كريتر نت – متابعات
ربما لا يقلق المد والجزر في علاقات باريس بمناطق نفوذها في أفريقيا كثيرا ما دام الأمر يتعلق بالشؤون العسكرية أو الاقتصادية، فما تخسره اليوم قد تكسبه غدا.
ففرنسا تتحصن خلف نفوذ ثقافي يضرب بجذوره في مجتمعات جنوب البحر الأبيض المتوسط عبر اللغة فيما يعرف بالفرنكفونية.
وقد أدركت الجزائر أن سبيلها لإعادة التوازن في العلاقات مع باريس لا بد أن يمر عبر اللسان.
وبعد مرور أكثر من عام على إطلاق الجزائر برنامجا تجريبيا لتدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية، أشادت حكومة البلاد بنجاح البرنامج وتوسعه في خطوة تعكس التحول اللغوي المتزايد الجاري في المستعمرات الفرنسية السابقة في جميع أنحاء أفريقيا، وفقا لوكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية.
وسيدرس طلاب الصفين الثالث والرابع الابتدائي اللغة الإنجليزية، بموجب البرامج الجديدة التي وضعتها الحكومة الجزائرية لتدريب المعلمين في الجامعات والتي تتطلع إلى فرض المزيد من التغييرات في السنوات المقبلة.
وقال وزير التربية والتعليم عبد الكريم بلعابد الأسبوع الماضي، إن “تعليم اللغة الإنجليزية خيار استراتيجي في سياسة التعليم الجديدة للبلاد”، مشيداً بهذه الخطوة باعتبارها نجاحاً هائلاً.
واللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر انتشارًا في العالم، وتمثل غالبية المحتوى على الإنترنت وتظل لغة مشتركة في مجالات التجارة والعلوم. ومع تراجع النفوذ الاقتصادي والسياسي لفرنسا في جميع أنحاء أفريقيا، جاءت الجزائر ضمن قائمة طويلة من الدول التي بدأت التحول تدريجياً نحو اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية رئيسية.
التغييرات هذا العام بدأت في مالي التي أجرت تعديلا في دستورها لإزالة الفرنسية من قائمة اللغات الرسمية، فيما جعل المغرب دروس اللغة الإنجليزية إلزامية في المدارس الثانوية.
ويفوق عدد الناطقين بالفرنسية في الجزائر عدد المتحدثين في جميع الدول باستثناء فرنسا نفسها وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويتحدث بها ما يقرب من 15 مليونًا من أصل 44 مليون نسمة في البلاد، وفقًا للمنظمة الدولية للغة الفرنسية. ويعتبر مسؤولوها دروس اللغة الإنجليزية بمثابة تحول عملي وليس سياسيا، مشيرين إلى أهمية اللغة في المجالات العلمية والتقنية.
يعتقد مدير المدرسة الثانوية المتقاعد محمد أرزقي أنه كان على الجزائر أن تبدأ التحول إلى اللغة الإنجليزية منذ عقود.
وأطلق الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي تولى السلطة في عام 2019 المبادرة الحالية. وحاول الزعماء السابقون أيضًا توسيع نطاق اللغة الإنجليزية لكنهم فشلوا في التغلب على النخب الناطقة بالفرنسية والتي طالما سيطرت على السلطة في البلاد.
ويأتي التوسع في تعلم اللغة الإنجليزية مع تصاعد التوترات بين فرنسا والجزائر. ويشترك الاثنان في المصالح الأمنية بشأن الاضطرابات السياسية التي تتشكل غرب أفريقيا المعاصرة. لكن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد التوترات بين البلدين حول الهجرة وتسليم المجرمين وكيفية إحياء كل دولة لذكرى الاستعمار والحرب الوحشية التي أدت إلى استقلال الجزائر عام 1962.
وبصرف النظر عن مدى سرعة تحول المدارس إلى اللغة الإنجليزية، تبدو مؤشرات تراجع اللغة الفرنسية واضحة في أماكن أخرى، حيث اتخذت السلطات خطوات متأنية لاستبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية في الألقاب الرسمية لمختلف الوزارات الحكومية.
وفي رحلته إلى الجزائر العاصمة العام الماضي، طُلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديم ملاحظات من فوق المنبر تشير إلى عنوانه والتاريخ باللغتين الإنجليزية والعربية، إحدى اللغتين الرسميتين في الجزائر إلى جانب الأمازيغية الأصلية.