعطت الإنذار لرأي العام وبدأت في إعادة تشكيل وعي الشارع تجاه مشكلته و اهم مسبباتها .
ولعلي أستعرض في مقالي هذا مسببات تلك الجريمة لتلافي هذه الأسباب مستقبلا والذي يضمن عدم تكرارها فجريمة التعذيب لحد القتل جريمة والمتهم والمتسبب فيها جهاز أمني مشكلة والمعالجة النمطية بأسلوب الترقيع المعهود يزيد الهوة ولا يردمها ويعمق الجرح ولا يدملة و يشد من فتيل الأزمة ولا يطفأها فما هي تلكم الأسباب ؟!!!
برأي وحسب قرائتي للمشهد و إفرازاته في البلاد وعلى وجه الخصوص محافظتنا لحج فثمة اسباب عديدة لعل أهمها :_
*1/ تشويه مؤسسات الدولة وتحجيم دورها*
الأصل أن الدولة تحكم بنظام تشكله العديد من السلطات المنضوية تحتها العديد من المؤسسات تؤدي عملها بشكل تكاملي وتساهم في مراقبة بعض وحين تفقد هذه الألية تحدث الفجوة بين المؤسسات وتتعمق الهوة وتغيب الرقابة والتغذية الراجعة بينها وهذا ماهو موجود في عموم المحافظات المحررة ومحافظتنا لحج على وجه الخصوص وما جريمة شهاب الا إحدى نتائج ذالكم الواقع !!! كيف ؟!
سأخبرك كيف عزيزي القارى …
بعد مقتل شهاب كان الإجراء القانوني والطبيعي للسلطة المحلية بلحج ممثلة بالمحافظ التركي أن يقوم فورا بإيقاف مدير أمن المحافظة و مدير إدارة مكافحة الإرهاب فصفته رئيس اللجنة الأمنية بالمحافظة والمسؤول الأول عن الأمن في المحافظة لحيازته هذه الصفة له حق الإيقاف والتحقيق والعزل والتكليف ومن واجبه إعادة صياغة الإدارة على أسس وقواعد وأدبيات جديدة تضمن علاقة صحية للإدارة بالمحيط الأمني و المجتمع كون الجريمة لا تصنف كمجرد جريمة فقط لكن تحمل عمق ودلالة تعكس عن طبيعة علاقة مؤسسات الدولة والمجتمع لكن حين ينظر المجتمع إلى جهاز المفروض يحفظ له الأمن بعدائية وخوف فلابد حينها ان نبحث عن الخلل ونعيد صياغة أدبيات وقواعد الجهاز وربما المنظومة الأمنية برمتها .
إن إنعدام التنسيق والتغذية الراجعة هو من أضعف السيطرة على مؤسسات الدولة وأفقدها تماسكها والغى مبدأ العقاب والثواب فيها فمن أمن العقاب اساء الادب .
وايضا مما يؤكد تشويه دور مؤسسات الدولة وتحجيمها أننا لم نسمع اي تحرك لنيابة السجون للممارسة عملها الرقابي على تلك المؤسسات وهي الركن الاصيل والمؤسسة ذات الأولوية في ضمان حقوق السجين و مراقبة سجانه فلو فعلت تلك المؤسسة ووضعت في حجمها وعلى مسار صلاحيتها لما وصلنا الى حدوث مثل تلكم الجرائم !!!
المشكلة في خلاصتها أن عمل مؤسسات الدولة ليس في الإتجاه السليم الذي يهدف إلى تنظيم العلاقة بين نظام الدولة وشعبها يحفظ من خلاله حقوق المواطن ويعزز ثقته بمؤسساته لكن للأسف عمل المؤسسات في إتجاه تشكيل لوابي ترتبط مع بعضها بغائية ضمان المصلحة وإستمراريتها الأمر الذي عطل المؤسسات عن دورها الرقابي وأعطى المجال للمزيد من التجاوزات تجاه المواطن وخلق علاقة سامة بينها وبينه فكانت تلك الإفرازات الكارثية التي من بينها مقتل الشاب شهاب .