إبراهيم غرايبة
كاتب أردني
نحتاج لأغراض الجدل والتفكير معاً في بناء الاعتدال ومواجهة التطرف أن نقترح تعريفاً عمليّاً محدداً للتطرف الديني.
ما التطرف؟ ومن المتطرف؟
تبدو بعض جوانب ومفاهيم التطرف واضحة ومجمع عليها، مثل العنف المرتبط بالإيديولوجيا الدينية أو الانتماء إلى جماعات مصنفة على أنّها إرهابية أو متطرفة محظورة؛ ولكنّ للتطرف أبعاداً ومفاهيم أخرى كثيرة، فكرية وسلوكية، قد لا تكون محظورة قانونياً أو سياسياً، وهذا النوع من التطرف هو المستهدف بشكل رئيسي في هذه الدراسة؛ إذ لا يتوقع الإحاطة إحصائياً أو مسحياً بالتطرف العنيف أو المحظور، فلا يتوقع أن يفصح هؤلاء المتطرفون عن هويتهم واتجاهاتهم، وإن كان ثمّة إجابات تؤشر إلى تأييد وتعاطف مع الجماعات والأفكار “العنفية”.
وبرغم الاستخدام الواسع في الإعلام والبحث لمفاهيم الاعتدال والتطرف، فإنّها مفاهيم في الأدبيات العربية تبدو غير محددة أو غير متفق عليها، حين يتجاوز البحث والتعريف الاتجاهات العنفية والمحظورة، وقد تكون هذه التصنيفات موضع اختلاف وجدل، ففي حين يمكن الاتفاق على اعتبار جماعات مثل داعش والقاعدة وجبهة النصرة متطرفة وإرهابية، فإنّ جماعات دينية أخرى مثل: “الإخوان المسلمون، وحزب التحرير، والجماعات السلفية السلمية، أو أفكار واتجاهات دينية غير مرتبطة بجماعة” سوف تكون موضع جدل واختلاف في اعتبارها متطرفة من وجهة نظر فكرية أو قانونية أو سياسية، وبعضها يصنف تطرفاً وإرهاباً في دول، لكنّها في دول أخرى متقبلة ولا تُعتبر متطرفة.
*تبدو بعض جوانب ومفاهيم التطرف واضحة ومجمع عليها، مثل العنف المرتبط بالإيديولوجيا الدينية أو الانتماء إلى جماعات مصنفة على أنّها إرهابية أو متطرفة محظورة*
لقد أنشأ العالم المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مجموعة من المفاهيم والمعاني، وأنشأ حولها تطبيقات وتشريعات وسياسات، ونحتاج في ظل سلطة المعنى أن نقارب مفاهيم ومصطلحات كثيرة مثل الأصولية والتطرف والتعصب والإرهاب.
نجد في مادة التطرف في قواميس اللغة العربية: تَطَرَّفت الناقة، أي رَعَتْ أطرافَ المرعى ولم تَخْتَلِط بالنوق. وفي الحديث النبوي: “كان لا يَتَطَرَّفُ من البَوْلِ” أي لا يَتباعَدُ؛ من الطرَف: الناحية. وتَطَرَّف الشيءُ: صار طرَفاً. وتَطَرَّفَتِ الشمسُ: دَنَت للغروب؛ قال الشاعر: دَنا وقَرْنُ الشمس قد تَطَرَّفا.
وفي قاموس (أكسفورد) يأتي التطرف بمعنى الزيادة، وهو معنى ملائم لفهم التطرف، وربما يشبه أو يقابل مفهوم الغلو في التراث العربي والإسلامي.
وفي القرآن الكريم “قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم” بمعنى الزيادة في الدين والتشدد على نحو غير صحيح، ويأتي الغلوّ في اللغة والتراث بمعنى مجاوزة الحد والإفراط، والحقد والكراهية “ونزعنا ما في صدورهم من غلّ”، والقيود “غلت أيديهم”، وسوء الخلق، ومنه أيضاً الغلاء في الأسعار بمعنى الزيادة فيها، وغلت الدابة في سيرها؛ أي جاوزت حسن السير.
وقال ذو الرمّة الشاعر:
فما زالَ يَغْلُو حُبُّ مَيَّة عنْدَنا * ويَزْدادُ حتى لم نَجِدْ ما نَزِيدُها
ومن التعريفات التطبيقية للتطرف (مثل إعلان برشلونة) الإيديولوجيا أو الأفكار التي تعبّر عن تطلعات سياسية أو اجتماعية أو دينية ترفض الوضع القائم، وحين يستخدم أصحاب هذه الإيديولوجيا العنف لأجل التغيير أو لتحقيق أفكارهم وتطلعاتهم يصبح هذا التطرف عنيفاً أو إرهابياً.
