كريتر نت – متابعات
لقيت حادثة اختطاف اثنين من موظفي منظمة أطباء بلا حدود في محافظة مأرب، الواقعة تحت قبضة الإخوان، قبل أيام، استنكاراً وإدانة في ظل استمرار الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون في مجال تقديم المساعدات الإنسانية في اليمن.
منظمة أطباء بلا حدود قالت إنها فقدت، يوم الاثنين 28 أغسطس، الاتصال مع اثنين من موظفيها في مأرب، أحدهما ألماني والآخر ميانماري، دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل، حرصاً على سلامة المختطفين.
وشهدت ذات المحافظة في مارس 2022، اختطاف اثنين من موظفي ذات المنظمة يحملان الجنسية المكسيكية والألمانية أثناء مرورهما في طريق دولي يربط بين وادي حضرموت ومأرب. وكشفت المصادر الأمنية، حينها، مسؤولية تنظيم القاعدة بالوقوف وراء عملية الاختطاف؛ وتم الإفراج عنهما في سبتمبر من ذات العام بعد أنباء عن دفع فدية مالية.
وشهدت الفترة الأخيرة تصاعدا مستمرا لعمليات الاستهداف التي طالت العاملين في المنظمات الإنسانية والإغاثية في اليمن؛ وتركزت الكثير من تلك الجرائم في المناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، وكذا المناطق الواقعة تحت سيطرة الإخوان أو التي تشهد تواجدا لعناصر تنظيم القاعدة.
استهداف متكرر
ورصدت صحيفة إغاثة على موقع “فيسبوك” جملة من الاعتداءات التي تعرض لها موظفو منظمات إغاثية ودولية خلال الأعوام السابقة:
– 26 مارس 2018م، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود تعليق أنشطتها نتيجة لتصاعد الأحداث الأمنية والاعتداء المباشر على المنظمة في محافظة الضالع.
-21 أبريل 2018م، تم اغتيال الموظف في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تعز، حنا لحود، على يد عناصر مسلحة مجهولة، ولم يتم تقديم مرتكبي هذه الجريمة البشعة للعدالة.
– 22 ديسمبر 2019م، تعرض مقر أربع منظمات في وقت واحد في محافظة الضالع وهي: أوكسفام ومرسي كور ولجنة الإنقاذ الدولية وفرع منظمة أكتد، إلى قصف قذائف آر بي جي من قبل متطرفين عقب تحريض حول الأنشطة الإنسانية التي تقدمها تلك المنظمات لصالح المتضررين في المحافظة.
– في 24 مايو 2021م، تعرض أحد موظفي أوكسفام مع أحد السائقين إلى إصابات بلغية جراء إطلاق نار أثناء مرورهما في إحدى النقاط التفتيشية في جنوب اليمن.
– في 5 مارس 2022م، تعرض اثنان من موظفي أطباء بلا حدود إلى اختطاف أثناء تنقلهما من وادي حضرموت إلى مأرب. الموظفان ألماني ومكسيكي الجنسية تم التقطع لهما أثناء توجههما لمستشفى المنظمة في مأرب. وجرى إطلاق سراحهما في شهر سبتمبر من ذات العام.
– 11 فبراير 2022م، تعرض خمسة من الموظفين الإغاثيين التابعين للأمم المتحدة بينهم أجنبي وهم: أكم صفي الأنعم ومازن باوزير وبكيل المهدي ومحمد المليكي وخالد مختار شيخ، لحادثة اختطاف في محافظة أبين، ووجهت اتهامات لتنظيم القاعدة بالوقوف وراء العملية. وجرى إطلاق سراحهم في أغسطس 2023.
– 21 يوليو 2023م، اغتال مسلحون رئيس مكتب برنامج الغذاء العالمي في تعز، مؤيد حميدي، أثناء خروجه من مطعم في مدينة التربة. وأعلنت السلطات الأمنية والحكومية ضبط المتهمين إلا أن إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة لا تزال بطيئة حتى اليوم.
– في 28 أغسطس 2023م، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود فقدان الاتصال مع أثنين موظفين تابعين لمنظمة أطباء بلا حدود في محافظة مأرب.
وكان تقرير صادر عن منظمة الاوتشا التابعة للأمم المتحدة، قال إنه تم تسجيل خلال العام 2022، نحو 124 حادث عنف ضد موظفي ومنشآت الإغاثة، وأسفرت تلك الحوادث عن مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين، إلى جانب خطف 15، واحتجاز 13 واحتجاز 34 سيارة تابعة للمنظمات الإغاثية.
تقويض العمل الإنساني
ويؤكد منسق الشؤون الإنسانية لليمن، ديفيد غريسلي، أن العنف والتهديدات ضد العاملين في المجال الإنساني يقوّضان إيصال المساعدات، ويعرّضان أرواح من هم في أمس الحاجة إليها للخطر، موضحا أن العاملين في مجال الإغاثة في اليمن يستحقون أن يتم الاحتفاء بهم لتفانيهم في إيثار الغير.”
