كريتر نت – العربي الجديد
منذ أكثر من أسبوع أغلقت جماعة “أنصارالله” كل الطرق المؤدية إلى “ميدان السبعين”، وسط العاصمة اليمنية صنعاء، وتفرض انتشاراً أمنياً كثيفاً في محيطه، بالتزامن مع الذكرى السنوية التاسعة لسيطرتها على العاصمة اليمنية، في الوقت الذي بدأت فيه الجماعة احتفالات مبكرة بالمولد النبوي، بتجهيزات مكثفة استنفرت فيها كل المؤسسات.
في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء، وأسقطت كل مؤسسات الدولة. ومنذ ذلك الحين دخلت البلاد في دوامة الحرب والتدخل العسكري الخارجي، وأصبحت تمارس طقوس احتفالاتها بحالة من الصخب، بعيداً عن الهموم اليومية التي يعانيها الناس بفعل الحرب.
تتوجس جماعة الحوثي من أي أصوات معارضة لسلطتها في مناطق سيطرتها باعتبارها تهدد الجبهة الداخلية
ما زال صدام عبد الوهاب، وهو موظف حكومي في صنعاء، يتذكر اللحظات التي عاشتها صنعاء أثناء دخول المسلحين الحوثيين إلى شوارعها وفرض نقاط أمنية وانتشار كثيف وحراسات على المنشآت الحكومية ومنازل كافة المسؤولين التي فُرضت عليهم الإقامة الجبرية.
يقول عبد الوهاب، لـ”العربي الجديد”: “كان الحدث أشبه بكابوس مزعج. لقد انهارت الدولة بشكل كامل ولم يعد لها وجود، وكشفت تلك الأيام بوضوح عن الوضع في البلاد الذي وصلنا إليه اليوم نتيجة الحرب التي دمرت كل شيء ولا نعرف نهايتها”.
سلسلة من التحولات في مسار الحرب
مرت البلاد بسلسلة من التحولات في مسار الحرب خلال السنوات الماضية، لكن تبدو الأوضاع هذا العام مختلفة، إذ تشهد البلاد حالة هدنة منذ مطلع إبريل/ نيسان 2022، نتجت عنها مفاوضات ثنائية بين السعودية والحوثيين، بوساطة عُمانية خلال الأشهر الماضية، ووصلت إلى مرحلة متقدمة.
وعاد وفد الحوثيين من السعودية، أمس الأول الثلاثاء، إلى صنعاء برفقة الوفد العماني، بعد خمسة أيام من المحادثات في الرياض. وقال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام: “أجرى وفدنا فور وصوله إلى الرياض لقاءات مكثفة مع الجانب السعودي، ناقشنا فيها بعض الخيارات والبدائل لتجاوز قضايا الخلاف التي وقفت عندها الجولة السابقة”.
من جانبها، رحبت وزارة الخارجية السعودية، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، بـ”النتائج الإيجابية للنقاشات الجادة بشأن التوصل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن”.
إلى ذلك، التقى وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان وفد الحوثيين. وقال في تغريدة بمنصة “إكس”: “نتطلَّع أن تحقق النقاشات الجادة أهدافها، وأن تجتمع الأطراف اليمنية على الكلمة ووحدة الصف؛ لينتقل اليمن إلى نهضة شاملة وتنمية مستدامة… يتكامل مع النهضة التنموية للمنظومة الخليجية”.
ضغوط شعبية
ومع توقف الحرب وجدت جماعة الحوثي نفسها أمام تصاعد الضغوط الشعبية ضدها للمطالبة بالرواتب والخدمات المقطوعة منذ ثماني سنوات، وسط اتهامات للجماعة بالاستحواذ على جميع الإيرادات لصالح الحرب. وفي الوقت الذي توقفت فيه الحرب مع استمرار التهدئة لم يتغير شيء.
وأعلن خلال الأيام الماضية تشكيل كيانات حقوقية جديدة للمعلمين والأكاديميين تطالب الحوثيين بتسليم رواتبهم وتحمّل المسؤولية كسلطة أمر واقع. لكن الجماعة واجهت ذلك بإطلاق تهديدات بالتصعيد العسكري، حيث تحمل التحالف، الذي تقوده السعودية، مسؤولية عدم تسليم الرواتب وتتفاوض بشأنها معهم.
وتتوجس جماعة الحوثي من أي أصوات معارضة لسلطتها في مناطق سيطرتها، باعتبارها تهدد الجبهة الداخلية. ويُنظر لأي مطالبات على أنها امتداد لحرب خصومها في التحالف والحكومة اليمنية يستهدفها بشكل أساسي.
وصعّدت حالة الاحتقان النقد الحاد ضد جماعة الحوثي في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قوبلت باعتداءات متكررة على منتقدي الجماعة، إذ اعتدى مسلحون مجهولون، مساء الثلاثاء الماضي، على الأكاديمي والناشط السياسي إبراهيم الكبسي، وسط صنعاء، بالضرب المبرح، كما حطموا سيارته. وسبق أن اعتدى مسلحون في 24 أغسطس/ آب الماضي، بالضرب على الصحافي مجلي الصمدي أمام منزله، والذي قال إن العصابة توعدته بالمزيد “إن لم يكف عن الكتابة”.
ويُعتقد بشكل واسع أن العصابات تتبع لجماعة الحوثي التي تهدد دوماً معارضيها وتتهمهم بالخيانة وخدمة أعدائها. وكثف الكبسي انتقاداته في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي آخر منشور له انتقد الاحتفالات والاستعراضات العسكرية للحوثيين. وكتب: “هذه أموالنا وإيراداتنا ومرتباتنا التي تعبثون بها في استعراضاتكم العسكرية واحتفالاتكم الدينية المسيسة”.
