ألون بن مئير
ستكون لاحتمال تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية تداعيات هائلة على إسرائيل والمنطقة بأسرها. وبما أن الأمر يتطلب بالتأكيد تضحيات شخصية لوضع المصالح الوطنية لإسرائيل في المقام الأول، فإن السؤال هو: هل سيتحلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالشجاعة للقيام بما هو أفضل من أجل الدولة؟
يواجه نتنياهو فرصة تاريخية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية ووضع البلاد على مسار لا مثيل له من التقدم والأمن والسلام. ولكن لكي يحدث ذلك، سيتعين على نتنياهو الموافقة على قبول طلب السعوديين المعروف بإقامة مسار يؤدي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وبالنظر إلى مشاكل نتنياهو القانونية الشخصية واعتماده على أكثر الحكومات عنصرية في تاريخ إسرائيل للبقاء في السلطة، فهل سيضحي بمصالحه الشخصية من خلال قبول المطالب السعودية، الأمر الذي سيعجل بالتأكيد بانهيار حكومته ويجبره على مواجهة خطره القانوني؟ سيكون خياره الآخر هو التخلي عن مثل هذه الفرصة التاريخية من خلال الاستمرار في اتباع سياسات من شأنها تفكيك ديمقراطية إسرائيل وتحويلها إلى دولة استبدادية، وتكثيف الصراع العنيف مع الفلسطينيين، ووضع إسرائيل دائمًا في موقف دفاعي بينما يتربّص بها أعداؤها عن كثب.
السعودية هي الدولة العربية الرائدة بحكم الأمر الواقع وممثلة للإسلام السني. سواء أكان السعوديون يهتمون بالقضية الفلسطينية أم لا، لا يمكنهم ببساطة التخلي عن الفلسطينيين وتركهم لمصيرهم وفي نفس الوقت يطالبون بالدور القيادي الذي يطمحون إليه بشدة. لا يمكن ولا ينبغي للسعوديين، تحت أي ظرف من الظروف، الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما لم توافق حكومة نتنياهو على إنهاء الصراع مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.
وبالنسبة إلى الفلسطينيين، تقدم السعودية الأمل الأخير لحماية مصالحهم الوطنية. وإذا شعر الفلسطينيون بأن السعوديين تخلوا عنهم ولم يتبق لهم ما يخسرونه، فسيشعرون أنه ليس لديهم خيار سوى اللجوء بشكل متزايد إلى العنف ضد الإسرائيليين بقصد زعزعة استقرار المنطقة وتعطيل عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج، وخاصة السعودية. ويعلم الفلسطينيون أنه في حالة اندلاع نزاع كبير بينهم وبين إسرائيل، فلن يكون أمام الدول العربية خيار سوى الوقوف إلى جانبهم.
تعرف السعودية إلى أي مدى يمكن أن تستفيد بشكل مباشر من تطبيع العلاقات من حيث التكنولوجيا وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وقبل كل شيء الأمن الإقليمي. وتعرف الرياض أيضًا أن إسرائيل تريد التطبيع بنفس القدر، إن لم يكن أكثر مما تريده هي نفسها. بالإضافة إلى ذلك، يعرف السعوديون إلى أي مدى تود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تتوصل السعودية وإسرائيل إلى اتفاق لأنه سيخدم بشكل كبير المصالح الجيوستراتيجية الإقليمية الشاملة للولايات المتحدة. ويشمل ذلك كبح نفوذ الصين، واحتواء برنامج الأسلحة النووية الإيراني، وإضعاف التطرف، وتحقيق الاستقرار في المنطقة لضمان قوة الولايات المتحدة على المدى الطويل دون منازع على منطقة ذات أهمية إستراتيجية محورية.
وبمعرفة مدى استفادة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل من التطبيع ومدى حرصهما على إبرام مثل هذا الاتفاق، طرح السعوديون ثلاثة متطلبات رئيسية من الولايات المتحدة كشرط أساسي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل:
– ضمان الأمن القومي للسعودية على غرار التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو، حيث يشكل الهجوم على أي دولة عضو هجومًا على جميع الدول الأعضاء، بما في ذلك الولايات المتحدة.
– توفير المنشآت النووية للأغراض المدنية بما في ذلك إنتاج الطاقة النظيفة والأغراض الطبية والهيبة المصاحبة لها.
– الموافقة على شراء أنظمة الأسلحة الأميركية الأكثر تقدمًا، بما في ذلك طائرة أف – 35 من بين ترسانات أخرى.
يدرك السعوديون تمامًا أن الرئيس بايدن يريد تحقيق فوز كبير قبل الانتخابات مباشرة من خلال البناء على اتفاقيات أبراهام. ومن الواضح أنهم في وضع يسمح لهم بمنحه مثل هذا الفوز بشرط أن يفي بمتطلباتهم.
