كريتر نت – قنوات
في أحدث لقاء تلفزيوني له أطل المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس جروندبرج ، عبر شاشة قناة اليمن اليوم، مجيباً عن 20 سؤالاً تتعلق بمستجدات جهود الوساطة الأممية التي يقودها منذ قرابة سنتين لحل النزاع المسلح في اليمن.
وبدا جروندبرج غير متفائل بإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن على المدى القريب والمتوسط، وكرر أكثر من مرة أنه ونظراً لطبيعة النزاع في البلاد يعمل على ضمان التوصل إلى حل طويل المدى وعلى يد اليمنيين أنفسهم.
تمحورت أسئلة اللقاء حول مستجدات جولته الأخيرة وتقييمه للوضع التفاوضي بين أطراف الحرب، إضافة إلى أبرز القضايا الخلافية في المفاوضات المتعثرة وأبرزها القضية الجنوبية والرواتب وفتح الطرق المغلقة وإمكانية تجديد الهدنة ودور المجتمع الدولي والإقليمي في حلحلة تعثرات مفاوضات الحل السياسي.
وقال جروندبرج: إن “مسألة الجنوب، ومسألة مستقبل الجنوب هي قضية قائمة منذ زمن طويل، وهذا غني عن القول، فقد استمرت لوقت طويل جدًا. وترتبط هذه القضية بمسائل ذات طبيعة طويلة المدى مثل: ترتيبات الحكم المستقبلية وإدارة الموارد والإيرادات على الصعيد الوطني”.
وفيما قال إنه يعتقد “أن المسألة الجنوبية ومستقبل الجنوب بحاجة إلى معالجة”، قال إنه “يجب معالجتها في سياق تسوية تفاوضية بشأن مستقبل اليمن. ويجب معالجتها بطريقة سلمية، ويجب معالجتها بين اليمنيين، حيث يُسمح بسماع مختلف أصوات الجنوب، ولكن يُسمح أيضًا بسماع أصوات أخرى، بحيث يتم ذلك بطريقة منظمة وبطريقة سلمية”.
وأضاف إنه يتعامل مع القادة الجنوبيين “كما هو حال انخراطه مع جميع اليمنيين، وذلك من خلال التبادلات المباشرة والصادقة معهم”، مذكرا بزيارته الأخيرة لعدن ولقائه عضو مجلس القيادة الرئاسي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي. وقال: “هذه ليست المناقشة الأولى التي أجريها معه. إنها سلسلة من المحادثات الطويلة التي أجريتها معه حول كيفية إيجاد طرق لمعالجة النزاع في اليمن على مستوى أوسع، وكذلك كيفية معالجة المسألة الجنوبية” وفق منظور مستقبلي يركز على إيجاد الحلول. واعتبر أن تسوية القضية الجنوبية “ستكون في صالح التسوية طويلة المدى للنزاع”.
وجدد جروندبرج تأكيده على ما اعتاد قوله للصحافة خلال جولته الأخيرة التي شملت: الرياض ومسقط والقاهرة وعدن ومأرب وأبوظبي، والهدف الذي يطمح لتحقيقه وهو استئناف عملية سياسية يمكن أن تؤدي إلى تسوية مستدامة للنزاع في اليمن. واعتبر أن الهدنة المتعثر تجديدها منذ أكتوبر 2022، كانت نقطة تحول وفرصة للدخول في مناقشات مع الأطراف لم يكن بوسعه إجراءها من قبل، إضافة إلى كونها أدت لفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، لكنه عاد للقول إنها ليست كافية لتحقيق الانفراج الكامل للأزمة اليمنية، وليست الهدف النهائي من جهود وساطته.
وأضاف: “إذا لم نبن على الهدنة فإن كل القضايا التي لا تزال بحاجة إلى تسوية للوصول إلى تسوية طويلة الأمد للنزاع ستبقى أيضًا هشة وعصية على الحل”، مشيراً إلى أنه وفريقه يسعون لضمان تحقيق الخطوات اللازمة للانتقال من الوضع الحالي، نحو خطوات حقيقية لتسوية سياسية شاملة.
