كريتر نت – متابعات
كان الملحن “فاغنر” هو الموسيقي الأكثر تأثيرا في عصره بعد بيتهوفن، حيث أعاد اختراع الأوبرا وقاد الطريق إلى الحداثة الموسيقية.
فما بين مقطوعاته المشحونة بالعاطفة والتي رافقت الجيوش المندفعة، والدراما الرومانسية حيث موسيقى الزفاف، صنع ريتشارد فاغنر، إرثا اختلف عليه كثيرون، وأحببه أيضا آخرون.
لكنه ورغم تألقه ونجاحه، كان له جانب مظلم في حياته، ارتبط بمعاداته للسامية، وعلاقته بالزعيم النازي أودلف هتلر الذي كان مغرما بمقطوعاته الموسيقية التي آنسته في مخبأه ببرلين.
ومن بين جميع الملحنين، يظل فاغنر ، الذي يعني اسمه “صانع العربات”، هو الأكثر إثارة للجدل، إذ لا يوجد موسيقي كلاسيكي آخر يثير مثل هذا التعصب.
كان يتخيل نفسه فيلسوفا، فكتب بغزارة عن الموسيقى والدين والسياسة. وفي فترة الهدوء في منفاه، غمس الملحن ذو اللسان الطليق أصابعه في الفلسفة، وكتب مجموعة من المقالات.
فقال في إحدى كتاباته “أنا لست مثل الآخرين. لدي أعصاب دقيقة. يجب أن أتمتع بالجمال والتألق والنور. العالم مدين لي بما أحتاجه. لا أستطيع أن أعيش على وظيفة عازف أرغن بائس”.
حياته
ولد ريتشارد فاغنر في لايبزيغ بألمانيا، في 22 مايو/أيار 1813، وهو واحد من تسعة أطفال في عائلة من الطبقة العاملة. بحسب ما طالعته “العين الإخبارية” في موقع “الموسيقى والهولوكست”.
وبعد فترة وجيزة من ولادته، انتقلت العائلة إلى دريسدن، وبعد ذلك إلى براغ.
عندما كان شابا، انجذب فاغنر إلى المسرح، ورأى في الموسيقى امتدادا لاهتمامه هذا، وبحلول الوقت الذي كان فيه مستعدا لبدء دراسته، كان قد قرر الالتزام بالتأليف، والتحق بجامعة لايبزيغ لدراسة الموسيقى.
بعد الانفصال عن زوجته الممثلة مينا بلانر بسبب الخيانة الزوجية من كلا الجانبين، انتقل الموسيقي المكافح إلى باريس، ثم عاد إلى دريسدن، باحثا عن النجاح الفني وتجنب دائنيه.
وفي دريسدن، حقق أول نجاح حقيقي له من خلال عرض أوبراه “رينزي”. ومع ذلك، فقد انخرط أيضا في الحركة القومية السرية، وهو التورط الذي أجبره على النفي بعد ثورة عام 1848.
“معاداته للسامية”
وفي عام 1850، كتب أطروحته “اليهودية في الموسيقى” التي نفى فيها أن اليهود قادرون على الإبداع الحقيقي، واعتبروه حينها “معاديا للسامية”.
وفي القرن التاسع عشر، اعتذرت هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية عن تشغيل موسيقى فاغنر.
وعلى الرغم من أنه كان يهاجم الموسيقى اليهودية حتى وفاته، ووصف بأنه “معاد للسامية” إلا أن فاغنر لم يكن كارها لليهود كما صوره النازيون، حيث كانت لديه علاقات وثيقة مع الأصدقاء والزملاء اليهود، مثل هيرمان ليفي، وكارل تاوسيغ، وجوزيف روبنشتاين.
بل إن كثيرين أكدوا أن معاداة فاغنر للسامية لم تكن أكثر أهمية بالنسبة لإبداعه الموسيقي من أي سمة مميزة أخرى لشخصيته.
وفي كتابات أخرى، اعتبر ريتشارد فاغنر أن الموسيقى الألمانية متفوقة على أي موسيقى أخرى. وقال إن الفن الألماني كان نقيا وروحيا، وكان عميقا بينما كانت الموسيقى الإيطالية والفرنسية سطحية.
عاش فاغنر خلال الحرب والثورة وصعود القومية. فعندما كان شابا، لجأ إلى المتاريس في دريسدن، وأُجبر على العيش في المنفى السياسي.
وفي سنواته الأخيرة، أصبح قوميا بشدة، ورحب بميلاد الدولة القومية الألمانية والإمبراطورية الألمانية.
ولا يزال فاغنر، موضوعا حساسا في ألمانيا، كما هو الحال في إسرائيل، حيث تعتبر مؤلفاته من المحرمات في قاعات الحفلات الموسيقية.
علاقته بهتلر
في عام 1933، وهو العام الذي وصل فيه هتلر إلى السلطة، تم الاحتفال بالذكرى الخمسين لوفاة الملحن ريتشارد فاغنر في مهرجان بايرويت تحت شعار “فاغنر وألمانيا الجديدة”.
كانت الروابط بين مؤلف الأوبرا في القرن التاسع عشر و”ديكتاتور” القرن العشرين موجودة منذ بدايات الحزب النازي، وكان من المقرر تعزيزها وتطويرها طوال سنوات حكم هتلر.
ويقول مؤرخون إنه قد لا يوجد موسيقي آخر يرتبط ارتباطا وثيقا بالنازية مثل فاغنر، حيث أصبحت أوبراه نشيدا للقومية الألمانية.
وعندما نزل هتلر إلى مخبأ برلين في عام 1945، أخذ معه كومة من المقطوعات الموسيقية الأصلية لفاغنر، بحسب ما طالعته “العين الإخبارية” في موقع “thecollector”.
ووفق ما ذكره موقع “دويتشه فيله” الألماني، عزا مؤرخ الطبي جيمس كينواي، حب هتلر لموسيقى فاغنر إلى أنها كانت أشبه بموسيقى تصويرية لجنون العظمة الذي كان يعاني منه الزعيم النازي.
وعلى الرغم من الجدل المستمر حول آرائه الدينية والسياسية، تم أداء أعمال فاغنر من قبل موسيقيين يهود وغير يهود منذ القرن التاسع عشر.
ما بين الماضي والحاضر.. فاغنر روسيا
في تصريحات نشرتها صحيفة “دي فيلت” الألمانية، في وقت سابق من العام الجاري، هاجمت حفيدة ريتشارد فاغنر، اسم المجموعة العسكرية الروسية التي تحمل اسم جدها.
وقالت كاتارينا فاغنر، إن “الاستغلال السياسي الشنيع لأعمال الملحن في القرن التاسع عشر من قبل النازيين كان مستمرا في روسيا”، مدينة استخدام المجموعة التي يتزعمها يفغيني بريغوجين (قتل أمس في تحطم طائرة)، لاسم أسلافها.
وتدير كاثرينا فاغنر مع أختها غير الشقيقة إيفا فاغنر-باسكير، مهرجان بايرويت السنوي المخصص للجد الملحن.