كريتر نت – متابعات
في مرحلة يقفز فيها المشغل الدفاعي والأمني إلى صدارة مشاغل المملكة العربية السعودية بحكم تغيّر طبيعة التهديدات التي تحيق بها وتعاظم مصادرها، يكون من الطبيعي أن تضع المملكة التزام الولايات المتحدة بأمنها في مقابل التطبيع مع دولة إسرائيل، بعيدا عن أيّ ملفات أخرى يبدو أن طرحها جاء صوريا إلى أبعد حدّ.
وبدأت ملامح صفقة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية تتضّح على الأقل في شقّها المتعلّق بما تريده الرياض من الصفقة، ويتلخّص أساسا في عقد اتّفاق عسكري متين مع الولايات المتّحدة يلزم الأخيرة بحماية أمن المملكة، وذلك بعيدا أن أيّ ربط لمسألة التطبيع بالحصول على برنامج نووي سلمي أو بالملف الفلسطيني الذي يبدو أن طرحه لم يكن موجها سوى للاستهلاك الداخلي.
وقالت ثلاثة مصادر إقليمية مطلعة على المحادثات إن السعودية عازمة على التوصل إلى اتفاق عسكري يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عنها مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإنها لن تعطل الاتفاق حتى لو لم تقدم إسرائيل تنازلات كبيرة للفلسطينيين من أجل إقامة دولة مستقلة لهم.
ويبدو ما تحدّثت عنه المصادر متطابقا مع ما يسجله مراقبون من حالة قلق سعودية بشأن موضوع الأمن الذي قفز إلى صدارة مشاغل القيادة السعودية بفعل بروز مخاطر وتهديدات جديدة، لا تتمثّل فقط في تطور ترسانة الغريمة إيران من الطائرات المسيّرة والصواريخ العابرة، لكنّها تتجاوز ذلك إلى سقوط تلك الأسلحة الفعالة وقليلة التكلفة في أيدي ميليشيات غير منضبطة في كل من العراق واليمن، حيث سبق للسعودية أن خبرت خطورتها من خلال هجمات الحوثيين على أراضيها وأبرزها الهجوم على منشآت النفط في أبقيق سنة 2019.
إذا عارض الفلسطينيون التطبيع ستمضي السعودية في طريقها.. المملكة تريد شيئا لنفسها وليس للفلسطينيين
وما يضاعف قلق السعودية أن بروز تلك المخاطر جاء بالتوازي مع تراجع أميركي واضح في الالتزام بأمن بلدان المنطقة، وهو التوجّه الذي تريد الرياض وقفه باستخدام ورقة التطبيع التي لا تخلو من قيمة بالنسبة إلى إدارة الرئيس جو بايدن الساعية إلى تحقيق خرق دبلوماسي يحسب في رصيدها.
ومن هذا المنطلق رجحت المصادر التي نقلت عنها وكالة رويترز ألاّ يرتقي الاتفاق الذي تسعى إليه السعودية إلى مستوى الضمانات الدفاعية الصارمة على غرار حلف شمال الأطلسي والتي سعت إليها المملكة في البداية عندما نوقشت هذه القضية لأول مرة بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى المملكة في يوليو 2022.
وقال مصدر أميركي إن الاتفاق قد يبدو مثل معاهدات أبرمتها الولايات المتحدة مع دول آسيوية، أو إذا لم يحظ هذا بموافقة الكونغرس، فإنه قد يكون مشابها لاتفاق أميركي مع البحرين التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية. ولا يحتاج مثل هذا النوع من الاتفاقات إلى دعم من المجلس.
وذكر المصدر أن واشنطن يمكنها أيضا تحسين أيّ اتفاق من خلال تصنيف السعودية حليفا رئيسيا من خارج حلف شمال الأطلسي، وهو الوضع الممنوح لإسرائيل بالفعل.
لكن كل المصادر قالت إن السعودية لن تقبل بأقل من ضمانات ملزمة للولايات المتحدة بحمايتها إذا تعرضت لهجوم، مثل ضرب مواقعها النفطية بالصواريخ في 14 سبتمبر 2019 مما هزّ الأسواق العالمية.
