وضاح الجليل
يشعر عبد الله بنون بتأنيب الضمير؛ لأنه لا يملك شجاعة والدته التي تخوض كل صباح مغامرة رعي أغنامها وبقرتها في محافظة الحديدة اليمنية (غرب)، حيث تعود بعد ظهر كل يوم؛ لتقوم بمهامها المنزلية وإطعام أطفالها الذين رفضت أن تسمح لهم برعي المواشي، خوفاً عليهم من الألغام، مضحية بنفسها وسلامتها، بينما قرر هو النجاة بطريقة أخرى.
فمنذ إصابة الطفلة منى عياش من أهالي مديرية حيس التابعة لمحافظة الحديدة، بانفجار لغم أفقدها ساقا من ساقيها وانفجار طبلة أذنها؛ قرر عبد الله مغادرة القرية إلى صنعاء للعمل في مهن مختلفة، بينها البناء، ورغم صعوبة الحصول على عمل مجزِ؛ فإنه لم يتخلَ عن أمنيته بنقل والدته وإخوته إلى مكان آمن من الألغام.
يقول عبد الله إن الطفلة منى اكتشفت عند عودتها إلى المنزل أن إحدى أغنامها لم تعد معها من المرعى، فانطلقت للبحث عنها رغم قرب حلول الظلام، وبينما كانت عائلتها في انتظارها، سمع أهالي القرية دوي انفجار دفعهم للخروج بحثا عنها، فوجدوها غارقة في دمائها بساق واحدة فقط.
كان بنون يعمل مدرساً في العاصمة صنعاء قبل أن تنقطع رواتب المعلمين، فاضطر إلى العودة إلى قريته للعمل في الزراعة ومساعدة عائلته، إلا أن الألغام وقلة مردود الزراعة، أجبراه على خوض تجربة عمل جديدة، خصوصا وأن أغلب الأراضي الزراعية في مديريات محافظة الحديدة الغربية مشتبه بأنها ملوثة بالألغام.
في هذا السياق، أفصحت الأمم المتحدة عن إحصائية جديدة لضحايا الألغام في محافظة الحديدة، بالتزامن مع إحصاءات جديدة أطلقها مشروع «مسام» السعودي لنزع الألغام، في وقت يستمر فيه سقوط المدنيين في مختلف المحافظات والمناطق التي لوثتها ميليشيات الحوثي بالألغام، ويترافق ذلك مع ابتزاز الجماعة للأمم المتحدة لمواصلة تقديم الدعم المخصص لمواجهة الألغام وفق زعمها.
أغلب الضحايا من الأطفال
وصل عدد ضحايا الألغام من المدنيين في محافظة الحديدة إلى أكثر من 100 ضحية، أغلبهم من الأطفال، منذ بداية عام 2023، وحتى الشهر الماضي وفقاً لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، منهم 46 قتيلا وأكثر من 54 جريحاً، بانخفاض بنسبة 38 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، والتي شهدت سقوط 139 مدنياً، منهم 52 قتيلاً و87 جريحاً.
ووفق «أونمها» فإن انفجارات الألغام والمتفجرات شهدت تراجعاً منذ بداية عام 2023، حيث سقط 23 ضحية مدنية في يناير (كانون الثاني) الماضي، ثم انخفض إلى 21 في فبراير (شباط)، و17 في مارس (آذار)، و13 في أبريل (نيسان)، و10 في مايو (أيار)، ثم انخفض إلى 8 في يونيو (حزيران) قبل أن يرتفع مجدداً إلى 9 ضحايا مدنيين في يوليو (تموز) الماضي.
وذكرت البعثة أن الحوادث وقعت في مديريات الحالي والحوك والدريهمي وبيت الفقيه والتحيتا، مشيرة إلى أن الأطفال يمثلون النسبة الأعلى بين جميع فئات الضحايا العمرية، والتي بلغت 40 في المائة كل شهر تقريبا.
من جهته أعلن مشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام انتزاع 867 لغماً في مختلف المناطق الملوثة في البلاد، منها 738 ذخيرة غير منفجرة و 113 لغماً مضاداً للدبابات و14 عبوة ناسفة ولغمان مضادان للأفراد، منها 386 ذخيرة غير منفجرة و21 لغماً مضاداً للدبابات و7 عبوات ناسفة في محافظة عدن.
وفي محافظة الحديدة انتزع المشروع 5 ذخائر غير منفجرة ولغماً واحداً مضادًا للدبابات وعبوة ناسفة واحدة في مديرية الخوخة، كما تمكن الفريق من نزع ستة ألغام مضادة للدبابات وسبع 7 ذخائر غير منفجرة وست عبوات ناسفة بمديرية حيس، ونزع 12 ذخيرة غير منفجرة في مديرية المضاربة بمحافظة لحج، إلى جانب 70 لغماً مضاداً للدبابات في مديرية مأرب، وسبعة في مديرية عسيلان في محافظة شبوة.
