كريتر نت – متابعات
وصل ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى سلطنة عمان، وذلك للمرة الثانية، منذ تولي كلا الزعيمين زمام الأمور في بلدانهم.
ووصفت وكالتا الأنباء العمانية والسعودية الزيارة بالخاصة، واكتفتا بالإشارة إلى أن الأمير السعودي الذي يعد الحاكم الفعلي للسعودية سيلتقي سلطان عمان هيثم بن طارق، دون مزيد من التفاصيل، حول طبيعة الزيارة، أو مدتها.
وسبق زيارة الأمير السعودي لمسقط تواصل هاتفي بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي المقيم في عدن، ووزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي يتولى ملف اليمن، ناقش فيه الطرفان الشراكة الاستراتيجية، ومستجدات الأوضاع في اليمن، وفقا لوكالة الأنباء اليمنية سبأ، التي قالت إن وزير الدفاع السعودي أكد حرص المملكة الدائم على دعم كافة الجهود للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن.
وعقب هذا التواصل ترأس العليمي اجتماعا باللجنة الأمنية العليا في عدن، للمرة الأولى، بحضور كل من وزير الدفاع رئيس اللجنة الأمنية العليا الفريق الركن محسن الداعري، وأعضاء اللجنة، وزير الداخلية اللواء الركن إبراهيم حيدان، ورؤساء أجهزة الأمن السياسي، والقومي، وهيئة الاستخبارات العسكرية والاستطلاع الحربي، ومسؤولي الأجهزة المعنية المشمولة بجدول اجتماع اللجنة، وبحضور وزير الدولة محافظ محافظة عدن احمد لملس، ووكيل وزارة الداخلية اللواء محمد المحمودي، ومدير شرطة عدن اللواء الركن مطهر الشعيبي.
الاجتماع وفقا للوكالة الحكومية “سبأ” ناقش عددا من الملفات والموضوعات الأمنية والعسكرية، والتطورات الأخيرة التي شهدتها عدن، وغلب عليه مناقشة قضايا أمنية، وخرج بتشديد الأهمية على مواجهة التهديدات العابرة للحدود بالتنسيق مع الحلفاء الاقليميين، والشركاء الدوليين.
من الخفوت إلى النشاط
وتأتي الزيارة في ظل عودة الدفء للعلاقة بين البلدين الجارين، بعد خفوتها خلال الفترة الماضية، جراء عدم دخول السلطنة في تحالف الرياض العسكري الذي تقوده منذ مارس 2015م في حربها باليمن، إضافة للأزمة الخليجية الأخيرة، ومقاطعة السعودية لقطر، وربما كان لفتور علاقة السعودية بالإمارات مؤخرا حافزا إضافيا لتعزيز العلاقة بين البلدين.
وظلت سلطنة عمان في موقف الحياد من الحرب التي دخلتها السعودية في اليمن، معتبرة أن الحوار هو المدخل الحقيقي لحل النزاع القائم في اليمن، رغم تضررها من الأحداث التي شهدتها محافظة المهرة اليمنية المجاورة للسلطنة، بعد وصول قوات سعودية للمحافظة الشرقية لليمن، في نوفمبر من العام 2018م، وهو الوضع الذي أثار رفضا شعبيا مناوئا للسعودية، وأدى لتأزم العلاقة بين الرياض ومسقط.
غير أن سلطنة عمان انطلاقا من موقفها المتحفظ على العمل العسكري المباشر في ملفات المنطقة، بشكل عام، واليمن بشكل خاص، حولها لوجهة دبلوماسية نشطة، للجهود الأممية، والأوروبية، والأمريكية، والخليجية، واستضافت العديد من اللقاءات، والمباحثات، المتصلة بالوضع في اليمن.
وازدادت أهمية الدور العماني مع تواجد قيادات من جماعة الحوثي في العاصمة العمانية مسقط، وهو ما منحها فرصة للتواصل مع الأطراف الخارجية، واستقبال العديد من الوفود داخل السلطنة، وأسفرت تلك اللقاءات والزيارات عن تقريب وجهات النظر، والتمهيد لمفاوضات بين الحوثيين، وبقية الأطراف الخارجية.
مخرجات الدور العماني
هذا الدور الذي اضطلعت به مسقط تطور بشكل متصاعد، لتحضر السلطنة بشكل مباشر في ملف اليمن، وتتحول لدور الوسيط الميسر للمفاوضات، خاصة بين السعودية وجماعة الحوثي، وأرسلت السلطنة عدة وفود من مسؤوليها للعاصمة صنعاء للقاء قيادات جماعة الحوثي، ونقل وجهات النظر، والتمهيد للتقارب بين الحوثيين والجانب السعودي، ووصل الأمر ذروته بزيارة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء ولقائه قيادات في جماعة الحوثي في العاشر من أبريل هذا العام.
الجهود العمانية، والوساطة التي تولتها مسقط طوال الفترة الماضية، أسفرت عن توقيع العديد من هدن السلام، واتخاذ جملة من الخطوات في سبيل تعزيز الثقة بين الحوثيين والسعودية، كفتح مطار صنعاء، وتوقف المواجهات العسكرية، وبدء نقاشات أخرى حول مرتبات موظفي الدولة، وغيرها من القضايا التي وجدت بعضها طريقها للنور، فيما لاتزال أخرى محل نقاش مفتوح.