لكن وفي جميع الأحوال فإنّ التطرف بما هو إيديولوجيا يستند إلى قيم استبدادية، ذلك أنّه يرفض المختلف والآخر، وفي ذلك فإنّه يولد العنف والكراهية، وفي هذا التعريف تندرج (بالمفهوم الغربي طبعاً) الحركات والجماعات التي تتبنّى أفكاراً ومطالب سياسية أو قومية أو دينية أو اجتماعية أو طبقية أو جنسانية (الجندر).
ويعرف خطاب الكراهية بالدعوة إلى الانحياز والتفضيل أو العداء والنفور على أساس الجنسية أو العرق أو الدين أو الإعاقة أو اللون أو أسلوب الحياة.
وينبغي اعتبار خطاب الكراهية عمليات دعائية وعقائدية للحركات المتطرفة العنيفة من أجل إضفاء الشرعية على إيديولوجياتها العنيفة. وتعرف جرائم الكراهية باعتبارها أعمالاً إجرامية تحرضها دوافع تعصبية، والتي تحصل عندما يستهدف مرتكب الجريمة ضحية بسبب انتمائها إلى فئة اجتماعية معينة كالجنس أو الانتماء العرقي أو الإعاقة أو اللغة أو الدين أو الهوية.
*من التعريفات التطبيقية للتطرف الإيديولوجيا أو الأفكار التي تعبّر عن تطلعات سياسية أو اجتماعية أو دينية ترفض الوضع القائم، وحين يستخدم أصحاب هذه الإيديولوجيا العنف لأجل التغيير أو لتحقيق أفكارهم وتطلعاتهم يصبح هذا التطرف عنيفاً أو إرهابياً*
ويمكن اقتراح تعريف التطرف الديني بأنّه فهم أو تطبيق الدين في الحياة العامة على نحو يتناقض مع سيادة الأمّة على السلطات والتشريعات، أو على نحو يتعدى الفرد والعلاقة بين الإنسان بما هو فرد وبين السماء، ورفض مبدأ أنّ الإنسان قادر وحده على معرفة وتنظيم حياته وتمييز الحق والخير والجمال، والعجز عن الاعتراف باحتمال خطأ الذات وصواب الآخر.
وعلى نحو عملي، فإنّ التطرف الديني يعني ويشمل الدعوة إلى أو التطبيق العملي لتنظيم حياة الناس وفهم عالمهم المشهود وفق الاعتقاد بأنّ ثمة حقاً نزل من السماء لأجل ذلك، وفرض أحكام وتطبيقات وقوانين وتشريعات وأنظمة عمل وحياة في تنظيم شؤون الناس والمجتمعات والدول على أنّها من الدين، ومحاسبتهم على عدم تطبيقها. وفرض اعتقادات وممارسات دينية على الناس أو محاسبتهم عليها وإكراههم على الترك أو الاعتقاد بمسائل دينية.
وفرض محتوى ديني على الناس في المدارس والجامعات والمعابد ووسائل الإعلام. وتطبيق أو الدعوة إلى نظام ديني للحكم أو الاقتصاد أو البنوك أو التعليم أو الإعلام أو سائر شؤون الحياة العملية والمشهودة.
وتنظيم وتطبيق الأحوال الشخصية والمواريث والعقوبات وشؤون الأسرة بناء على أحكام وتعاليم دينية على نحو يتناقض مع المواطنة والمساواة.
والتمييز بين المواطنين على أساس الدين في الحقوق والمكاسب والتشريعات. والتدخل في تنظيم الشؤون الدينية والمعابد والتعليم الديني ومحاسبة المختلفين دينياً، أو إكراه المواطنين والمقيمين على التزامات دينية أو تمييزية أو سلوكية مستمدة من الدين.
وبناء مشاعر وأفكار ومعتقدات تمييزية سواء في التفضيل والانحياز أو الكراهية والاشمئزاز والرفض على أسس دينية.
ومحاسبة الناس خارج القانون والمؤسسات القضائية، وإيقاع الأذى والرعب واستخدام العنف ضد أفراد أو مؤسسات أو جماعات…، وفي هذه الحالة يكون التطرف إرهاباً.
