هشام النجار
ليس لدى الأجهزة فى بريطانيا ما يبرر – من زاوية النفعية السياسية الصِرْفَة – السماح لجماعة الإخوان الإرهابية بأن تطلق من أراضيها دعاياتها المغلوطة والمكذوبة بشأن الأحداث التى واكبت فض اعتصامى رابعة والنهضة المُسَلحيْن قبل عشر سنوات، بل إن لندن غافلة عن أحداث فيلم أخطر لكنه حقيقى وواقعي.
ما جرى خلال الأيام الماضية هو إسهام الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتليفزيون فى لندن فى الترويج لروايات الإخوان بشأن فض اعتصام رابعة أغسطس 2013م، حيث بث ناشطو الجماعة وبعض داعميها من النشطاء الغربيين اليساريين من قاعاتها فيلمًا هدفه إعادة إنتاج مظلومية الإخوان عبر تصوير ما جرى أنه اعتداء من قبل أجهزة الأمن المصرية على اعتصام سلمى لمدنيين عزل.
ليقل من شاء ما شاء عن كون جماعة الإخوان وظيفية تستخدمها أجهزة غربية فى مهام ابتزاز الدول والضغط عليها والحصول على معلومات..الخ، وهذا حصل وسيظل يحدث، لكنهم يغفلون أن الشرق الأوسط (خاصة مصر) نظف نفسه من الجماعة ولم تعد كما كانت فى العقود السابقة بالقوة التى تستأهل كلفة توظيفها للضغط والابتزاز، علاوة على أن المخطط الكبير للإخوان – وهذا هو الأهم – انتقل ليُنفَذ داخل العمق الأوروبى بعد أن فقد بريقه ودواعى استمراره بالمنطقة العربية؛ وفيمَ تُسهِم لندن فى الترويج لرواية الإخوان المغلوطة بشأن فيلم رابعة، تغفل عن فيلم هو الأخطر على الإطلاق تجرى أحداثه الحقيقية بالمملكة المتحدة وكل دول أوروبا، حيث هناك دولة إخوانية موازية تُؤسَس، وعزل للمسلمين عن مجتمعاتهم وعن باقى مكوناتها لتكون تبعيتهم طائفية وأيديولوجية خلف قيادة مرشد التنظيم الدولى لا لدولهم الوطنية، فضلُا عن التعاون الإخوانى مع مختلف شبكات الجهادية التكفيرية.
هذا يعنى ببساطة –ووفقًا لتسلسل الأحداث- أن مصر دافعت عن كيانها كدولة موحدة فى مواجهة مشروع دولة إخوانية موازية تجسدت فى النهاية فى بؤرة رابعة المسلحة حيث تم فصل قطاع من المصريين طائفيًا عن مجتمعهم وشحنهم بكل ألوان الكراهية والحقد على إخوانهم من المختلفين معهم سواء فى العقيدة أو فى وجهات النظر السياسية، وغُذِيَت البؤرة الانفصالية بعتاة التكفيريين المسلحين من قاعدة وداعش وحازمون وجبهة سلفية.. الخ؛ وفيما تُسهِم لندن فى ترويج كذبة المظلومية والسلمية، تغفل عن أنها الآن ساحة لتنفيذ مشروع دولة إخوانية موازية بنفس التفاصيل والآليات.
لا أستطيع كمراقب أن أفهم هذا التناقض الفج؛ وكيف يجرى تبرير التعاون مع الإخوان والترويج لدعاياتها من قبل بعض الدول الغربية بأن أجهزتها الاستخباراتية توظف الجماعة كورقة ضغط فى الشرق الأوسط لشن حروب دعائية ونشر معلومات مُضَلِلة عن بعض الدول لتحقيق مكاسب، وفى الوقت ذاته تنشر هذه الأجهزة الإستخباراتية ذاتها تقاريرَ تعكس خطورة تنظيم الإخوان على أوروبا بأكملها، وأنه بات أكثر خطورة من داعش والقاعدة؛ حيث يعتمد على التخفى والسرية. جرى عرض فيلم الإخوان عن فض رابعة فى قلب لندن، وما لم ينتبه إليه البريطانيون أنهم يعانون معضلة حلها المصريون والدولة المصرية؛ فبؤرتا رابعة والنهضة المسلحتان كانتا تجسيدًا لعزل قطاع من الشعب وتحريضه طائفيًا على البقية؛ والآن تجتاح جماعة الإخوان بريطانيا ودول الغرب بنفس النهج الذى يعارض اندماج المسلمين فى مجتمعاتهم الغربية، ويروج لتفسير للإسلام يرسخ للكراهية والعداء مع غيرهم ما يسهم فى تعميق الاستقطاب المجتمعى وتشكيل مجتمعات موازية يستخدم أعضاؤها نظمًا قانونية وتحكيمية مغايرة لأنظمة الدولة.
نقلاً عن “بوابة الأهرام”