كريتر نت – متابعات
تتزايد قناعة المحللين بأن قدرة الصين على الإطاحة بالولايات المتحدة عن قمة اقتصادات العالم في وقت قريب تتضاءل مع تباطؤ النمو وتعثر جهود إنعاشه حتى الآن، وسط صعوبات لخصتها مؤشرات الاستهلاك وأزمة العقارات والسياسة النقدية المرتبكة.
وتشير الدلائل إلى أن الصين لن تتمكن من جعل اقتصادها الأكبر عالميا بعد أن تراجعت الثقة فيه بدرجة كبيرة، مما يؤجل تفوقها على الولايات المتحدة في الموعد المستهدف، أي قبل نهاية هذا العقد.
ووفق خبراء بلومبرغ إيكونوميكس فإن الصينيين لن يتمكنوا من تحقيق هدفهم بالتربع على عرش اقتصاد العالم قبل منتصف أربعينات هذا القرن على أقرب تقدير.
وأشاروا إلى أنه إذا حدث ذلك سيكون التفوق بهامش محدود، قبل أن يتراجع الاقتصاد الصيني إلى المركز الثاني مجددا.
وتقول ياسمين ناج المتخصصة في اقتصادات قطاعات التكنولوجيا والخدمات المالية إنه قبل الأزمة الصحية العالمية كان المحللون يتوقعون وصول الاقتصاد الصيني إلى المركز الأول كأكبر اقتصاد في العالم أوائل العقد المقبل.
وتحولت الصين إلى مسار أبطأ للنمو بأسرع مما هو متوقع، والازدهار الذي أعقب انحسار الجائحة فقد زخمه، ما انعكس في التباطؤ الحاد للقطاع العقاري وتلاشي الثقة بقدرة حكومة الصين على إدارة الاقتصاد.
ياسمين ناج: الكل توقع صدارة الصين على العالم في بداية العقد المقبل
وفي ضوء ذلك فإن التكهنات تتعاظم بأن هناك احتمالا في ترسيخ الثقة الضعيفة وهو ما سيؤدي إلى عرقلة دائمة لإمكانيات النمو.
ويتوقع محللون الآن تراجع معدل نمو اقتصاد الصين إلى 3.5 في المئة بحلول 2030 ثم إلى نحو واحد في المئة بحلول 2050.
وكانت التوقعات السابقة تشير إلى أنه سينمو بمعدل 4.3 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي و1.6 في المئة بحلول عام 2050.
وسجل اقتصاد الصين خلال العام الماضي نموا بمعدل 3 في المئة فقط، وهو أحد أقل معدلات النمو خلال عقود بسبب تداعيات قيود الإغلاق والأزمة العقارية.
وعندما تم رفع قيود كورونا زادت الآمال في تعاف سريع للاقتصاد خلال العام الحالي. لكن التعافي سرعان ما فقد قوة دفعه مع تراجع الصادرات واشتداد حدة أزمة القطاع العقاري.
وتراجع مؤشر مدراء مشتريات القطاع الخاص في الصين خلال الشهر الماضي مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي وفي الوقت نفسه خفّض المحللون الذين استطلعت بلومبرغ آراءهم توقعاتهم لنمو الاقتصاد خلال العام المقبل إلى أقل من 5 في المئة.
وجاءت هذه التوقعات المعدلة في الوقت الذي يعيد فيه العالم النظر في كيفية التعامل مع الصين، التي ربما تكون قد اقتربت من ذروة قوتها حتى لو لم تكن قد بدأت مسيرة التراجع.
وفي خضم ذلك يبحث الأميركيون عن دليل على المشكلات الهيكلية عميقة الجذور في الصين، كما يطاردون الفرص التي تعزز في النهاية قبضة الغرب في مواجهة منافس جيوسياسي ضعيف، في حين تفكر تلك الدول في التداعيات المتتالية لتباطؤ الاقتصاد.