وقال إنه يعمل مع “الشركاء الإقليميين والدوليين” للتوصل إلى حلول للقضايا الخلافية في الوقت الراهن، لكنه قال أيضا: “لن أخمن” متى سيتم ذلك وهل سيتم فعلاً، لافتاً إلى أن “مستوى الثقة بعد ثماني سنوات من الحرب لا يزال موردًا نادرًا في اليمن”، وأن الثقة بعد هذا النزاع لا يمكن أن تعود “بطريقة سحرية”، وأنه يعمل على “استعادة قدر معين من الثقة بطريقة تدريجية وحريصة”.
وأكد المبعوث الأممي: “ما نحتاج إليه هو التزام واضح من جميع الأطراف بشأن الحاجة إلى الدخول في مفاوضات سياسية بشأن تسوية أطول أجلاً للنزاع. ولكي يحدث ذلك، أعتقد أن نتحاور أولاً مع الأطراف على الأساس الحالي وهو محاولة الحصول على التزام الأطراف بالعناصر الثلاثة التي نريد العمل معهم عليها: التأكد أن لدينا التزامًا بوقف إطلاق النار على مستوى البلاد وتنفيذ وقف إطلاق النار هذا، والانخراط أيضًا في القضايا المتعلقة بالاقتصاد، والأهم من ذلك، التأكد من أن نشهد استئنافًا للعملية السياسية”.
وفيما قال إنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الصدد بعد، قال إن المناقشات مستمرة لدفع الأطراف بهذا الاتجاه.
ورفض جروندبرج الحديث عن إمكانية استئناف المفاوضات السياسية قريباً، معتبراً ذلك من قبيل التكهنات، وأنه لا يريد الخوض فيها “على شاشة التلفزيون في وقت الذروة”، في إشارة إلى أن هناك مستجدات قيد النقاش لاستئناف المفاوضات لا يريد الحديث عنها حالياً في العلن. ولتفادي هذا السؤال حوّل الحديث نحو ما اعتبره “مستوى نفاد الصبر والإحباط” الذي استشعره من خلال حديثه “مع العديد من اليمنيين مؤخرًا”، بما في ذلك أثناء زيارته مؤخرًا إلى عدن ومأرب. وأضاف: “هناك شعور بنفاد الصبر لأن الأمور لا تسير بالوتيرة التي يريدها الناس”.
وقال إنه يشارك اليمنيين هذا المستوى من نفاد الصبر، وإن الوتيرة البطيئة محبطة بالنسبة له أيضاً، لكن أمله يظل في أن “هناك إمكانية لتسوية النزاع وأننا نستطيع التوصل إلى حل حيث تتفق الأطراف على تسوية شاملة أو تتفق على خطوات تؤدي إلى تسوية شاملة للنزاع”.
كما رفض المبعوث الأممي الإجابة عن سؤال حول من يعرقل جهود التسوية السياسية التي يقودها، قائلا: إن تسمية المعرقلين ليس دوره، وأن دوره يتمثل في تقريب الأطراف من بعضها للانخراط في مفاوضات إلى أن يتوصلوا إلى اتفاق. وأضاف: “إذا بدأت في الإشارة إلى من يقع عليه اللوم في كل خطوة نتخذها في هذا الاتجاه، فسوف أفشل في مهمتي، لأن ذلك سيضعني في موقف مستحيل. لذا، فبينما نخطو خطوات إلى الأمام وأحيانًا نتراجع خطوات إلى الوراء، يقع اللوم على بعضهم أحيانًا، بينما تقع المسؤولية على آخرين في أحيان أخرى، ويعد ذلك تطورًا طبيعيًا لأي نوع من الوساطة”.
ورداً على سؤال عن اتهام الأمم المتحدة بالتحيز للحوثيين وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، قال جروندبرج: “أنا متهم أيضًا بالتحيز للحكومة اليمنية. وأعتقد أن هذا هو الوضع الطبيعي لأي وسيط، حيث سيتم اتهامك في أي لحظة من جانب واحد أو آخر بالتحيز”. وأضاف: “من حيث المبدأ، فإن انحيازي الوحيد يظل لمبادئ ومعايير القانون الدولي، وكذلك للمطالب والتطلعات المشروعة للشعب اليمني”.
