كريتر نت – متابعات
يمثل الفلسطينيون في إسرائيل حوالي خمس السكان لكن السنوات الأخيرة شهدت وقوع الغالبية العظمى من جرائم القتل في البلاد بين أوساطهم. ويتهم المجتمع العربي الحكومة الإسرائيلية بالتقصير والتغاضي عن مرتكبي الجرائم، فيما تقول الأجهزة الأمنية إنها تبذل قصارى جهدها للتصدي للظاهرة.
ويرى محللون أن عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية تتداخل جميعها في استفحال ظاهرة الجريمة المنظمة داخل المجتمع العربي في إسرائيل، ما يهدد بتفككه وزيادة تكريس الانقسامات داخله.
ويلقي عرب إسرائيل مسؤولية استفحال الظاهرة داخل مجتمعاتهم على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي فشلت “متعمّدة” في فرض الأمن، إلا أن هذا الطرح وحده، حسب مراقبين، لا يفكك الظاهرة ذات الجذور التاريخية والاجتماعية والتي لا تقتصر معالجتها على البعد الأمني وحده.
وخرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع السبت احتجاجا على سياسات الحكومة الدينية اليمينية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وركزت الاحتجاجات على الزيادة الكبيرة في الجرائم داخل القطاع العربي في إسرائيل. وقال المنظمون إن أكثر من 100 ألف شخص قد شاركوا في مسيرة بمدينة تل أبيب الساحلية وحدها.
مئير إلران: تدهور الوضع الاجتماعي يساهم في زيادة الجرائم
وقال مأمون عبدالحي رئيس بلدية الطيرة العربية خلال كلمة ألقاها في تل أبيب “الدماء تسيل في شوارعنا”. وكان عضو كبير في بلديته قد قتل بالرصاص بالقرب من مركز للشرطة في الطيرة يوم الاثنين الماضي.
واتهم رئيس البلدية حكومة نتنياهو بالفشل في القضاء على مستويات الجريمة المتفاقمة داخل المجتمع العربي.
ومنذ بداية هذا العام قتل 156 شخصا بسبب أعمال العنف داخل القطاع العربي، وفقا لتقارير وسائل الإعلام، أي أكثر من ضعف العدد في نفس الفترة من العام الماضي.
وتقول جماعات مؤيدة للحقوق تسجل بيانات القضايا المماثلة إن الشرطة كشفت غموض نحو ثمانية في المئة فقط من قضايا هذا العام، فيما تقول الشرطة إنها تكثف جهودها لمكافحة الجريمة في المجتمعات العربية.
ويشكل العرب نحو خُمس سكان إسرائيل ويعانون منذ عقود من ارتفاع معدلات الفقر ومحدودية تمويل المدارس وافتقار بلداتهم المكتظة إلى الخدمات، ويقولون إنهم يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية مقارنة بالإسرائيليين اليهود.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأحد، إن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل تبحث السماح للسلطات باعتقال المجرمين المشتبه بهم بين العرب في البلاد، بدون توجيه اتهامات إليهم.
وأوضح نتنياهو في اجتماع لمجلس الوزراء أن الهدف من استخدام ما يسمى بـ”الاعتقال الإداري” هو اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الجريمة المنظمة بالمناطق التي يسكنها العرب في البلاد.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي “سنستخدم قبضة من حديد تشمل النظر في القيود والاعتقالات الإدارية من أجل وقف جرائم القتل الفظيعة هذه”.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أطلقت في أغسطس 2021 خطة وطنية باسم “ضربة سيف” لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي داخل إسرائيل، وهي عبارة عن حملة واسعة النطاق لتطبيق القانون بهدف ضبط الأسلحة والوسائل القتالية.
احتجاجات تطالب بالعدالة
وخلال مؤتمر انعقد العام الماضي في إسرائيل، صرحت رئيسة وحدة العمليات في الشرطة سيجال بارتسفي بأن الشرطة “في أزمة ولا تملك أدوات أو خططا جدية لمواجهة الجريمة في المجتمع العربي بفعل نقص عدد العناصر لديها”.
وتؤكد يميت الفاسي الخبيرة في الوقاية من المشاكل الاجتماعية بجامعة بن غوريون على أهمية نظام العدالة الجنائية في مكافحة العنف داخل المجتمع العربي.