مسقط نافذة الرياض
لذلك مثلت سلطنة عمان نافذة مهمة للسعودية على ملف اليمن، وقابلتها الرياض بالثقة، ونشطت العلاقة بين الدولتين بشكل أوسع، بحثا عن حلول للوضع في اليمن، الذي ترى الرياض أن الوقت بات ملائما لحسمه، خاصة مع رغبة بن سلمان إغلاق ملف الحرب في اليمن، وجنوحه نحو تصفير الخلافات في المنطقة، وهو ما تمثل بإعادة العلاقة مع إيران، المتهمة بدعم جماعة الحوثي، والانفتاح على العراق، وسوريا، ولا يخفى هنا أهمية الدور الأمريكي الضاغط لإنجاز سلام حقيقي في اليمن، قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
هذه النافذة تبدو اليوم أكثر أهمية بالنسبة للسعودية، التي تؤمل من السلطنة المرتبطة بعلاقة إيجابية مع قيادات جماعة الحوثي لعب دور محوري في التعجيل بخطوات إنهاء الحرب، والوصول لصيغة سلام في اليمن، وهي صيغة لاتزال مجهولة التفاصيل، وغير واضحة في معالمها، وبنودها، لكن يمكن القول بشكل مجمل أنها تأتي بعد وجود أرضية مهيئة للبناء عليها، كلقاء السفير السعودي بالحوثيين في صنعاء، بتنسيق عماني، والزيارات المتتالية للجانب العماني لصنعاء، وفوق هذا كله التغيير الكلي الذي أحدثته الرياض في رأس الدولة اليمنية، عندما أطاحت بالرئيس السابق عبدربه منصور هادي، واستبداله بمجلس قيادة مكون من رئيس، وسبعة أعضاء، وكانت المهمة الرئيسية لهذا المجلس وفقا لإعلان نقل السلطة في السابع من أبريل 2022م بأن يتولى التفاوض مع (أنصار الله) الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام.
زيارات تعكس العلاقات
وفقا للزيارات المتبادلة بين السلطنة والمملكة في عهد كلا الحاكمين، فإن زيارة ولي العهد السعودي لمسقط حاليا هي الثانية من نوعها في العامين الأخيرين، وسبق لبن سلمان زيارتها في السابع من ديسمبر 2021م، ومثلت تلك الزيارة بداية التلاقي السعودي العماني، وكانت مسقط المحطة الأولى لبن سلمان في جولته الخليجية، وغلب على تلك الزيارة الطابع الاقتصادي، من خلال توقيع الدولتين سلسلة اتفاقيات اقتصادية تعزز الشراكة بينهما، ومنح خلالها سلطان عمان الأمير السعودي وسام عمان المدني من الدرجة الأولى تعبيرا عن عمق العلاقة بين البلدين.
وفي المقابل كانت الرياض الوجهة الأولى في زيارة السلطان هيثم بن طارق منذ توليه الحكم في السلطنة، ووصلها في الـ11 من يوليو 2021م، والتقى خلالها الملك السعودي، ومسؤولين سعوديين، بينهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
تلبية لدعوة من #خادم_الحرمين_الشريفين.. سلطان عُمان يصل إلى #نيوم في زيارة دولة للمملكة.. وسمو #ولي_العهد في مقدمة مستقبليه في مطار خليج نيوم.#السلطان_هيثم_يزور_المملكة
#واس pic.twitter.com/O1nfhmf3Lj— واس الأخبار الملكية (@spagov) July 11, 2021
اليمن الحاضر الأبرز
وبما أن العلاقة بين الدولتين متينة، ومتجذرة في مختلف جوانبها، فإن اليمن يبدو الأكثر حضورا في هذه الزيارة لبن سلمان، والأعلى أهمية، على غيره من الملفات المشتركة، ولقاء زعيمي الدولتين يشير إلى أهمية الزيارة نفسها، وحساسية الملفات التي ستناقشها وتحسمها، ومدى مستوى المباحثات التي ستجرى، والنتائج التي ستتمخض عنها.
يشير هذا أيضا إلى مدى جدية الجانب السعودي في حسم ملف اليمن، وكيف أصبح هما رئيسيا لولي العهد السعودي، الذي يقود بنفسه التحركات في هذا المضمار، ولا يستبعد أن تمهد هذه الزيارة لزيارات أخرى متبادلة بين قيادة الدولتين، للتعجيل بخطوات أكثر نحو السلام في اليمن، بما في ذلك لقاءات بين الجانب السعودي وجماعة الحوثي، سوى في مسقط حاليا، أو في الرياض لاحقا.
إن الزيارة التي يصفها البعض بالمفاجئة، تعد إيذانا بمرحلة جديدة في تطورات الوضع باليمن، خصوصا أن كلا الدولتين تمتلكان المؤهلات لتشكيل واقع جديد، فالرياض ترغب في إنهاء الحرب، ومسقط لديها القدرة على التحرك كوسيط لتقريب وجهات النظر.
هذا المشهد إذا سار وفقا للقراءات الأولية فمن شأنه أن يسهم فعلا في الدفع بجهود السلام في اليمن، خاصة أن الوضع في اليمن ظل متأثرا بالعامل الخارجي المؤجج للأحداث، وبأدوار الدول الخارجية المتصلة به، أكثر من الصراع البيني بين الفرقاء اليمنيين.