وأكد أنه كان على علم بزيارة الوفد السعودي إلى صنعاء رفقة الوفد العماني في أبريل الماضي، وأن هناك “تفاهمًا مشتركًا” بين اليمنيين وجيرانهم والمجتمع الدولي على ضرورة انتهاء النزاع في اليمن من خلال عملية سياسية جادة تتم تحت رعاية الأمم المتحدة. وأشار إلى أنه يعمل لضمان الوصول “إلى وضع يستطيع فيه اليمنيون الجلوس والالتقاء والمشاركة بشكل بناء من أجل التوصل إلى اتفاقات طويلة الأجل وتسوية مستدامة وعادلة للنزاع”.
وقال إن هناك الآن “مستوى مختلفًا من التفاعل بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، ولكن هناك أيضًا مناقشات أخرى تجري على مستويات مختلفة” دون أن يذكر طبيعة هذه المناقشات.
وكرر أنه يقوم بمهمته واضع في الاعتبار “مبدأين أساسيين، أولهما هو الرؤية طويلة المدى التي أحاول إيصالها، والتي عملت على الوصول إليها منذ توليت منصبي. والمسألة الأخرى هي الاستفادة من الفرص المختلفة التي يتيحها لي الوضع الحالي، والتي توفر نقاط دخول وتوفر حلولاً ممكنة للوصول إلى الهدف طويل المدى. وهذا يعني أن العمل الذي أقوم به يتكيف على المدى القصير، ولكنه يظل مستقرًا على المدى الطويل”.
وأكد جروندبرج أنه كان على دراية أيضاً باللقاءات الأخرى التي جرت بعد زيارة الوفد السعودي لصنعاء، وقال: “أشعر أنني مطلع على مستوى المناقشات التي تجري، لأنه كما ذكرت سابقًا هناك اتفاق أو هناك تفاهم بين كل الجهات… الفاعلة في الملف اليمني سواء في المجتمع الدولي أو من بين جيران اليمن أو اليمنيين أنفسهم، أن الهدف هو استئناف العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة”.
وفي ما يخص زيارته الأخيرة لعدن ومأرب قال إنه لمس أن “التحديات الاقتصادية حقيقية وحاضرة ويجب معالجتها لصالح اليمن ويجب النقاش بشأنها”، وأن لديه تفويضا “لمحاولة حل الجانب السياسي من الملف اليمني”، بما في ذلك القضايا ذات الطبيعة الاقتصادية أيضاً، للتأكد من عدم تسييس بعض القضايا الاقتصادية عند التفاوض السياسي.
وتابع: “من الواضح أنه عندما تزور اليمن وتتحدث مع اليمنيين، فإن الأولوية التي يتحدثون عنها هي المعاناة الاقتصادية التي يواجهونها يوميًا. والحل طويل الأمد لهذه المعاناة الاقتصادية اليومية هو الوصول إلى تسوية سياسية للنزاع، تسوية مستدامة طويلة الأمد للنزاع، لأن ذلك سيسمح بالتدفق الحر للسلع إلى اليمن مع ضرائب موحدة، وسيسمح بالعودة إلى الحياة الطبيعية التي يحتاجها اليمن ويحتاجها اليمنيون”.
وأضاف إن “القضية الأوسع” التي يعمل عليها، وهي استئناف العملية السياسية، هي في رأيه “أكثر أهمية لتسوية النزاع على المدى الطويل”.
وفي ما يتعلق بفتح ميناء الحديدة، قال إن “أحد التحديات التي شهدناها في اليمن منذ فترة طويلة هو انخفاض القوة الشرائية لليمنيين أنفسهم. لذلك، حتى لو كان الغذاء متوفرًا، فإن التحدي الكبير هو قدرة اليمنيين أو عدم قدرتهم على شراء هذا الغذاء”. ولذلك شملت لقاءاته ممثلين من القطاع الخاص للتركيز على كيفية ضمان تدفق البضائع بشكل حر وواسع قدر الإمكان بحيث تنخفض سعر السلعة وتزيد القدرة الشرائية لليمنيين.
