كريتر نت – الحرة
أعادت كوريا الشمالية الحديث عن مخاطر استخدام السلاح النووي بعد أن أجرت تدريبا على تنفيذ “ضربة نووية تكتيكية” تحاكي “ضربات الأرض المحروقة في مراكز القيادة الرئيسية والمطارات التشغيلية”، حسبما أعلنت بيونغ يانغ.
والخميس، أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية أن البلاد أطلقت صاروخين باليستين قصيري المدى في إطار “محاكاة لضربة نووية تكتيكية” ردا على مناورات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
ومع ذلك، يرى خبراء أن تصرفات بيونغ يانغ “لا تمثل تهديدا للعالم” لعدة أسباب من بينها قلة عدد الرؤوس النووية التي تملكها كوريا الشمالية.
وقال أستاذ الهندسة النووية، كريم الأدهم، إن “عدد الرؤوس النووية (لكوريا الشمالية) لا يمثل تهديدا للعالم.. ولا يكفي لإشعال حرب نووية”.
وفي حديثه لموقع قناة “الحرة”، أوضح الأدهم أن بيونغ يانغ “تريد أن تضمن أمنها” من خلال تصعيد برنامج التسلح الخاص فيها.
“تجارب لتطوير السلاح نفسه”
وتشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية تمتلك ما يقرب من 45 إلى 55 رأسا حربيا نوويا جاهزا للاستخدام اعتبارا من يناير 2022، وفقا لجمعية الحد من التسلح، وهي منظمة أميركية غير حزبية مكرسة لتعزيز الفهم العام ودعم السياسات الفعالة للحد من انتشار الأسلحة.
وأجرت كوريا الشمالية عددا قياسيا من اختبارات الأسلحة هذا العام، ونفذت الأسبوع الماضي محاولتها الثانية لوضع قمر صناعي للتجسس في المدار وباءت بالفشل.
وتخضع كوريا الشمالية لعقوبات دولية منذ عام 2006، جرى تشديدها ثلاث مرات عام 2017. والإجراءات التي اتخذها مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالإجماع في ذلك العام لإجبار بيونغ يانغ على وقف برامج التسلح النووي والبالستي تحد خصوصا من وارداتها النفطية.
ومنذ ذلك الوقت، بات مجلس الأمن الدولي منقسما بشأن كوريا الشمالية. ففي مايو 2022، استخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة، ولم يتم اعتماد أي مشروع قرار أو بيان من المجلس منذ ذلك الحين، رغم إطلاق كوريا الشمالية العديد من الصواريخ.
والعام الماضي، أعلن زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، أن وضع بلاده كقوة نووية أمر “لا رجوع عنه”، ودعا إلى تعزيز إنتاج الأسلحة بما يشمل أسلحة نووية تكتيكية.
وقال الأدهم إن تجارب كوريا الشمالية النووية تأتي “بقصد تطوير السلاح نفسه وقدرته التدميرية.. كما أن التجارب في الفترة الأخيرة تجرى تحت الأرض ولا يوجد تجارب في الجو”.
وتابع: “التجارب في الجو تؤدي إلى تلوث إشعاعي كبير.. لكنها تحت الأرض آمنة نسبيا لمعرفة ظروف التفجير والتدمير دون أن يؤدي ذلك إلى انبعاثات مشعة”.
وأصبحت كوريا الشمالية الدولة الوحيدة التي يجرى فيها تجارب نووية بعد توقف العالم عن إجراء مثل هذه التجارب، حسبما ذكر الأدهم.
نجاح غير مؤكد
وفي يناير لعام 2003، أعلنت كوريا الشمالية انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي، وأجرت بنجاح تجارب على أجهزة نووية متقدمة منذ ذلك الوقت.
وأجرت البلاد 6 تجارب نووية آخرها عام 2017 قبل أن تعلن بعد ذلك بعام تعليق إجراء أي تجارب نووية أو صاروخية وستغلق موقعا للتجارب النووية سعيا لتحقيق النمو الاقتصادي وإحلال السلام.
لكن ذلك لم يستمر طويلا بعد أن صعدت بيونغ يانغ من اختبارات الأسلحة بمعدل وصل لتجربة كل شهر تقريبا في عام 2022، بما في ذلك إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات. كما اختبر الصاروخ نفسه الذي يحمل اسم “”هواسونغ-18″، هذا العام، مرتين.