وبغض النظر عن مدى استحسان وبعد آفاق تداعيات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فإن مهمة الرئيس بايدن لا تزال صعبة للغاية بسبب عاملين رئيسيين. أولا، ستثير متطلبات السعوديين المشروطة من الولايات المتحدة بالتأكيد مقاومة كبيرة من الكونغرس. ولكن إذا أنهت الصفقة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس حل الدولتين، والذي يصر عليه العديد من القادة الديمقراطيين بمن فيهم السناتور كريس فان هولين وتيم كاين، فمن المرجح أن يوافق عليها مجلس الشيوخ مع بعض التعديلات لأنهم يفهمون ويقدرون كيف ستفيد هذه الصفقة بشكل كبير المصلحة الجيوستراتيجية للولايات المتحدة.
الصعوبة الثانية والأكثر شدة التي سيواجهها الرئيس بايدن هي اعتراضات نتنياهو على تقديم أي تنازلات كبيرة للفلسطينيين، خاصة تلك التي من شأنها أن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، يعارض شركاء نتنياهو الحاليون في الائتلاف بشدة أي تنازل كبير للفلسطينيين وأي خطوة من هذا القبيل يمكن أن تؤدي إلى حلّ حكومته حتّى إذا قدم نتنياهو تنازلاً جزئيًا، مثل تجميد التوسع الاستيطاني أو إنهاء أي ضم إضافي للأراضي الفلسطينية.
وإلى جانب موقف نتنياهو وحكومته، من الأهمية بمكان بالنسبة إلى الجمهور الإسرائيلي وعدد قليل من الأعضاء الأقل تطرفا في الحكومة أن يفهموا مدى أهمية العواقب على مستقبل إسرائيل في حال تطبيع العلاقات مع السعودية.
من الصعب المبالغة في تقدير الفوائد الهائلة التي ستجنيها إسرائيل. بادئ ذي بدء، سيفتح الباب لتطبيع العلاقات مع معظم، إن لم يكن جميع الدول العربية وأغلبية الدول المسلمة، وينهي عزلة إسرائيل، ويعزز أمنها القومي بشكل كبير، لأن تطبيع العلاقات من شأنه أن يستلزم التعاون الأمني. وبما أن أي اتفاق إسرائيلي – سعودي يجب أن يتضمن خارطة طريق نهائية لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فسوف يسحب البساط من تحت أرجل العدو اللدود لإسرائيل، ألا وهي إيران ووكيلها حزب الله، ويجبر حماس على إعادة النظر في موقفها العسكري تجاه إسرائيل.
علاوة على ذلك، فإن تصدير إسرائيل للتكنولوجيا والمعرفة العلمية الأخرى في جميع مجالات العمل، إلى جانب تصدير المعدات العسكرية، سوف ينمو بشكل كبير جنبًا إلى جنب مع الاستثمارات الأجنبية، مما يجعل البلاد قوة اقتصادية لها تأثير سياسي مماثل. وإضافة إلى ذلك، ستصل صداقة إسرائيل وعلاقاتها التعاونية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى آفاق جديدة وتعزز بشكل جوهري مصالحهما الإقليمية الجيوستراتيجية المشتركة وتلطيف أي احتكاك في السياسة أو الإستراتيجية في التعامل مع أي صراع إقليمي.
وأخيرًا، فإن إنهاء الاحتلال سيعيد الأساس الأخلاقي لإسرائيل، ويخفف من الكراهية السامة بين إسرائيل والفلسطينيين، ويعيد كرامة ونزاهة الجيش الإسرائيلي، والأهم من ذلك، إنهاء تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم تحت الاحتلال.
وفي حالة التوصل إلى اتفاق، وبالنظر إلى تعقيدات القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية المتنازع عليها، ينبغي على السعودية والولايات المتحدة وضع خارطة طريق وجدول زمني لتنفيذ مختلف مكونات الاتفاقية مع مراقبة التقدم المُحرز لضمان أن كلا الجانبين يمتثلان بالكامل للأحكام الواردة فيه. كما ينبغي تكريس اتفاقية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية في معاهدة بين الجانبين تربط الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية المستقبلية وتضمنها الولايات المتحدة والسعودية.
أنا أقر بأن تغيير نتنياهو لموقفه بعيد الاحتمال. ولكن بالنظر إلى غروره المتضخم وقلقه بشأن إرثه، هذا إلى جانب الضغط المتزايد من الولايات المتحدة، فقد تكون هناك فرصة ضئيلة لتغيير رأيه على الرغم من أن هذه القفزة محملة بمخاطر شخصية كبيرة. والسؤال هو، هل سيحشد مع ذلك الشجاعة ويرتقي إلى المناسبة التاريخية ويظهر حنكة رجل دولة ويترك إرثًا لشخصية ضحت بنفسها سياسيًا من أجل الأمة؟ أشك في أنه سيفعل ذلك، لكن المعجزات تحدث، وإسرائيل اليوم بحاجة ماسة إلى واحدة.
المصدر العرب اللندنية