الأزمة في الصين والتوترات الجيوسياسية تؤديان إلى إبعاد موعد تربع بكين على عرش اقتصاد العالم لنحو 15 عاما من الموعد المستهدف
وبالفعل فإن تعثر الاقتصاد الصيني خلال العام الحالي بدأ يؤثر على أسواق الأسهم والسلع في العالم، وفق ما يراه الكثير من المحللين.
وتواجه الصين حاليا تحديات أعمق وأطول مدى، بعدما سجلت العام الماضي أول انخفاض في عدد سكانها منذ ستينات القرن الماضي مما يثير المخاوف بشأن تراجع إنتاجية الاقتصاد الصيني.
وفي الوقت نفسه فإن حملات الملاحقة التي شنتها السلطات الصينية منذ 2020 ضد الكيانات الاقتصادية الخاصة العملاقة وبخاصة في مجال التكنولوجيا مثل مجموعة علي بابا وتينسنت وبايدو أدت إلى تآكل ثقة المستثمرين ببيئة الأعمال الصينية.
كما ساهم في تآكل الثقة تصاعد التوترات الجيوسياسية بين بكين وكل من الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى.
وأجرت غرفة التجارة الأميركية مسحا شمل قرابة 183 شركة تعمل في هونغ كونغ التابعة سياسيا للصين، حيث أشارت نحو 68 في المئة منها إلى أنها تشعر بقلق متزايد بشأن استدامة أنشطتها في الجزيرة.
وعلاوة على ذلك، أعاد الكثير من الشركات التفكير في استثماراتها الجديدة في هونغ كونغ، مع زيادة أعداد الكيانات التي تقيم مقرات لها في سنغافورة لخدمة السوق الآسيوية بدلا من هونغ كونغ.
حملات الملاحقة التي شنتها السلطات الصينية ضد الكيانات الاقتصادية الخاصة العملاقة أدت إلى تآكل ثقة المستثمرين ببيئة الأعمال الصينية
وتأتي هذه التغيرات في ديناميكيات الأسواق بالتزامن مع إلغاء الولايات المتحدة الوضع الخاص الذي كانت تتمتع به هونغ كونغ ويتيح لها معاملة تجارية متميزة.
ويتوقع محللو بلومبرغ إيكونوميكس نمو الاقتصاد الأميركي خلال هذا العام بنسبة 1.7 في المئة، في حين يرجحون تراجعه تدريجيا ليسجل 1.5 في المئة سنويا حتى العام 2050.
وتبقى الصين، التي لطالما عرفت بأنها “مشغل العالم” تعتمد بشكل كبير على الصادرات، وهو ما يجعلها عرضة للتأثر بالتقلبات في الاقتصاد العالمي.
ويؤدي خطر الركود في الولايات المتحدة وأوروبا، مترافقا مع تضخم متسارع، إلى إضعاف الطلب على المنتجات الصينية.
وأضرت التوترات السياسية بين بكين وواشنطن بالآفاق الاقتصادية. ويؤكد مسؤولون أميركيون أنهم يعملون على تخفيف المخاطر الصينية على اقتصادهم، بما يشمل تشديد القيود على صادرات الرقائق بذريعة الأمن القومي وحضّ الحلفاء للقيام بالأمر نفسه.
وحمّل المتحدث باسم الجمارك الصينية ليو داليانغ في إحدى إفاداته الإعلامية قوى خارجية المسؤولية عن وقوع “أثر مباشر” على التجارة الصينية. وقال إن “المخاطر المرتبطة بالأحادية والحمائية والعوامل الجيوسياسية هي في ازدياد”.
ومن العوامل المؤثرة في الوضع الاقتصادي الراهن هي الظروف المالية الصعبة لبعض السلطات المحلية بعد ثلاثة أعوام من الإنفاق الهائل لمواجهة تبعات كوفيد وأزمة القطاع العقاري التي حرمتها إيرادات أساسية.
وقالت شركة سينو إينسايدر في نشرة تحليلية إن هذه الصعوبات، مضافة الى الظروف الاقتصادية الراهنة، ستصبح “أكثر وضوحا في النصف الثاني من العام حين تطفو المشكلات الاقتصادية والمالية للصين بشكل أكبر على السطح”.