ومن شأن إبرام اتفاق يمنح الحماية الأميركية لأكبر مُصدر للنفط في العالم مقابل التطبيع مع إسرائيل أن يعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط من خلال جمع خصمين قديمين وربط الرياض بواشنطن بعد تدخلات الصين في المنطقة. وسيكون هذا نصرا دبلوماسيا لبايدن يتباهى به قبل الانتخابات الأميركية في عام 2024.
وقد يحصل الفلسطينيون على تخفيف لبعض القيود الإسرائيلية، لكن مثل هذه التحركات لن ترقى إلى مستوى تطلعاتهم لإقامة دولة.
وقالت المصادر الإقليمية الثلاثة المطلعة إنّ مطلب الفلسطينيين الخاص بإقامة دولة مستقلة لن يحظى سوى بمرتبة ثانوية في مسار التطبيع الإسرائيلي – السعودي.
وقال أحد المصادر “التطبيع سيكون بين إسرائيل والسعودية. وإذا عارضه الفلسطينيون، ستمضي المملكة في طريقها”. وأضاف “السعودية تدعم خطة سلام للفلسطينيين، لكنها تريد هذه المرة شيئا لنفسها، وليس للفلسطينيين فقط”.
وقال مسؤول أميركي طلب مثل الباقين عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الملف إن معايير الاتفاق الدفاعي لا تزال قيد البحث، وأضاف أن ما تتم مناقشته “لن يكون تحالفا بنّاء على معاهدة أو شيء من هذا القبيل.. سيكون تفاهما دفاعيا متبادلا يقل عن معاهدة كاملة”.
وأردف المسؤول قائلا إن الأمر سيكون أشبه بعلاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل التي تتلقى أكثر الأسلحة الأميركية تطورا وتجري مع واشنطن تدريبات مشتركة للقوات الجوية والدفاعات الصاروخية.
من شأن إبرام اتفاق يمنح الحماية الأميركية لأكبر مُصدر للنفط في العالم مقابل التطبيع مع إسرائيل أن يعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط
وقال مصدر في واشنطن على دراية بالمناقشات إن ولي العهد السعودي طلب معاهدة على غرار تلك الخاصة بحلف شمال الأطلسي، لكن واشنطن مترددة في الوصول إلى حد الالتزام بمثل ما ينص عليه البند الخامس من اتفاقية حلف شمال الأطلسي ومفاده أن شن هجوم على أيّ عضو يعد هجوما على جميع الحلفاء.
وقال المصدر إن مساعدي بايدن قد يبحثون إبرام اتفاق على غرار ما هو قائم مع اليابان ودول آسيوية حليفة أخرى والذي تتعهد الولايات المتحدة بموجبه بدعم عسكري لكنه أقل صراحة في ما يتعلق بإمكانية نشر قوات أميركية. ولكن المصدر أشار إلى أن بعض النواب الأميركيين قد يعارضون اتفاقا مثل هذا.
وهناك نموذج آخر لا يحتاج إلى إقرار من الكونغرس، وهو الاتفاق الموقع مع البحرين وتعهدت فيه الولايات المتحدة بأن “تردع وتواجه أيّ اعتداء خارجي” لكنه نص أيضا على أن الحكومتين ستتشاوران لتحديد طبيعة التحرك الذي سيتخذ، هذا إذا قررتا أصلا القيام بتحرك.
وقال المصدر الموجود في واشنطن إن السعودية قد تحصل على تصنيف حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي، وهي خطوة يجري بحثها منذ وقت طويل. وهذا التصنيف، الذي نالته عدة دول عربية مثل مصر، يتضمن عددا من المنافع مثل تدريب القوات.
وقال المصدر الثاني في المصادر الإقليمية إن الرياض تتنازل في بعض المطالب للمساعدة في التوصل إلى اتفاق، بما يشمل خططها المتعلقة بالتكنولوجيا النووية المدنية. وأضاف أن السعودية مستعدة للتوقيع على المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي، التي تؤسس لإطار عمل للتعاون النووي السلمي مع الولايات المتحدة، وهي خطوة رفضت الرياض من قبل اتخاذها.