كريتر نت – متابعات
تعطي أحدث المؤشرات بشأن مشتريات الأوروبيين من الغاز الطبيعي المسال الروسي منذ فبراير العام الماضي دلائل دامغة على أن دول الاتحاد تكافح بلا جدوى لفطم نفسها عن الإمدادات القادمة من الشرق.
وزادت دول الاتحاد كميات الغاز الروسي التي تشتريها على الرغم من الحرب في أوكرانيا، مما يعكس تعقيدات إيجاد بديل لمصدر الطاقة الحيوي هذا مع اقتراب فصل الشتاء.
وفي أعقاب اندلاع النزاع، قلّصت موسكو بشكل حاد من صادرات الغاز عبر الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي، ما دفع دوله الـ27 إلى البحث عن مصادر بديلة في ظل اعتمادها على الوقود الأحفوري.
واستثمرت دول الاتحاد في البنى التحتية لموانئها، وزادت العام الماضي كميات الغاز الطبيعي التي تشتريها بنسبة 70 في المئة. وتشكل الولايات المتحدة مصدر 40 في المئة من كميات هذا الغاز المنقول عبر السفن.
لكن الدول الأوروبية زادت أيضا من كميات الغاز الروسي، خصوصا عبر توتال أنيرجيز الفرنسية، التي استثمرت بشكل كبير في سيبيريا.
ويستثنى الغاز من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على موسكو بسبب الغزو، لكن نسبته من إجمالي الواردات الأوروبية تراجعت خلال العامين الماضيين.
وبات الغاز الروسي عبر الأنابيب أو الطبيعي المسال يشكل 15 في المئة فقط من إجمالي وارداته إلى الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، مقابل 24 في المئة في العام الماضي و45 في المئة في 2021.
لكن هذا التراجع الإجمالي لا يعكس صورة فعلية بشأن الغاز من روسيا، إذ بلغت كمياته 12.4 مليار متر مكعب خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة، أي 17 في المئة من إجمالي الواردات الأوروبية، مقابل 19.3 مليارا طوال عام 2022 و13.5 مليارا في 2021.
وشكّل الغاز الطبيعي المسال نصف الكمية التي استوردها الاتحاد الأوروبي من روسيا بين يناير ويوليو الماضيين، مقابل الربع في الفترة نفسها قبل عام.
وقال المفوض الأوروبي للطاقة قدري سيمسون منتصف سبتمبر في وارسو “يمكننا ويتوجب علينا تقليص واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي وصولا إلى إلغائها بالكامل. أحضّ الشركات والدول الأعضاء على القيام بدورها”.
وتبدو دول الاتحاد مستعدة للشتاء، إذ إن مخزوناتها من الغاز امتلأت بنسبة 90 في المئة اعتبارا من منتصف أغسطس، وجددت تأكيد خفض الاستهلاك.
وقال المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول الشهر الماضي “نحن في وضع أفضل” هذه السنة، مبقيا على حذره نظرا لأن شتاء 2023 قد يكون “أشد من العام الماضي”.
ودعت منظمة غلوبال ويتنس غير الحكومية في أغسطس “الحكومات إلى إعداد خطة طوارئ لوضع حد لتجارة الغاز الروسي التي تملأ جيوب المقربين من (الرئيس فلاديمير) بوتين”، مؤكدة أن واردات أوروبا من الغاز الروسي هي أعلى فعليا من المعلن رسميا.
لكن الخبراء يرون أنه من الصعوبة بمكان أن تستغني القارة عن الغاز الروسي بشكل فوري.
وقال الباحث في معهد بروغل سيمون تاغليابيترا “ثمة واقع تجاري، فللشركات الأوروبية عقود طويلة الأجل مع المزوّدين الروس”، ولا يمكنها بالتالي خفض الكميات التي تشتريها سوى بشكل تدريجي مع انتهاء مدة هذه العقود.
وأوضح أن الحل الوحيد لتجاوز هذه العقبة هو حظر واردات الغاز الروسي أو خفض كمياته إلى مستوى متفق عليه وفق منصة مشتركة وسقف للسعر، وبالتالي تقليص اعتماد أوروبا على مزوّد غير موثوق به يشكل خطرا جيوسياسيا على التكتل القاري.
وتابع “حتى في حال توقف شراء أي غاز من روسيا اعتبارا من أكتوبر، يمكن لأوروبا المرور بالشتاء دون مشاكل بسبب تراجع الطلب من الصين”، ما يخفف من الضغوط على سوق الغاز العالمية ويتيح للقارة إيجاد مصادر بديلة للطاقة.
◙ في حال أرادت أوروبا استبدال الغاز الروسي بآخر من الولايات المتحدة أو قطر ستصبح كلفة هذا المصدر أعلى وستضطر إلى دفع مبالغ أكبر
وفي حين يسهل تحويل وجهة الغاز المنقول عبر السفن، لا تزال الكميات المعروضة عالميا “محدودة”، والمشاريع الجديدة المرتقبة “لن تبصر النور قبل أعوام”، وفق الخبير في إي.آي معز عجمي.
وفي حال أرادت أوروبا استبدال الغاز الروسي بآخر من الولايات المتحدة أو قطر، ستصبح كلفة هذا المصدر أعلى، إذ ستضطر إلى دفع مبالغ أكبر نظرا لأن المسافة الفاصلة بين القارة الأوروبية وهذين البلدين، هي أطول من التي تفصلها عن روسيا.
وإلى الآن، لم يطرح حظر الغاز الروسي بالكامل على طاولة البحث الأوروبية، إلا أن احتمال الإجازة للدول الأعضاء تقليص الكميات التي تشتريها مدرج ضمن تشريع أوروبي بشأن أسواق الغاز تتم دراسته في الوقت الراهن.
وسبق لدول أوروبية عدة أن خفضت مشترياتها من الغاز الروسي في 2022، مثل البرتغال والسويد وغيرهما، في حين أن دولا أساسية مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا زادتها بنسبة 55 في المئة، وفق مركز آي.إي.إي.أف.أي البحثي.