كريتر نت – متابعات
هل تخسر روسيا الهند؟ يثار هذا السؤال عملياً في كل مؤتمر أو ورشة عمل أو اجتماع خبراء حول العلاقات الروسية – الهندية منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينات من القرن العشرين. وفي الكثير من الأحيان تكون الآراء السائدة التي يعبر عنها المشاركون متشائمة، إن لم تكن مثيرة للقلق.
ويرى محللون أن روسيا تخسر الهند، أو ربما تخسرها في المستقبل القريب ما لم يتم اتخاذ بعض الإجراءات الدراماتيكية على وجه السرعة.
ويشير هؤلاء إلى أن المواقف التي اتخذتها موسكو ونيودلهي بشأن العديد من القضايا المهمة في أوراسيا والعالم – من أوكرانيا إلى أفغانستان، ومن “حزام واحد، طريق واحد” إلى الرباعية ومفهوم المحيطين الهندي والهادئ – ليست متطابقة، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى الشك وتآكل الثقة المتبادلة التي كانت دائما أساسًا متينًا للعلاقات الثنائية.
وفي عامي 2020 و2022، لم تعقد روسيا والهند حتى قمتهما السنوية التقليدية، وليس من الواضح متى سيعقد الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ناريندرا مودي اجتماعهما المباشر التالي مرة أخرى.
سوف يصبح من الصعب أن تتمكن موسكو ونيودلهي من الحفاظ على التعاون الثنائي الحالي، ناهيك عن تعميقه وتوسيعه المحتمل
ويقول المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي أندري كورتينوف في تحليل نشره على موقع “موديرن ديبلومسي” إن التعاون العسكري الفني، الذي كان يعتبر دائما الأساس غير القابل للتدمير للعلاقات الثنائية، يمر بفترة من التوتر الشديد.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، انخفضت حصة روسيا من واردات الدفاع الهندية من 60 إلى 45 في المئة، ومن المرجح أن تتقلص أكثر في المستقبل القريب.
ويقول كورتينوف إنه يتعين على موسكو أن تواجه التوسع السريع للوجود الغربي في أسواق الأسلحة الهندية وإستراتيجية “صنع في الهند” الحالية التي تنتهجها القيادة الهندية، فيما تتوسع تساؤلات في الهند حول موثوقية الأسلحة الروسية وامتثال روسيا لمواعيد التسليم وخدمة العملاء والضمانات بعد البيع.
وقد تبدو التجارة بين البلدين بمثابة نقطة مضيئة في هذه الصورة القاتمة إلى حد ما: فقد ارتفعت بشكل كبير في عام 2022 ووصلت إلى مستوى غير مسبوق قدره 35 مليار دولار. ومع ذلك، أصبح هذا النمو المذهل (مرتين ونصف!) ممكناً بشكل شبه حصري بسبب الزيادة الهائلة في شحنات روسيا من النفط الخام، فضلاً عن الفحم والأسمدة، إلى الهند.
وفي ضوء العقوبات الاقتصادية الغربية الهائلة والزوال السريع لشراكة الطاقة الإستراتيجية بين روسيا والاتحاد الأوروبي، اضطرت موسكو إلى بيع الكثير من نفطها إلى الهند بأسعار مخفضة للغاية.
روسيا تخسر الهند، أو ربما تخسرها في المستقبل القريب ما لم يتم اتخاذ بعض الإجراءات الدراماتيكية على وجه السرعة
ومن ناحية أخرى، لم تتغير الصادرات الهندية إلى روسيا بأيّ شكل من الأشكال خلال العام الماضي، لا في الأعداد الإجمالية ولا في هيكلها. ونتيجة لذلك نتج خلل كبير للغاية في الميزان التجاري بين روسيا والهند، وهو ما يشكك في مدى استدامة التقدم المذهل الذي تحقق مؤخراً في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه، تتمتع الهند الحديثة باقتصاد مزدهر، ومجتمع نابض بالحياة، وقيادة طموحة؛ فقد أصبحت محفظتها الحالية في مجال السياسة الخارجية والأمن أكبر بكثير وأكثر تنوعاً مما كانت عليه قبل نصف قرن أو حتى قبل عقدين من الزمن.
ولا ينبغي أن يكون من المستغرب أن حصة روسيا النسبية في هذه المحفظة قد تصبح أكثر تواضعا، ليس لأن نيودلهي قررت الانفصال عن صداقتها التقليدية مع موسكو، ولكن لأن الهند ملتزمة باستكشاف فرص دولية جديدة أيضا.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التنويع المستمر لملف السياسة الخارجية لنيودلهي فإن “الشراكة الإستراتيجية المميزة” التي توحد البلدين تستمر في العمل كنموذج للعلاقات بين القوى العظمى حتى عندما “تتفق الأطراف على عدم الاتفاق” حول بعض القضايا المحددة.
ومع ذلك، فإن حالة العلاقات الروسية – الهندية لا تبرر بأيّ حال من الأحوال أيّ شعور بالرضا عن النفس. ولا تقتصر مشاكل هذه العلاقات على الجمود المؤسسي، أو الروتين، أو الافتقار إلى الخيال، أو التدخل المدمر من قبل أطراف ثالثة.
على مدى السنوات الخمس الماضية، انخفضت حصة روسيا من واردات الدفاع الهندية من 60 إلى 45 في المئة
ويؤكد كورتينوف على الحاجة إلى إعادة تقييم شاملة للعلاقة تنبع من فهم الاتجاهات العامة في تطور السياسة العالمية في عصرنا.
ويتطور العالم الحديث، ولو ببطء وعلى مضض، في اتجاه ثنائية القطبية الجيوسياسية والاقتصادية والتكنولوجية الجديدة وهو ما يؤثر على كل من موسكو ونيودلهي.
وسنة بعد سنة، تتحرك روسيا نحو الشرق، لتعزيز وتطوير علاقاتها المتعددة مع الصين، فيما تتجه الهند نحو الغرب، مما يزيد من أشكال التعاون المختلفة مع الولايات المتحدة.
وينطوي هذا الاتجاه على مخاطر كبيرة. وإذا استمر الأمر على المدى المتوسط، فقد تجد الدولتان الصديقتان نفسيهما في نهاية المطاف في كتلتين متعارضتين جيوسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا.
وبمرور الوقت، يشير كورتينوف إلى أنه سوف يصبح من الصعب على نحو متزايد أن تتمكن موسكو ونيودلهي من الحفاظ على التعاون الثنائي على المستوى الحالي، ناهيك عن تعميقه وتوسيعه المحتمل.
ولا تمتلك موسكو ولا نيودلهي الموارد والفرص اللازمة لعكس هذا الاتجاه في التطور المستمر للنظام الدولي.