وأضاف، مخاطباً الحوثيين: “كيف تريدوننا أن نعتبر حشودكم جيشاً وطنياً يحمي الوطن ونحن نراه يؤدي قسم الولاء الطائفي لفداء الوثن؟ هذا ليس أمننا ولا جيشنا لأنه يحمي كيانكم ويبني مشروعكم بإفقارنا وعلى حساب حقوقنا”.
ويطغى على صنعاء اللون الأخضر حيث تحتفل جماعة الحوثي بالمولد النبوي باستعراض مبالغ فيه، والذي يتزامن مع احتفالهم بسيطرتهم على العاصمة، أو ما يسمونها “ثورة 21 سبتمبر”. ووفق مصادر مقربة من الحوثيين، تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإنه “من المتوقع أن تنفذ فيه الجماعة استعراضاً عسكرياً كبيراً في ميدان السبعين بصنعاء، وهذا سبب إغلاقها المبكر له”.
مفاوضات من أجل تسوية
وبعد تسع سنوات من سيطرتها على صنعاء، يسير الصراع المعقد في اليمن نحو تسوية بتفاصيل ليست واضحة على الأقل حتى الآن. لكن المعطيات تشير إلى أن جميع الأطراف ليس بمقدورها الاستمرار في المواجهة العسكرية المُكلفة.
ويقول رئيس مركز المخا للدراسات عاتق جار الله إن “متطلبات السلام أخطر على جماعة الحوثيين من الحرب. ولا أعتقد أن المفاوضات مع السعودية فيها مصلحة مطلقة للجماعة، بل فيها مخاطر كبيرة جداً وهم يدركون ذلك”.
ويضيف، في حديث لـ”العربي الجديد”: “جماعة الحوثي اعتادت على إدارة المجتمع بلغة الإتاوات والمجهود الحربي لمواجهة ما تسميه العدوان، وهو ما يتطلب من الجماعة أدبيات جديدة حالياً. وبما أنها ما زالت تدرك أنها أقلية، فبالتالي هي بحاجة إلى عدو خارجي تقاتله لتحشد الناس حولها، وإلا فهي مطالبة باستحقاقات لا تستطيع تلبيتها”.
ويتابع جار الله “لا نستطيع الجزم أن الحرب في اليمن قد انتهت، لأن المباحثات مبنية على مطالب خارجية، وحتى الآن الأطراف اليمنية لم تصل إلى قناعة بإيقاف الحرب والتشارك، وهناك محاولة لجعل الصراع يمنياً – يمنياً لاستنزاف جميع الأطراف”.
ويوضح أن “جماعة الحوثي استفادت ووسعت قدراتها في شمال اليمن، إذا ما قارنا حجمها وإمكانياتها قبل انقلابها على الدولة عام 2014، وساعدها في ذلك عدد من العوامل، منها دور التيار الهاشمي المتغلغل في نظام (الرئيس الراحل علي عبد الله) صالح، وتفكك الكيانات اليمنية”. ويشير إلى أن “الجماعة استفادت من حلفائها الخارجيين، إيران تحديداً، على مستوى التسليح والتسويق السياسي الخارجي”.
وعلى المستوى الشعبي، يرى جار الله أن “الجماعة تمر بمرحلة صعبة وخطيرة جداً، بعدما أدارت الناس بلغة الحرب، وفشلت اقتصادياً كسلطة أمر واقع، وبدأت تتراجع منذ 2018 بعدما أقدمت على قتل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح”.
9 سنوات من سيطرة الجماعة
من جانبه، يقول الصحافي اليمني عبد العالم بجاش إنه “بعد تسعة أعوام من الانقلاب الحوثي تشعر غالبية الشعب اليمني بأنها ضاعت من أعمارهم، حيث دمرت أسس الحياة، وعوضاً عن ذلك يعيش اليمنيون حالة شتات وتمزق بشكل عام، وحالة ترهيب شامل في مناطق سيطرة الانقلاب”.
ويضيف بجاش، في حديث لـ”العربي الجديد”: “زرع الحوثيون أكثر من مليوني لغم وفق تقارير أممية ومحلية، وآلاف المدنيين سقطوا ضحايا ألغام الحوثي، معظمهم أطفال ونساء. وتم تقويض الاقتصاد والمعيشة، وهناك 143 مليار دولار خسائر الناتج القومي التراكمي بين العامين 2015 و2022، وتفشى الفقر والبطالة. وتراجع دخل الفرد سنوياً من 1287 دولاراً عام 2014 إلى قرابة 385 دولاراً عام 2022، ما ينذر بانزلاق مزيد من المواطنين تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ600 دولار للفرد في العام، حسب تقرير لمبادرة استعادة” الأموال والحقوق المنهوبة.
ويلفت بجاش إلى أن “مؤشرات الواقع خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين تظهر للعيان: تجويعاً وإفقاراً وسطواً ومصادرة للممتلكات والأراضي والمؤسسات والشركات العامة والخاصة، واستهدافاً للقبائل وكافة المجتمعات، واستهدافاً لكافة شرائح المجتمع”.
ويضيف: “الحوثيون وضعوا أنفسهم في مسار تصادمي حتمي مع كافة فئات المجتمع، بإصرارهم على تكريس التفرقة العنصرية وتجريف المال العام، وتقويض كل شيء لصالح بناء ثروات خاصة بعدد محدود من قياداتها، ما يضع الجميع على قوائم المتضررين من استمرار الانقلاب”، لافتاً إلى أن “صدامها الشامل مع المجتمعات المحلية مسألة وقت”.