كما تخلص المشروع من ستة ألغام مضادة للدبابات و188 ذخيرة غير منفجرة في مديرية ذباب التابعة لمحافظة تعز جنوب غربي البلاد.
وبهذه الأرقام المعلنة، يصل عدد الألغام التي نزعها مشروع «مسام» خلال الشهر الحالي إلى 2935 لغماً، بينما يصبح عدد الألغام المنزوعة منذ بداية المشروع 411 ألفاً و568 لغماً زُرعت بعشوائية في مختلف المحافظات والمديريات.
كما أعلن المشروع عن تأمين 35 حقلاً ملغوماً عالي التأثير في عدة مديريات في محافظة الضالع، وذلك بنزع أكثر من 1500 لغم مضادة للأفراد، و400 عبوة ناسفة.
وبلغت المساحة التي قام المشروع بتأمينها 210 آلاف متر مربع، وشملت منازل سكنية ومزارع ومراعي أغنام وطرقا فرعية ورئيسية.
ضحايا جدد
أخيراً، قتل مدنيان في مديرية الدريهمي ضمن ضواحي مدينة الحديدة على الساحل الغربي للبلاد، بينما كانا يجمعان بعض الخردوات لبيعها، ليصادفا جسما غريبا حاولا معرفة ماهيته لينفجر فيهما ويقتلهما على الفور، بالتزامن مع إصابة خبير بجروح متفرقة جراء انفجار لغم أثناء محاولة تفكيكه في مديرية رغوان التابعة لمحافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء.
وفي محافظة شبوة فككت الفرق الهندسية لقوات دفاع شبوة، عبوتين ناسفتين مموهتين على شكل حجارة. ووفقاً لإعلام قوات دفاع شبوة، عثر على العبوتين المزروعتين على الطريق العامة في مديرية مرخة العليا التي تخدم سير المواطنين وتربط الطرق الفرعية لمناطق المديرية.
كما شهدت محافظة الحديدة مقتل مدني وإصابة طفليه بجروح بليغة إثر انفجار لغم في منزلهما في قرية المحال ضمن مديرية الدريهمي، في الضواحي الجنوبية لمدينة الحديدة، أثناء قيامهم بتنظيف منزلهم المبني من القش، حيث كان اللغم مزروعاً بطريقة مموهة بين القش.
ابتزاز حوثي
وبينما تشير كامل الدلائل والوقائع إلى مسؤولية الانقلابيين الحوثيين عن زراعة الألغام، واستهداف المدنيين بها؛ حَمّل هؤلاء الأمم المتحدة المسؤولية عن سقوط مزيد من الضحايا بسبب إيقافها الدعم المخصص لإزالة مخلفات الحرب، الذي نتج عنه توقف أنشطة تطهير المناطق الملوثة بالألغام والقنابل العنقودية، وفق زعمهم.
وسخر مسؤول حكومي يمني من هذه المزاعم، متهما الانقلابيين باستخدام هذا التمويل لصناعة وزراعة الألغام.
وقال الوكيل المساعد في وزارة الإعلام اليمنية فياض النعمان لـ«الشرق الأوسط» إن من العيب استمرار دعم الأمم المتحدة للميليشيات الحوثية في مجال نزع الألغام، سواء كان دعما ماديا أو ماليا، ما يجعلها شريكة بشكل مباشر مع الميليشيات في سقوط الضحايا المدنيين والأبرياء من اليمنيين الذين يقتلون بسبب الألغام الحوثية.
وتابع النعمان «يدرك العالم كله واليمنيون على وجه الخصوص أن أي دعم يقدم للميليشيات الحوثية تحت أي اسم أو أي حجج وبأي صورة؛ ستكون له نتائج سلبية على حياة اليمنيين على المديين القريب أو البعيد، فالميليشيات تطالب الأمم المتحدة باستمرار دعمها لإزالة الألغام القاتلة التي زرعتها، لتستخدم الدعم في توسعة حقول الألغام في مناطق تماس الجبهات المسلحة مع القوات الحكومية».
وأكد النعمان أن المليشيات الحوثية هي الطرف الوحيد الذي استخدم الألغام في الحرب التي شنتها على اليمنيين، وعملت على تفخيخ الطرقات والمزارع والمباني والجسور انتقاما من اليمنيين الذين يرفضون مشروعها الطائفي.
المصدر الشرق الأوسط