كريتر نت – متابعات
يكتنف قرار توسع مجموعة بريكس بضم دول جديدة -من بينها ثلاث دول نفطية هي السعودية والإمارات وإيران- الكثير من الغموض، وهناك تكهنات كثيرة حول منهج التوسع الذي اتبعه التكتل، وأسبابه وتأثيراته، ولكن يبدو أن الأمر له علاقة وطيدة بسوق الطاقة.
وتواصل الصين تدريجيا توفير بدائل لكل لبنات النظام العالمي في الغرب، بما في ذلك النظام الجديد لسوق النفط العالمية. وتجسّدت آخر اللبنات في دعوة ثلاث من أكبر قوى النفط والغاز على مستوى العالم (المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة) للانضمام إلى تجمع بريكس السياسي والاقتصادي الذي يتألف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ويمكن اعتبار هذا التحالف بديلا للدول النامية عن مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والتي تقرر تعليق عضوية روسيا فيها إلى أجل غير مسمى في مارس 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم.
وقالت إيران والإمارات إنهما ستقبلان الدعوة، في حين ذكرت السعودية أنها تدرس الاقتراح. ومع انضمام الأعضاء الثلاثة الجدد، ستسيطر مجموعة بريكس على حوالي 41 في المئة من إجمالي إنتاج النفط العالمي، وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.
وفي حين يمكن اعتبار مجموعة بريكس بديل الصين لمجموعة الثماني (التي أصبحت الآن مجموعة السبع مرة أخرى بعد انسحاب روسيا الدائم في يناير 2017)، تبقى منظمة شنغهاي للتعاون صفقة أكبر بكثير.
الصين توفر تدريجيا بدائل لكل لبنات النظام العالمي في الغرب، بما في ذلك النظام الجديد لسوق النفط العالمية
ووقعت السعودية بالفعل مذكرة تفاهم في 16 سبتمبر 2022 تمنحها مكانة “شريك الحوار” في منظمة شنغهاي للتعاون. وفي تلك المرحلة، لم تفعل المملكة أي شيء لتشجيع انتشار الأخبار، على عكس ما حدث خلال أبريل 2023 حين وافقت على استئناف العلاقات مع إيران بوساطة صينية.
وكانت السعودية قد قررت بحلول ذلك الوقت أن الوقت كان مناسبا لضمان التغطية الكاملة للأنباء التي تفيد بأن حكومتها وافقت على خطة للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون كشريك في الحوار.
وتمت الموافقة على طلب إيران “عضويتها الكاملة” في منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر 2021 وحصلت عليها في 4 يوليو 2023. وكانت العضوية الإيرانية في المنظمة ختما لبسط سيطرة الصين على البلاد (وعلى العراق المجاور المتأثر بشدة بطهران) من خلال اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 عاما.
وعلى عكس معايير بريكس التشغيلية الغامضة إلى حد ما، تبدو منظمة شنغهاي للتعاون محددة وقوية وجادة في أهدافها.
وهي أكبر منظمة سياسية واقتصادية ودفاعية إقليمية في العالم من حيث النطاق الجغرافي وعدد السكان. فهي تغطي 60 في المئة من القارة الأوراسية (المساحة الأكبر في العالم)، و40 في المئة من سكان العالم، وأكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتشكلت في 2001 على أساس مجموعة “شنغهاي الخمس” التي تأسست في 1996 وجمعت الصين وروسيا وثلاث دول من الاتحاد السوفييتي السابق (كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان).
منظمة شنغهاي للتعاون تبدو محددة وقوية وجادة في أهدافها، على عكس معايير بريكس التشغيلية الغامضة إلى حد ما
وتؤمن منظمة شنغهاي للتعاون بفكرة “العالم متعدد الأقطاب” الذي تتوقع الصين أن تهيمن عليه بحلول 2030.
وصرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن المنظمة تعمل على إقامة “نظام عالمي عقلاني وعادل، وهي توفر لنا فرصة فريدة للمشاركة في عملية تشكيل نموذج جديد للتكامل الجيوسياسي”.
وتعمل منظمة شنغهاي للتعاون كذلك على توفير التمويل الداخلي والشبكات المصرفية، بالإضافة إلى زيادة التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية وأنشطة مكافحة الإرهاب، من بين أمور أخرى.
وشهدت نهاية ديسمبر 2021 ومطلع يناير 2022 اجتماعات في بكين بين مسؤولين كبار من الحكومة الصينية ووزراء خارجية السعودية والكويت وعمان والبحرين، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.
وشملت المواضيع إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وإقامة “تعاون إستراتيجي أعمق في المنطقة حيث تظهر علامات تراجع الهيمنة الأميركية”.
ووقّع الرئيس الصيني شي جينبينغ مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد اجتماعات مع ولي عهده الأمير محمد بن سلمان اتفاقية شراكة صينية – سعودية.
وتعهدت الاتفاقية الجديدة بالتعاون في مجالات التمويل والاستثمار والابتكار والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والنفط والغاز والطاقة المتجددة واللغة والثقافة.
