كريتر نت – متابعات
إيران التي قطعت شوطا كبيرا في التصالح مع السعودية وتعمل على حماية ما تحقّق بتوجيه خطاب إيجابي ومعتدل تجاه المملكة، لا تبدو مستعدة لتقديم شيء عملي ملموس عندما يتعلّق الأمر بسياسات إستراتيجية وبمصالح حيوية، ما يعني أنّها تسعى لمصالحات مجانية تستفيد هي منها دون تقديم أي تنازلات.
انطوت زيارة قام بها وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي إلى حقل الدرّة الغازي (آرش حسب التسمية الإيرانية) على استفزاز لكل من السعودية والكويت اللّتين تقولان إنّ الثروات الكامنة في الحقل المذكور ملكية مشتركة خالصة لهما ولا دخل لأي طرف ثالث فيه.
وجاءت زيارة وحيدي التي أعلنت عنها وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، الخميس، غداة إعلان الكويت قبل ذلك بيوم واحد عن نيتها تشغيل الحقل بالكامل بحلول سنة 2029، بحسب ما جاء الأربعاء على لسان شيماء الغنيم نائبة المدير العام لشركة النفط الكويتية.
ووصفت مصادر خليجية الخطوة الإيرانية بالمستفزّة وقالت إنها مخالفة تماما لما أظهرته طهران من حرص على التهدئة مع محيطها والتي تجلّت في مسارعتها لتطويق الأزمة التي كادت أن تتفجّر بينها وبين الرياض بسبب ما حف بمباراة كرة القدم بين ناديي سباهان الإيراني والاتّحاد السعودي ضمن دور المجموعات في دوري أبطال آسيا والتي ألغيت بسبب رفض الفريق السعودي اللعب في ملعب يوجد فيه تمثال لقاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي قتل في ضربة جوية أميركية عام 2020، وينظر إليه على نطاق واسع كأحد أكبر رموز الإرهاب في المنطقة.
وسارعت إيران إثر ذلك إلى تطويق المشكلة وقالت على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان إنّ إلغاء المباراة لن يؤثر على العلاقات التي استؤنفت هذا العام مع السعودية.
كما أعلن عبداللهيان عن إجرائه اتصالا مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بشأن أحداث المباراة ذاتها، مؤكدا أنّ “العلاقات بين طهران والرياض تمضي قدما ويجب ألا نسمح بأن تصبح الرياضة أداة سياسية بين يدي أي من الطرفين”.
◙ تم اكتشاف الحقل الغازي المذكور في مياه الخليج سنة 1967 ومثّل منذ ذلك الحين مدار خلاف طويل بين الكويت وإيران
واعتبرت ذات المصادر أنّ موقف إيران من مباراة كرة القدم لا يتّسق مع الزيارة الاستفزازية التي قام بها وزير داخليتها إلى الحقل الغازي، وبفارق زمني بسيط بين الحادثتين.
وعلّق أحد المراقبين بأنّ إيران تبدو لينة ومتعاونة مع جيرانها عندما يتعلّق الأمر بمسائل شكلية واعتبارية مثلما هو الموقف من أحداث مباراة ملعب نقش جهان، ولكنّها تبدو على العكس من ذلك تماما حين يتعلّق الأمر بمصالح حقيقية أو بتغيير سياسات مستفزة لهؤلاء الجيران.
واعتبر أنّ ذلك دليل على أن الإيرانيين يريدون مصالحات شكلية ومجانية مع الجيران الذين يطلب منهم تقديم تنازلات دون الحصول على أي مقابل يذكر.
وتساءل في نفس السياق عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه المصالحة السعودية – الإيرانية، متوقّعا أن لا يتجاوز الأمر حدود التهدئة الباردة التي تظل مهدّدة بالعودة إلى نقطة الصفر إذا ما تواصلت الاستفزازات الإيرانية.
وقالت الوكالة الإيرانية إنّ وزير الداخلية تفقد عددا من الحقول النفطية المشتركة لدى وصوله إلى محافظة بوشهر جنوب إيران صباح الخميس.
وقالت إنّ من بين الحقول التي تفقدّها حقل فروزان النفطي المشترك بين إيران والمملكة العربية السعودية. كما قام بـ”زيارة جوية إلى حقول نفطية أخرى منها سروش وأبوذر ونوذر وآرش الواقعة في الخليج الفارسي”، حسب تعبير الوكالة.
وتتضمّن زيارة الوزير إلى حقل الدرّة رسالة بأنّ بلاده مصرّة على مشاركة السعودية والكويت ملكية الحقل المذكور، تجسيدا لموقفها بهذا الشأن والمعبّر عنه على لسان كبار مسؤوليها.
ويبدو من الزيارة أن إيران تريد فرض أحقيتها بحصة من الحقل الغازي كأمر واقع، الأمر الذي يمثّل تهديدا للعلاقات الناشئة والتي ما تزال على قدر كبير من الهشاشة مع السعودية.
وتم اكتشاف الحقل الغازي المذكور في مياه الخليج سنة 1967 ومثّل منذ ذلك الحين مدار خلاف طويل بين الكويت وإيران.
وكان وزير النفط الإيراني جواد أوجي قد أعلن في وقت سابق عن نية طهران حل القضايا المتعلقة بالحقل المذكور عبر التفاوض مع الكويت، مؤكّدا أنّ “الجمهورية الإسلامية لن تتخلى عن حصتها في حقل آرش”.
وجاء ذلك في مقابل رفض الكويت الاعتراف بأي حقوق لإيران في حقل الدرّة عبّرت عنه بوضوح في بيان لخارجيتها جاء فيه أنّ “المنطقة البحرية الواقع بها حقل الدرة تقع في المناطق البحرية لدولة الكويت، وأن الثروات الطبيعية فيها مشتركة بين الكويت والسعودية، ولهما وحدهما حقوق خالصة في الثروة الطبيعية في حقل الدرة”.
ما يريده الإيرانيون من السعودية هو مصالحة مجانية لا يغيرون بمقتضاها جوهر سياساتهم ولا يقدمون تنازلات
كما أكّدت الخارجية السعودية في بيان مماثل أنّ “ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة بما فيها حقل الدرة بكامله هي ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة”.
وأضافت أنّ “المملكة تجدد دعواتها السابقة للجانب الإيراني للبدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرف تفاوضيٍ واحد مقابل الجانب الإيراني، وفقا لأحكام القانون الدولي”.
وجاء الموقف الخليجي مساندا للموقف الكويتي والسعودي حيث أكد المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي أحقية السعودية والكويت فقط بحقل الدرة النفطي المتنازع عليه في الحد الشرقي من المنطقة المغمورة في الخليج.