يوضح كاس ر. سينشتاين في كتابه “الطريق إلى التطرف، اتحاد العقول وانقسامها” كيف يظهر التطرف والاستقطاب بين الأفراد في حياتهم الاجتماعية، ليس فقط في التنظيمات الدينية، وإنّما في كل التجمعات، بدءاً من مجالس الإدارة حتى المجالس النيابية، حيث تعمل المناقشات والمداولات العلنية على دفع العقول إلى الاتحاد أو الانقسام في ميول تطرفية ظاهرة، وكيف يكوّن الأفراد اتجاهاتهم ومعتقداتهم وكيف يغيرونها، والظروف التي تتغير في ضوئها.
ويصل في تحليله إلى أنّ مواجهة التطرف تكون في التنوع والتعدد لحياة الأفراد والشعوب.
إنّ الجماعات تنشئ سلوكاً جمعياً موحداً مختلفاً عمّا يمكن أن يسلكه الفرد، يصدق ذلك على جماعات المراهقين، والأصدقاء، والجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية، والمستثمرين، وأفراد الشرطة، وهيئات المديرين، والجيران، والمعارضين السياسيين، والنقابات العمالية، وجماعات العقارات والتنظيمات الريفية، والأحزاب السياسية، والهيئات التشريعية وحركات التحرر، ويعتبر هذا من أفضل وأسوأ ما يصيب الحياة الاجتماعية بسبب ديناميات الجماعات التي يقتنع بمقتضاها أعضاء الجماعات بالأفكار والاتجاهات الجديدة.
*يوضح كاس ر. سينشتاين في كتابه “الطريق إلى التطرف، اتحاد العقول وانقسامها” كيف يظهر التطرف والاستقطاب بين الأفراد في حياتهم الاجتماعية، ليس فقط في التنظيمات الدينية، وإنّما في كل التجمعات، بدءاً من مجالس الإدارة حتى المجالس النيابية*
تميل الجماعات إلى الحدود القصوى للتطرف، ومن المعتاد أن ينتهي أعضاء الجماعة الذين يتشاورون فيما بينهم إلى مواقف متطرفة داخل الاتجاه العام للجماعة نفسه أكثر ممّا كانت عليه ميولهم قبل أن يبدأ هذا التشاور.
لماذا يميل الأفراد المتشابهون إلى التعصب أو المبالغة؟ ومتى تظهر أفعالهم تلك؟ ترتبط الإجابة بنطاق واسع من القوة الهائلة للسلطات وطبيعة البشر، والتفكير الجماعي، والتيارات الاجتماعية التي تتحرك من خلالها مجموعات كبيرة من الأفراد في اتجاهات جديدة فيما يتصل باستثماراتهم واختياراتهم السياسية وقناعتهم الدينية.
تصبح آراء الناس أكثر تطرفاً لمجرد تأكيدها لوجهات نظرهم الأولية ولتعزيزها، ولأنّهم أصبحوا أكثر ثقة بعد التعلم من وجهات نظر شاركوا الآخرين فيها، والكثير ممّا نعتقد فيه أو نحبه أو نكرهه في الحياة اليومية يتأثر بتبادل المعلومات والتواصل. وبطبيعة الحال فإنّ الأفراد حينما يبدؤون انطلاقاً من وجهة نظر متطرفة ويوضعون في جماعة من الأفراد ذوي التفكير المتشابه، فمن المرجح أن يغالوا في التطرف.
ويلاحظ أنّه في الجماعات (الدينية أو القومية أو النقابية أو التجارية أو الطبقية أو السياسية، أو القرابية،…) يميل المتطرفون إلى التحرك والفاعلية، ويميل المعتدلون إلى العزلة والخروج من الجماعة، وتميل المجموعات إلى الفهم المتحيز، فينقص الأعضاء من أهمية الآراء غير الملائمة لهم بوصفها آراء ساذجة أو غبية، ويجدون أنّ الآراء الملائمة لهم ذكية ولائقة، ومن ثم يزدادون تشدداً.
وقد أصبح بديهياً القول إنّه من الوسائل الواقعية لإنشاء جماعة متطرفة أو طائفة دينية من أيّ نوع؛ فصل أو عزل الأعضاء عن بقية المجتمع، فصلاً مادياً أو سيكولوجياً، وخلق إحساس بالشك في من هم من غير أعضاء الجماعة.
عرّف إعلان برشلونة بناء على اقتراح شميت وجونغمان في “الإرهاب السياسي: دليل جديد حول الفاعلين، والمؤلفين، والمفاهيم، وقواعد البيانات، والنظريات والأدب” “التطرف” بأنّه مرادف للعقائدية، وهي عملية يتخذ بها الفرد أو الجماعة أو الدولة أفكاراً وتطلعات سياسية واجتماعية ودينية متطرفة باستطراد رافضة للوضع الراهن.