وأضاف إن العاملين في المجال الإنساني يعملون في بيئة صعبة للغاية. وغالبا ما يتعرّضون لتهديدات على أمنهم وسلامتهم، حتى وهم يعملون كل يوم من أجل إنقاذ الأرواح والتخفيف من المعاناة، لافتا إلى أن العاملين في مجال الإغاثة يتعرضون إلى حملات تضليلية وتحريضية، بما في ذلك الادعاءات الكاذبة بأنهم يفسدون القيم اليمنية، بما في ذلك أخلاق الشابات.
وتمسّ مثل هذه الادعاءات -التي لا أساس لها من الصحة- سلامة وأمن العاملين في المجال الإنساني وتعرّضهم للخطر، خاصة النساء اليمنيات العاملات في مجال الإغاثة في الوقت الذي تعاني فيه النساء والفتيات من زيادة معدلات العنف والتراجع عن حقوقهن في أجزاء كثيرة من العالم.
يقول السيد غريسلي: “لا يزال العاملون في مجال الإغاثة في اليمن مستمرّين بدون كلل في أداء مهمّتهم، إذ يواصل هؤلاء -النساء والرجال– المتفانون والمحبّون للغير مضاعفة جهودهم كل يوم، ويقدّمون لملايين الناس ذوي الاحتياج المساعدات الغذائية والنقدية والخدمات الصحية والمياه النظيفة والحماية والتعليم في حالات الطوارئ.”
وأكد على أنه “يجب علينا جميعا بذل كل ما في وسعنا لحمايتهم ودعم عملهم بالغ الأهمية.”
ترهيب ممنهج
شكلت القيود البيروقراطية والتصرفات التعسفية التي انتهجتها بعض الأطراف اليمنية؛ عائقاً رئيسياً أمام العمل الإنساني في اليمن مع بداية الأزمة في العام 2015. إلا أن هذه الانتهاكات لم تكن الوحيدة التي طالت العاملين في هذا العمل سواء في المنظمات أو الوكالات الأممية أو الدولية.
وخلال الفترة الماضية؛ تنامت ظاهرت الخطف والاغتيالات التي أصابت العمل الإنساني في مقتل؛ ودفعت الكثير من المنظمات الإغاثية والإنسانية إلى التقليل من أنشطتها وتحركات موظفيها خصوصاً في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية التي تتصدر قائمة المنتهكين للعمل الإنساني أو المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم الإخوان بشكل رئيسي.
تسعى الميليشيات الحوثية إلى استهداف العمل الإنساني من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية أو توجيه أموال المانحين والمشاريع الإغاثية نحو أهداف الميليشيات الحربية. عمليات الخطف دشنتها الميليشيات الحوثية في العام 2021، حين تعرض اثنان من الموظفين مع مكتب الأمم المتحدة للاختطاف في صنعاء، وظل مصيرهما مجهولاً حتى اعترفت الميليشيات بالوقوف وراء الخطف.
ويقول عاملون في مجال العمل الإنساني بمنظمات أممية ودولية إنهم باتوا يخشون التحرك ميدانياً خصوصاً مع الموظفين الأجانب تحسباً لتعرضهم للخطف، مشيرين أن تشكيلات مسلحة متفرقة باتت تنتهج عمليات الخطف من أجل الحصول على أموال وفديات.
وأكدت تقارير صادرة عن هيئة الإغاثة في حالات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، أن العمل الإنساني يواجه تحديات كثيرة خصوصا في المناطق الواقعة شمال اليمن. في إشارة واضحة لمناطق سيطرة الحوثيين.
وأشارت التقارير الأممية إلى أن السلطات الحوثية تفرض قيوداً هائلة على طواقم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؛ من الحصول على التأشيرات والإشعارات وتقييد التحركات والتلاعب بكشوف المستفيدين وحتى توجيه الأعمال الإنسانية لخدمة أجندتها الخاصة.
القيود الحوثية دفعت المنظمات الأممية والدولية إلى تقليص وتعليق الكثير من المشاريع والأنشطة الإغاثية؛ وهو ما حرم الملايين من المتضررين من الاستفادة من تلك المشاريع الإنسانية. وبالرغم من التقارير الأممية والدولية بشأن الانتهاكات المتصاعدة والقيود الحوثية المفروضة على العمل الإنساني إلا أن الميلشيات مستمرة في استهتارها ونهجها العدائي ضد العمل الإنساني في مناطق سيطرتها.
وقالت المصادر الإغاثية في صنعاء، إن الميليشيات الحوثية تشن حملات تضليل كبيرة ضد العاملين في المنظمات الأممية والدولية؛ وتروج لأكاذيب هدفها تعطيل أي جهود إغاثية وإنسانية تقدم للمواطنين، موضحة أن هذه الحملات المسعورة زادت من مخاطر إعاقة المشاريع الاغاثية وتعرض العاملين لخطر الاستهداف والخطف؛ ناهيك عن المضايقات المستمرة أثناء تواجدهم بالميدان.