ولم يوضح جروندبرج كيف يمكن أن تزيد القدرة الشرائية لليمنيين في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الراهن أو كيف يمكن خفض أسعار السلع الغذائية في الوقت الذي تتضاعف فيه الأسعار يوماً بعد آخر رغم فتح ميناء الحديدة وتوسيع نطاق عمله.
وفي النقاط التي تتعلق بالإيرادات في أسئلة المحاور، ردّ جروندبرج أن السؤال الخاص بالإيرادات بشكل أساسي يجب على اليمنيين أنفسهم الإجابة عليه من خلال التفاوض برعاية أممية. وقال إن الأمر لا يقتصر على الإيرادات من ميناء الحديدة فحسب، “بل إيرادات أخرى داخل اليمن”.
وبالنسبة لتنفيذ بند تسليم رواتب موظفي الدولة قال إن الأمر ينبغي أن يكون سهلاً للغاية بالمقارنة مع اتفاق جميع الأطراف على ضرورة تسليمها، “لكن بمجرد الدخول في كيفية تسليم هذه الرواتب، فإنك تدخل في أسئلة شديدة التعقيد عندما يتعلق الأمر بالميزانية وعندما يتعلق الأمر بالإيرادات”.
وبالنسبة لفتح الطرقات المغلقة لم يبد أن لدى المبعوث الأممي أي جديد في هذا الشأن، فقد تحدث في ردّه على المحاور عن محادثات أجراها “في وقت سابق مع عدد من اليمنيين في محافظات أخرى، وليس فقط في تعز، حول الحاجة إلى فتح الطرق هناك أيضًا من أجل تسهيل حركة الناس”. كما تحدث عن زيارته إلى مدينة تعز بعد شهرين من فترة توليه منصبه، واعتبر عدم فتح الطرقات المغلقة إلى الآن “أمر مخيب للآمال” بالنسبة له.
وقلل المبعوث الأممي من أهمية اعتماد اليمنيين على أن يأتي الحل لأزمتهم وتسوية النزاع في البلاد من الخارج، مشددا على أن “التسوية طويلة المدى يجب أن يتم التوصل إليها من خلال المفاوضات بين اليمنيين. يمكن أن تقدم المنطقة أو أي جهة خارجية الدعم، ولكنها لا تستطيع تقديم الحل”.
وأقر بأن اهتمام المجتمع الدولي منقسم الآن بين عدد من الصراعات الخطيرة حول العالم، واليمن واحدة منها، وأن “هذا يمثل تحديًا لأنك تريد الاهتمام، ولكنك تريد أيضًا الدعم المالي، وتريد النفوذ السياسي من المجتمع الدولي عندما تحاول تسوية نزاع مثل النزاع في اليمن”. كما أبدى أسفه لاستمرار الحرب في اليمن في الوقت الذي اندلعت فيه حروب أخرى كالحرب في أوكرانيا والسودان وغيرهما، معتبرا أنه “عندما يتم تقسيم الاهتمام بين صراعات أخرى في العالم، يصبح الحصول على هذا المستوى من الدعم أكثر صعوبة”. كما أكد أنه يتحاور “بشكل مستمر ووثيق مع الأمريكيين والروس والصينيين”، وأن هناك تفاهما مشتركا يوحد بين هذه الدول الثلاث، بينما تنظر تلك الدول لبعض الملفات الأخرى بطريقة مختلفة تمامًا. فتجمعهم قواسم مشتركة في النهج وفي دعمهم لعمل الأمم المتحدة.
وشدد المبعوث الأممي إلى اليمن بأن المجتمع الدولي يمكن أن يقدم دعمًا كبيرًا للتسوية السياسية في اليمن بشرط أن يتجنب “الإفراط في التوجيه فيما يتعلق بما يريد أن يتفق عليه اليمنيون”، وإذا سمح لليمنيين أنفسهم بتحديد أهدافهم الخاصة، وتحديد مستقبلهم.
وقال إن اليمنيين يحتاجون لإنهاء النزاع في أسرع وقت لكي يشرعوا في مسار أكثر استدامة للاعتماد على الذات والابتعاد عن المساعدات الإنسانية المقدمة من الخارج وتوجيه أي دعم نحو التنمية.