وبعد التوقيع على اتفاقيات التعاون حدد شي “مجالين يحظيان بالأولوية” يرى ضرورة معالجتهما في أسرع وقت ممكن.
الصين اعتبرت منذ فترة طويلة أن أولى أولويات شي الملحة الابتعاد عن التسعير الأساسي بالدولار في أسواق الطاقة واعتماد العملة الصينية بدلا منه
ويكمن الأول في الانتقال إلى استخدام عملة الرنمينبي الصيني في صفقات النفط والغاز المبرمة بين دول الجامعة العربية والصين، والثاني في جلب التكنولوجيا النووية إلى دول الشرق الأوسط المستهدفة، بدءا بالمملكة العربية السعودية.
واعتبرت الصين منذ فترة طويلة أن أولى أولويات شي الملحة الابتعاد عن التسعير الأساسي بالدولار في أسواق الطاقة واعتماد العملة الصينية بدلا منه. ووضع الرنمينبي في جدول العملات العالمي انعكاسا لسياساتها الجيوسياسية وأهميتها الاقتصادية على الساحة العالمية.
وكانت الإشارة المبكرة إلى طموح الصين المتعلق بالرنمينبي واضحة في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها لندن في أبريل 2010، عندما أشار محافظ بنك الشعب الصيني آنذاك تشو شياو تشوان إلى فكرة مفادها أن الصينيين يريدون عملة احتياطية عالمية جديدة عوض الدولار في مرحلة ما.
كما كانت الصين تدرك تماما منذ فترة طويلة حقيقة أنها تخضع، باعتبارها أكبر مستورد سنوي للنفط الخام في العالم منذ 2017، لتقلبات السياسة الخارجية الأميركية بسبب آلية تسعير النفط بالدولار.
وكررت نائبة الرئيس التنفيذي السابق لبنك الصين تشانغ يانلينغ هذه النظرة التي تعتبر الدولار سلاحا. وقالت في خطاب ألقته في أبريل إن العقوبات الأخيرة ضد روسيا “ستتسبب في فقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها وتقويض هيمنة الدولار على المدى الطويل”. واقترحت أن تساعد الصين العالم على “التخلص من هيمنة الدولار عاجلا وليس آجلا”.
وكانت السعودية منذ فترة طويلة متقبلة لفكرة استبدال الدولار بالرنمينبي في تعاملاتها في مجال الطاقة مع الصين. وفي أغسطس 2017، قال نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي آنذاك محمد التويجري في مؤتمر سعودي – صيني في جدة “سنكون على استعداد تام للنظر في التمويل بالرنمينبي والمنتجات الصينية الأخرى. فالصين تعدّ إلى حد بعيد واحدة من أكبر الأسواق لتنويع التمويل، وسنصل أيضا إلى الأسواق الفنية الأخرى من حيث فرص التمويل الفريدة والاكتتابات الخاصة وسندات الباندا وغيرها”.
وأما في ما يتعلق بثاني أولويات شي الملحة المتمثلة في جلب التكنولوجيا النووية إلى دول جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، بدءا بالمملكة العربية السعودية، كان توقيت البيان غريبا. فقبل عطلة عيد الميلاد في 2021، ظهرت أخبار تفيد بأن وكالات المخابرات الأميركية وجدت أن السعودية تصنع صواريخها الباليستية بمساعدة الصين.
ونظرا إلى “المساعدة” طويلة الأمد والواسعة التي تقدمها الصين لطموحات إيران النووية، لم تكن هذه المعلومات إيجابية في واشنطن، مع تركيزها على ما قد تكون عليه نهاية لعبة بكين في بناء القدرات النووية لدول رئيسية متنافسة في الشرق الأوسط.
وتبقى الإمارات حاليا الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك مفاعلات نووية، ودعيت حديثا للانضمام إلى مجموعة بريكس. وحتى مع الوجود المكثف لقواعد عسكرية أميركية ضخمة في دولة الإمارات العربية المتحدة وحولها، كانت واشنطن “قلقة للغاية” عندما وجدت أن الصين كانت تبني منشأة عسكرية سرية داخل ميناء خليفة التجاري، حسب تصريحات أحد كبار المسؤولين في مجمع أمن الطاقة الأميركي العام الماضي.
واستنادا إلى صور الأقمار الصناعية السرية وبيانات الاستخبارات البشرية، ذكر المسؤولون الأميركيون أن الصين تعمل على إنشاء “موطئ قدم عسكري في الإمارات العربية المتحدة”. وذكرت السلطات الإماراتية أنها لم تكن على علم بمثل هذا النشاط الصيني في أحد أكبر موانئها، حيث شهدت لأشهر مستويات عالية من حركة السفن الصينية الضخمة داخل الموانئ وخارجها ليلا ونهارا.
وكانت المملكة العربية السعودية تجري في السابق محادثات للحصول على التكنولوجيا النووية من الولايات المتحدة بموجب بروتوكول “1-2-3” الذي يهدف إلى الحد من تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية. ويبقى السؤال المطروح هل أن الصين ستتشبث بهذا البروتوكول أو ستلح على الالتزام به في حالة تفعيله.