وليس بالضرورة أن يحمل مصطلح التطرف دلالة سلبية، فإنّ عمليات التطرف السلمي موجودة وتطمح أيضاً إلى رفض الوضع القائم؛ إذ أنّ التظلمات الفردية أو الجماعية توجه نحو تبنّي إيديولوجيات تخريبية تكافح من أجل التقدم الاجتماعي والديمقراطي.
من الضروري أن نميز بين المتطرفين، وهم الأشخاص الذين يحملون أفكاراً متطرفة، والمتطرفين العنيفين، وهم أولئك الذين يتبنّون إيديولوجيات متطرفة عنيفة.
هناك مسارات متعددة تشكّل عملية التطرف، والتي يمكن أن تكون مستقلة ولكنّها عادة ما تكون تعزيزية على نحو متبادل. وتمثل العقائدية المواجهة بطرق عنيفة واحدة من أخطر الحالات .
وحدد التطرف العنيف بأنّه الإيديولوجيات التي تتطلع إلى تحقيق سلطة سياسية تختار استخدام الوسائل العنيفة على الإقناع.
وتستند الإيديولوجيات المتطرفة العنيفة إلى قيم استبدادية وتعصبية وغير متسامحة وبطريركية ومناهضة للديمقراطية ومناهضة للتعددية.
ويمكن أن تعتمد الإيديولوجيات المتطرفة العنيفة من قبل أفراد أو جماعات أو شركات أو دول.
ويشمل كل الإيديولوجيات الداعية إلى أو المحافظة على أو المولدة لعنف هيكلي وثقافي ومباشر. ومن المهم التأكيد على عدم وجود مجتمع أو عقيدة دينية أو نظرة عالمية محصنة ضد التطرف العنيف؛ ويشمل التعريف، من بين أمور أخرى، الحركات اليمينية أو اليسارية، أو الحركات الدينية العرقية أو القومية أو الطبقية أو الجنسانية أو الأصولية.
وعرف خطاب الكراهية كدعوة للكراهية على أساس الجنسية أو العرق أو الدين أو الإعاقة أو التوجه الجنسي.
وينبغي اعتبار خطاب الكراهية عمليات دعائية وعقائدية للحركات المتطرفة العنيفة من أجل إضفاء الشرعية على إيديولوجياتها العنيفة.
وعرف جرائم الكراهية باعتبارها أعمالاً إجرامية تحرضها دوافع تعصبية، والتي تحصل عندما يستهدف مرتكب الجريمة ضحية بسبب انتمائها إلى فئة اجتماعية معينة كالجنس أو الانتماء العرقي أو الإعاقة أو اللغة أو الجنسية أو الدين أو الهوية الجنسانية .
وعرف الإرهاب كوسيلة مثيرة للقلق تشمل أعمال عنف متكررة، والتي يستخدمها أفراد، أو جماعات أو دول (بشكل سري أو شبه سري)، لغايات شخصية أو جنائية أو سياسية، حيث وعلى عكس الاغتيال لا يكون المستهدف المباشر من العنف هو المستهدف الرئيسي.
وعادة ما يتم اختيار ضحايا العنف البشري بشكل عشوائي أهدافاً لها علاقة بالفرصة أو بشكل انتقائي أهدافاً تمثيلية أو رمزية من جماعات مستهدفة، وتكون بمثابة مولدات لرسائل معينة.
يمكن اقتراح تعريف التطرف الديني بأنّه فهم أو تطبيق الدين على نحو يتعدى الفرد والعلاقة بين الإنسان بما هو فرد وبين السماء، ورفض مبدأ أنّ الإنسان قادر وحده على معرفة وتنظيم حياته وتمييز الحق والخير والجمال، والعجز عن الاعتراف باحتمال خطأ الذات وصواب الآخر.
وعلى نحو عملي، فإنّ التطرف الديني يعني ويشمل:
الدعوة إلى أو التطبيق العملي لتنظيم حياة الناس وفهم عالمهم المشهود وفق الاعتقاد بأنّ ثمّة حقاً نزل من السماء لأجل ذلك.
– فرض أحكام وتطبيقات وقوانين وتشريعات وأنظمة عمل وحياة في تنظيم شؤون الناس والمجتمعات والدول على أنّها من الدين، ومحاسبتهم على عدم تطبيقها.
– فرض اعتقادات وممارسات دينية على الناس أو محاسبتهم عليها وإكراههم على الترك أو الاعتقاد بمسائل دينية.
– فرض محتوى ديني على الناس في المدارس والجامعات والمعابد ووسائل الإعلام.