وقال الزعيم كيم إن صاروخ “هواسونغ-18” العابر للقارات سيزود البلاد “بوسائل هجوم استراتيجية قوية” ويعزز قدراتها النووية.
في التجربة الأخيرة خلال يوليو الماضي، طار الصاروخ البالستي العابر للقارات حوالى 1000 كيلومتر، وظل في الجو لمدة 74 دقيقة، وفقا لوزارة الدفاع اليابانية، وهو تقدم هامشي على الصواريخ المماثلة التي اختبرتها بيونغ يانغ خلال وقت سابق من هذا العام.
وقال الباحث بمعهد “آسان” لدراسات السياسة في سيول، يانغ ووك، إن “إطلاق هواسونغ-18 يظهر أن مداه يبلغ نحو 15 ألف كيلومتر استنادا إلى الارتفاع والمسافة وزمن طيران الصاروخ”.
وأضاف في حديثه لشبكة “سي إن إن” الإخبارية: “ومع ذلك، لا يمكن تقييم أن كوريا الشمالية نجحت في الحصول على التكنولوجيا الكاملة للصواريخ البالستية العابرة للقارات؛ لأنها لم تثبت وظائف إعادة الدخول (للغلاف الجوي) والدقة باستخدام الرؤوس الحربية المطلوبة لاستخدام الصاروخ”.
وتشدد بيونغ يانغ على أن أسلحتها مخصصة للدفاع عن نفسها من أي “عدوان” من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وهما دولتان حليفتان عززتا تعاونهما العسكري عبر تدريبات مشتركة خصوصا.
من جانبه، يتفق الخبير النووي، علي عبد النبي، مع رأي الأدهم بقوله إن تجارب كوريا الشمالية لا تهدد العالم، مضيفا: “انتهى عصر القنابل النووية”.
وقال عبد النبي في حديثه لموقع “الحرة” إنه “حتى الصين وروسيا وهما من المعسكر الداعم لكوريا الشمالية، لن يسمحوا باستخدام الأسلحة النووية حتى في الإطار التكتيكي”.
وتتمتع الأسلحة النووية “التكتيكية” بقوة هائلة مقارنة مع الأسلحة التقليدية، لكن لديها قوة تفجير محدودة مقارنة بالأسلحة النووية التي توصف بـ “الاستراتيجية” الأقوى والأكبر من ناحية المدى.
“سجن كبير”
وبينما يرى الأدهم أن خطر اللجوء إلى لسلاح النووي ارتفع مؤخرا بعد أن وضعت بعض الدول في عقيدتها العسكرية “الردع النووي التكتيكي”، يستبعد عبد النبي ذلك السيناريو كليا.
وقال عبد النبي إن السياسيين يدركون مخاطر استخدام السلاح النووي، بما في ذلك “الضربات التكتيكية التي تجر إلى الاستراتيجية”.
وأضاف: “لا أحد يستطيع اتخاذ هذه الخطوة.. استخدام (النووي) هو فناء لكوكب الأرض سواء كان ذلك تكتيكا أو استراتيجيا”.
واستشهد بالحرب في أوكرانيا “التي تستخدم فيها روسيا أنواع كثيرة من الأسلحة المدمرة”، وفق تعبيره، لكنها لم تلجأ للسلاح النووي حتى وإن لمحت لذلك.
وقال إن زعيم كوريا الشمالية “حول بلده إلى سجن كبير وهو يستعرض بالقنابل والصواريخ لمجرد بروباغندا في وقت يعيش شعبه في فقر لا يملك طعامه”.
وعرفت كوريا الشمالية التي تعاني انهيارا اقتصاديا وزراعيا بسبب إدارة كارثية على مدى عقود وتخصيص الموارد لتطوير البرنامج النووي، مجاعة قاتلة في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي.
وفي هذا العام، حذر خبراء من نقص مزمن للغذاء في كوريا الشمالية بعد أن وصلت إلى أسوأ نقطة لها منذ عقود، وسط حديث عن احتمال حدوث وفيات بسبب الجوع، بحسب شبكة “سي إن إن” الإخبارية.
وقال عبد النبي إن كيم “رجل ديكتاتور كابت للحريات يحاول إخفاء مشاكل بلاده الداخلية بالتجارب”، مردفا أن “أميركا تستطيع أن تمحيها (كوريا الشمالية) من على وجه الأرض”.