سامي أبو داود
كاتب أردني
حان الوقت لفتح ملف الأحزاب الدينية التي تتستر بالدين، وتدّعي النطق باسمه، فالحاجة ماسّة وملحّة إلى حظر هذه الأحزاب والجماعات، التي ألحقت الأذى بالدين في المقام الأول، وبالناس في المقام الثاني؛ فقد زعمت هذه الأحزاب أنّها تأسست رداً على الاستعمار، والنزعات القومية، العلمانية والليبرالية، الكارهة للدين، بحسب رأيها، ورغم جلاء الاستعمار، وانحسار النزعات العلمانوية تجاه الدين والتدين، ما تزال هذه الجماعات تمارس تطرفاً ورعباً لمجتمعاتنا، سواء الذي يتعاطى منها السياسة؛ كالإخوان المسلمين ومن على شاكلتهم، أو الجماعات التي تستعمل العنف المسلح كالحركات السلفية الجهادية. والمقصود في حديثنا هنا، جماعات وأحزاب الإسلام السياسي التي تعمل على المسرح السياسي، وبترخيص قانوني، وفق قانون الأحزاب؛ أي الأحزاب التي تشارك في البرلمان أو مجالس الشورى، في الدول العربية والإسلامية.
فالتجربة التاريخية لجماعات الإسلام السياسي في الماضي، منذ حركة الخوارج، مروراً بحركات التشيّع السياسي، حتى زمن الإخوان المسلمين، وباقي جماعات التأسلم السياسي، أثبتت أنّ رفع المصاحف على أَسِنَّة الرماح على يد المحكِّمَة الأولى أسلاف حركة الخوارج، وشعار “الإسلام هو الحلّ”؛ الذي ترفعه جماعة الإخوان المسلمين، قد أدّى إلى ذبح الناس واستباحة حرماتهم، بذريعة “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ” كما قالت الخوارج، أو “الحاكمية” عند سيد قطب، كما أوقعت هذه الشعارات الدين في فخّ الدنيا، فتمّ اختطافه وتأميمه على يد هذه الجماعات، التي نقلته من عالم المقدس والقداسة المطلق، إلى عالم المدنس النسبي!
*ما جدوى وجود أحزاب بمرجعيات دينية في مجتمع يمارس فيه المسلم، وغير المسلم، عباداته وشعائره بحرية؟*
ورغم أنّ دساتير وقوانين بعض الدول العربية والإسلامية، تنصّ صراحة على عدم قيام الأحزاب على أسس دينية أو عرقية، إلّا أنّها سمحت بوجود أحزاب إسلاموية، تتعاطى السياسة، كجماعة الإخوان المسلمين، أو أذرعها الحزبية، التي حصلت على ترخيص وفق قانون أحزاب يرفض قيام الحزب على أساس ديني! وهناك دول أخرى تحظر على الإخوان المسلمين تعاطي العمل السياسي، مع أنّها، في الوقت عينه، تسمح لأحزاب دينية أخرى بالعمل السياسي والمشاركة في البرلمان، مع أنّها جميعاً –أي الأحزاب الدينية الإسلاموية- تصدر عن أيديولوجية واحدة: هي تسييس الدين وتديين السياسية، بالتالي؛ لا فرق بين هذه الأحزاب والجماعات إلّا في التكتيك المرحلي، أو أسلوب الخطاب الإعلامي؛ لأنّها جميعاً تنهل من المعين ذاته، وتستخدم الترسانة الفقهية عينها.
وقد يقال إنّ في أوروبا أحزاباً قائمة على أساس ديني؛ كالأحزاب المسيحية الديمقراطية، فلماذا لا يكون عندنا أحزاب ذات مرجعية دينية؟ وفي نظري؛ هذه مقارنة ظالمة، بل وقياس باطل؛ فالأحزاب المسيحية الديمقراطية الأوروبية كانت قد نشأت في أواخر القرن التاسع عشر، لحاجة اجتماعية إلى الحفاظ على بعض القيم المسيحية، بعد أن اكتسحت العلمانية الفضاء العام الأوروبي، ولكن مع اتجاه المجتمعات الأوروبية نحو العلمانية، كخيار أنقذها من الحروب الدينية، تعلمنت الحياة فيها، وتأثرت بذلك الأحزاب المسيحية، فقبلت بالعلمنة كإطار عام وبالديمقراطية كثقافة ومنظومة حقوق، تشتمل الحرية الدينية، والمساواة بين المواطنين، والعدالة الاجتماعية، والتعددية الحزبية،…إلخ، وبالتالي هي لم ترفع شعارات دينية، ولم تدعُ إلى برنامج ديني يتضمن تطبيق التعاليم المسيحية؛ بل إنّها تمتلك برامج سياسية واجتماعية تهدف إلى تحسين معيشة الناس، وفق سياسات الرأسمالية الاجتماعية، التي تؤمن التعليم، والرعاية الصحية، وتوفير فرص العمل ومكافحة البطالة، والحفاظ على قيم الأسرة، وبالتالي ليس لها من الدين إلّا اسمه.
*لا تملك هذه الأحزاب أيّ برنامج يساعد في حلّ مشكلات المجتمع؛ اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً*
لذلك كله نتساءل: ما جدوى وجود أحزاب بمرجعيات دينية في مجتمع يمارس فيه المسلم، وغير المسلم، عباداته وشعائره بحرية؟ هذا من جهة.
ومن جهة أخرى؛ لا تملك هذه الأحزاب أيّ برنامج يساعد في حلّ مشكلات المجتمع؛ اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً؛ بل على العكس من ذلك؛ هي تُغرق المجتمع في وحل الحرب الشاملة، أو حرب الكلّ ضدّ الكلّ، فهي أينما ظهرت، حلّ الخراب والانقسام داخل المجتمع، سواء كان متجانساً مذهبياً ودينياً، أو متعدداً مذهبياً ودينياً.
وتأسيساً على ما سبق، نقول: آن لمجتمعاتنا أن تراجع موقفها من وجود الأحزاب الدينية، من خلال تفعيل مواد الدستور وقوانينه، التي تمنع قيام تشكيلات سياسية على أسس دينية، حماية وإنقاذاً لها من وحش الفوضى والتطرف باسم الدين.