وقالت الفاسي إن الشرطة تتحرك في بعض الحوادث وتعتقل المتورطين لكن المحكمة تطلق سراحهم لاحقا، بالتالي فإن غياب العقوبة أو ضعفها يشكل عاملا في انتشار الجرائم في المجتمع العربي.
ويعزو كثيرون الارتفاع الكبير في جرائم القتل إلى سنوات من الإهمال والافتقار إلى إنفاذ القانون، الأمر الذي شجع الجماعات الإجرامية.
ويلقي العديد من العرب باللوم في العنف على الجريمة المنظمة، ويتهمون الشرطة بتخصيص موارد قليلة للغاية لاجتثاثها في البلدات والأحياء العربية.
وفي المقابل، يرى مراقبون أنه إلى جانب التقصير الأمني الذي تتهم الحكومات الإسرائيلية بتعمده، لا تقل أسباب أخرى اقتصادية أهمية.
ويقول هؤلاء المراقبون إن من السياسات التي تُسهم في ارتفاع نسب الجريمة في المجتمعات العربية أنّ البنوك الإسرائيلية ترفض منح القروض لنسبة كبيرة من الشبّان العرب الراغبين بالاقتراض بحجة أن معظمهم غير قادرين على تقديم ضمانات (وظيفة دائمة ودخل دائم) ما يدفعهم للجوء إلى الاقتراض من السوق السوداء، إذ بإمكانهم هناك الاقتراض بسرعة من “عائلات إجرامية عربية”، لكن بفوائد مرتفعة جدًا، وعند عجزهم عن السداد فإن تلك “العائلات الإجرامية” تلجأ إلى قوة الذراع والسلاح لجباية قروضها وفوائدها.
ويشير هؤلاء إلى أن أحد الأسباب الأخرى لارتفاع الجريمة هي محاولة “عائلات إجرامية” حماية مصالحها، أو منع عائلات أو شركات أخرى من دخول مجال منافستها في الحصول على عطاءات ومناقصات تطرحها المجالس المحليّة التي نمت وتوسّعت.
وبحسب مصادر في الشرطة الإسرائيليّة فإنّ الارتفاع الحاد في عدد ضحايا جرائم القتل داخل المجتمع العربي في إسرائيل سببه “الحرب الدائرة عائلات الإجرام العربية”.
وتساهم أسباب اجتماعية أخرى أيضا في استفحال ظاهرة انتشار العنف وجرائم القتل في المجتمع العربي نتيجة الإحباط الذي يعاني منه الشباب العرب في إسرائيل بسبب نقص التعليم والحرمان الاجتماعي.
وغالبا ما يشتكي العرب في إسرائيل من العنصرية في فرص العمل وانخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والبنية التحتية.
وبشكل عام فإن السكان العرب في إسرائيل لديهم نسبة مشاركة أقل في القوة العاملة ورواتب أقل من الإسرائيليين اليهود.
ويبرز رئيس برنامج الأمن الداخلي في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مئير إلران أن الوضع الاجتماعي المتدهور في المجتمع العربي في إسرائيل هو عامل مساهم هام في حوادث العنف والجريمة كونه يمثل مشكلة مستمرة منذ سنوات ووصل مؤخرا إلى مستوى خطير.
ودلل على ذلك بأن حوالي 30 في المئة من الشباب الذكور العرب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عامًا في إسرائيل عاطلون عن العمل ولا يلتحقون بالمدارس ولا يشاركون في أي عمل إنتاجي، ما يجعلهم عرضة للجريمة.
وبحسب إحصائيات محلية، يبلغ معدل البطالة بين الذكور العرب في إسرائيل ضعف معدل بطالة نظرائهم اليهود، في حين أن معدل البطالة بين النساء العربيات في إسرائيل أعلى بثلاث مرات منه لدى اليهوديات.
ولعلاج ذلك، يؤكد أخصائيون ضرورة تطوير البنية التحتية في المجتمع العربي، وحل أزمة النقص في الأنشطة الرياضية والأندية الترفيهية، فضلاً عن نقص الأماكن الثقافية والترفيهية للبالغين خلال وقت فراغهم.