*مواجهة الكراهية والتطرف يعني بالضرورة وجود مجتمعات حرة مستقلة ؛ وهي حالة لا تقف في تأثيرها وحدودها عند نبذ الكراهية والتطرف، ولكنّها تمتد إلى موقف نقدي وعقلاني من جميع السياسات والتشريعات والمنظومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية*
– تطبيق أو الدعوة إلى نظام ديني للحكم أو الاقتصاد أو البنوك أو التعليم أو الإعلام أو سائر شؤون الحياة العملية والمشهودة.
– تنظيم وتطبيق الأحوال الشخصية والمواريث والعقوبات وشؤون الأسرة بناء على أحكام وتعاليم دينية على نحو يتناقض مع المواطنة.
– التمييز بين المواطنين على أساس الدين في الحقوق والمكاسب والتشريعات.
– الدور الديني للدولة في تنظيم الشؤون الدينية والمعابد والتعليم الديني ومحاسبة المختلفين دينياً، أو إكراه المواطنين والمقيمين على التزامات دينية أو تمييزية أو سلوكية مستمدة من الدين.
– بناء مشاعر وأفكار ومعتقدات تمييزية سواء في التفضيل والانحياز أو الكراهية والاشمئزاز والرفض على أسس دينية.
– محاسبة الناس خارج القانون والمؤسسات القضائية وإيقاع الأذى والرعب واستخدام العنف ضد أفراد أو مؤسسات أو جماعات…، وفي هذه الحالة يكون التطرف إرهاباً.
ما الاعتدال؟
سيكون تعريف الاعتدال مُستمداً من تصورنا للتطرف، وفي اللغة فإنّ الاعتدال من العدل، وهو الصواب والاستقامة والحسن الجميل، وفي معجم لسان العرب: “كلُّ ما تَناسَبَ فقد اعْتَدَل؛ وكلُّ ما أَقَمْته فقد عَدَلْته.”
في قاموس (أكسفورد) يأتي الاعتدال بمعنى تجنب الفائض أو التطرف، لا سيّما في سلوك المرء أو في آرائه السياسية، وتقليل التطرف أو العنف، وفي ذلك فإنّ الاعتدال هو الأفكار والمواقف المستمدة من اجتهادات إنسانية وحرة، ليست يقينية، وتؤمن بتعدد الصواب واحتمالاته، ومظنة خطأ الذات وصواب الآخر.
هكذا ولسوء حظنا؛ فإنّه لا يمكن تمييز التطرف والاعتدال إلا في بيئة من الحرية التي تنظم الأفكار والاتجاهات والسياسات.
العلم والعقل لا ينشِئان إيديولوجيا، فلا ينشئ المتطرفون، والإيديولوجيون بعامة، مواقفهم الإيديولوجية، ثم مشاعر الولاء والكراهية المستمدة منها، بناء على موقف أو جهد علمي عقلاني؛ هم لم يبحثوا في المصادر الدينية والفكرية ويقارنوا بين الأدلة والاتجاهات.
فهؤلاء الذين يتساءلون ويبحثون عن الإجابات ويرجحون بينها ويواصلون البحث والتفكير، ينشئون اتجاهات ومواقف عملية وتطبيقية في الفقه والسلوك والتفكير، قد تكون صحيحة أو خاطئة أو ملتبسة؛ هم حتى إن كانوا منتمين إلى اتجاهات وأفكار متطرفة، فإنّ الأفكار الناتجة عن المجهود العقلي والبحثي الذي يبذلونه تؤدي إلى نتائج مستقلة عن موقفهم وانتمائهم الإيديولوجي، فقد يستخدمها الباحث في مجال عمله واختصاصه المهني أو العلمي، أو في الفقه والعبادة، لكنّ الموقف الإيديولوجي حالة نفسية مستمدة من المواقف والتجارب والاتجاهات النفسية التي تشكل الشخصية عبر التجارب والمؤثرات والأفعال وردود الأفعال والذكريات.
ويظل أصعب ما يمكن قوله في مواجهة الكراهية والتطرف، هو أنّ ذلك يعني بالضرورة وجود مجتمعات حرة مستقلة.
وهي حالة لا تقف في تأثيرها وحدودها عند نبذ الكراهية والتطرف، ولكنّها تمتد إلى موقف نقدي وعقلاني من جميع السياسات والتشريعات والمنظومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية… وهكذا، فلا يمكن بناء الاعتدال من دون بناء فكر حر ونقدي. ومشكلة الحكومات أنّها تريد فرض الاعتدال مثلما تفرض أسعار المحروقات.
نقلاً عن حفريات