كريتر نت – متابعات
بالرغم من تقارب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مع روسيا والصين والتحالف مع جنوب أفريقيا لم يتم قبول ملف عضوية الجزائر في تحالف بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
ولا شك أن هذا الرفض سيصيب المسؤولين الجزائريين بالصدمة ويجعلهم يقفون على حقيقة أن الدبلوماسية الاستعراضية لا تؤدي إلى نتيجة طالما أن الاقتصاد الجزائري محدود التأثير ويعتمد على النفط والغاز قياسا باقتصادات دول أخرى تم قبول عضويتها مثل الإمارات والسعودية.
وكان الرئيس الجزائري واثقا من قبول مطلب بلاده. وقبل شهر قال تبون، في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، إن “الصين وباقي الدول الفاعلة في مجموعة بريكس، على غرار روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، تدعم انضمام الجزائر إلى هذا القطب الجديد”.
رفْضُ الطلب الجزائري درسٌ في أحجام الدول، فلا يكفي عرض المساهمة بمليار دولار للدخول في ترتيبات ضخمة وكبيرة
ويرى مراقبون أن رفض مطلب عضوية الجزائر في بريكس درس في أحجام الدول؛ إذ لا يكفي أن يمتلك أي بلد في جيب مسؤوليه مليار دولار أو يعد بمساهمة بقيمة 1.5 مليار دولار في بنك بريكس ليعتقد أنه يستطيع الدخول في ترتيبات ضخمة وكبيرة لدول في حجم الصين والهند والبرازيل من البلدان المؤسسة أو الإمارات والسعودية من الدول التي ستلتحق في عام 2024.
ومن الواضح أن الجزائر راهنت بدرجة أولى على جنوب أفريقيا، باعتبارها دولة مؤسسة، واعتقدت أن تحالفهما في القضايا الأفريقية سيجعلها تتوسط لفائدتها للحصول على عضوية بريكس، لكن ذلك لم يحصل لأن جنوب أفريقيا لا تتحكم في المجموعة، وهي طرف هامشي قياسا ببقية الأعضاء، ولا تقدر على فرض وافد جديد أو رفض مرشح تختلف معه.
وظهر ذلك جليا في موضوع استدعاء المغرب بشكل لا يتماشى مع التقاليد الدبلوماسية، وهو ما دفع الرباط إلى رفض المشاركة ثم التحرك بسرعة لإقناع بقية الدول المكونة لتحالف بريكس بأن المشكلة ليست مع المجموعة الاقتصادية وإنما مع جنوب أفريقيا.
ويبدو أن وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة قد نجح في جعل نظيره الهندي سوبرامانيام جيشانكار يتفهم موقف الرباط، كما نجح في أن يُبين له اللعبة التي تمسك بخيوطها الجزائر وجنوب أفريقيا باسم مجموعة بريكس ومصالحها وتحالفات دولها، ولعلّ ذلك أحد عوامل رفض مطلب عضوية الجزائر.
ووجه القبول بعضوية ست دول (الإمارات والسعودية ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا) واستثناء الجزائر رسالة واضحة إلى النظام الجزائري مفادها أن المسألة لا تقف عند حد شراء ود روسيا أو الصين بعرض صفقات اقتصادية أو عسكرية كبرى لفائدتهما مثلما حصل خلال زيارة الرئيس تبون إلى موسكو ثم بكين، وإنما الأمر أكبر من ذلك.
وجعلت الجزائر نفسها في وضع حرج؛ فهي لم تنجح في الانضمام إلى بريكس وفي الوقت نفسه وتّرت العلاقة بينها وبين الغرب، وخاصة بينها وبين الولايات المتحدة. ومن الصعب أن تستعيد الثقة التي هدمتها بتصريحات شعبوية عن الاتجاه شرقا.
وخلت اللائحة النهائية التي أعلن عنها الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا في مدينة جوهانسبورغ -والمتعلقة بالدول المعنية بالانضمام إلى مجموعة بريكس- من الجزائر، الأمر الذي شكل مفاجأة عبر عنها مدونون وإعلاميون جزائريون على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما التزمت السلطة الصمت.
وظلت أوساط سياسية ورسمية إلى آخر أنفاس اجتماع القادة الخمسة للمجموعة، متفائلة بشأن قبول عضوية الجزائر، في ظل المؤشرات التي سوقت لها السلطة والدوائر الموالية لها خلال الأشهر الأخيرة، سواء من خلال التصريحات المختلفة أو عبر التقارب المسجل مع روسيا والصين، والذي أوحت من خلاله السلطة الجزائرية بأن ذلك إنجاز يمهد الطريق أمام طلب الانضمام إلى المجموعة.
واكتفت وسائل الإعلام المحلية الخميس بنشر تقارير مقتضبة عن خبر الإعلان عن استثناء الجزائر من الانضمام إلى بريكس دون التعرض لخلفيات هذا القرار ودلالاته، ولم تنشر أي قراءة في الأسباب التي جعلت قادة المجموعة يرفضون تلبية الطلب الجزائري، رغم التطمينات التي قدمتها عواصم بلدان المجموعة في وقت سابق.
وكانت الجزائر قد سرّعت وتيرة اتصالاتها الدبلوماسية خلال الأيام التي سبقت القمة، حيث عقد وزير الخارجية أحمد عطاف اجتماعات مع سفراء كل من الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل المعتمدين في الجزائر، من أجل إقناعهم بفكرة تلبية المطلب الجزائري.
لكن خفض التمثيل في آخر لحظة بإيفاد وزير المالية العزيز فايد، ممثلا للجزائر في قمة المجموعة، كان مؤشرا قويا على أن القيادة السياسية وردتها معطيات سلبية بشأن الطلب، ولذلك تم تنزيل التمثيل من رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن إلى وزير المالية.
وكانت مصادر متابعة قد تحدثت عن زيارة مسبقة لتبون، تقوده إلى جنوب أفريقيا، ليومي 20 و21 من الشهر الجاري، ثم المشاركة في القمة، غير أن المعطيات السلبية دفعت السلطة إلى مراجعة تمثيلها.
واستشعر الرئيس الجزائري خيبة المسعى منذ أسابيع؛ فقد أظهر تراجعا في تحمّسه للمسألة خلال تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام محلية، وأكد لمحدثيه أن “بلاده تنتظر قرارا يترجم معاملة متكافئة في ملفها مع الملفات الأخرى، وإذا تم رفضه فذلك شأنهم”، كما بدا مكتفيا حتى بعضوية “ملاحظ” في المجموعة، وربما يعود ذلك إلى اقتناعه بفكرة أن الشروط التي تفرضها المجموعة لم يتم استيفاؤها من قبل الجزائر.
غير أن اللافت هو أن التطمينات التي قدمها الروس والصينيون لم تكن كافية لترجيح كفة الطلب الجزائري والتأثير في مواقف الأطراف الأخرى، أو أنها كانت مجرد مجاملات أكثر منها اقتناعا بما يطرحه الرئيس الجزائري.