كريتر نت – متابعات
سلطت مجلة ألمانية الضوء على مخاطر اختلال السلام في اليمن الذي يشهد حربًا مدمرة منذ تسع سنوات.
وحذرت مجلة “السياسة والمجتمع الدولي” الألمانية في تقرير أعدته الباحثة “ماجدالينا كيرشنر” تحت عنوان “السلام وشد الحبل في اليمن” من مخاطر الجهود التوسعية العسكرية الجديدة التي يبذلها الحوثيون مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة محتملة على السكان المدنيين الذين يعانون بالفعل.
وأضافت “للمرة الأولى من بداية الحرب، التي راح ضحيتها أكثر من 220 ألف شخص، سافر وفد كبير من الحوثيين إلى العاصمة السعودية الرياض في منتصف سبتمبر الماضي”.
وتابعت “توقيت الزيارة، قبيل ذكرى السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، في 21 سبتمبر 2015 والتصعيد العسكري اللاحق بين المتمردين والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية، يشير هذا التوقيت إلى نجاح دبلوماسي للحكام الفعليين لشمال اليمن”.
وذكرت أنه “خلال الأشهر الماضية، تعالت الأصوات الناقدة بشكل ملحوظ، خاصة فيما يتعلق بحقيقة أنه في حين أن الإيرادات من الضرائب وزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وتعزيز النشاط في ميناء الحديدة قد زادت بنحو نصف مليار دولار أمريكي بين أبريل ونوفمبر 2022، فيما يواصل موظفو القطاع العام انتظار رواتبهم ومعاشاتهم التي تأخرت منذ سنوات، كما جاءت الانتقادات من صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام، حزب الوحدة الحاكم السابق، الذي كان ينتمي إليه رئيس وزراء حكومة الحوثيين، عبد العزيز بن حبتور، ووجهت إليه انتقادات انتهت بالإطاحة به بشكل مفاجئ من قبل مجلس الأمن الوطني في 27 سبتمبر. ومن ثم، فإن المفاوضات واحتمال الحصول على مكاسب مالية من السلام (أي دفعة اقتصادية ستحصل عليها الدولة من السلام الذي يلي الحرب) يمكن أن تكون مغرية وقد تشتري للمتمردين بعض الوقت في الداخل- حتى لو ظل من غير الواضح كيف يمكن التوفيق بين المدفوعات المقدمة من دولة مجاورة أو الحكومة المعترف بها دوليا، مع ادعائها بأنها الحكومة الشرعية الوحيدة في اليمن”.
وأردفت “خلال الأشهر الأخيرة، اتخذت قيادة الحوثيين إجراءات أقوى وأكثر قمعية لتعزيز حكمها داخليًا، حيث تجلى ذلك بشكل خاص في مجال التعليم ومن خلال القيود الكبيرة المفروضة على منظمات المجتمع المدني وحرية حركة المرأة. وقد وضع هذا الأخير، على وجه الخصوص، المتمردين على مسار المواجهة، وخاصة مع الدول الغربية المانحة، التي يشكل دعمها الإنساني مصدر رزق لأكثر من 20 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد”.
وأوضحت أن هذه التوترات تتفاقم نظرًا لحقيقة أن قدرة منظمات الإغاثة على منع إساءة استخدام المساعدات من قبل من هم في السلطة من خلال تقييمات مستقلة للاحتياجات يتم تقليصها بشكل منهجي وفي بعض الأحيان بشكل عنيف.
وأكدت أن تحسين العلاقات مع دول المنطقة، وهو ما يمكن أن يعوض عن انخفاض أو تعليق المساعدات من قبل الغرب، قد يساعد في تقليل تبعيات الحكام، وهذا ما يفسر كذلك سبب إعلان قيادة الحوثيين بشكل علني، في ذكرى الاستيلاء على العاصمة، عن رغبتها في معالجة أي مخاوف من جانب السعودية قد تقف في طريق التوصل إلى اتفاق، وأعربت عن نيتها مضاعفة جهود الاستعداد القتالي إذا لم يكن من الممكن تحقيق “سلام مشرف”، وتأكدت هشاشة جهود التطبيع بين الخصوم السابقين عندما أدت غارة بطائرة مسيرة على دورية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في المنطقة الحدودية السعودية مع اليمن إلى مقتل ثلاثة جنود بحرينيين في 25 سبتمبر.
تضيف مؤكدة أن “برغم أن البعد الدولي للصراع قد تراجع، إلا أن ذلك لم يصاحبه بعد تقدم كبير في السلام المحتمل بين اليمنيين، وفي أواخر سبتمبر، تم اعتقال مئات اليمنيين الذين احتفلوا بذكرى تأسيس الجمهورية عام 1962 في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وعلى الرغم من أن الاشتباكات العسكرية بين المتمردين والقوات المسلحة التابعة للحكومة الشرعية وحلفائها، المتجمعة في مجلس القيادة الرئاسي، قد انخفضت بشكل كبير، إلا أن الهجمات على القوات الحكومية لم تتوقف. وفي يوليو 2023، استخدم المتمردون طائرات بدون طيار ودبابات قتالية ومدفعية في محافظة الضالع بجنوب غرب البلاد. ومع ذلك، فإن شكلًا جديدًا من الحرب الاقتصادية يضرب بقوة أكبر الحكومة اليمنية وخاصة الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
فمنذ أكتوبر 2022، يستخدم الحوثيون الطائرات بدون طيار لشن هجمات على منشآت إنتاج وتصدير النفط الحيوية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. ووفقا لتقاريرها الخاصة، تكبدت الحكومة خسائر تزيد عن مليار دولار من الإيرادات كنتيجة لذلك. كما فرض الحوثيون حظرا على استيراد الغاز من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة وجعلوا من الصعب تجارة البضائع داخل اليمن، وخاصة تلك المستوردة عبر ميناء عدن”.
وأفادت الكاتبة بأنه على الرغم “من تدخل السعودية لمساعدة الحكومة اليمنية المتعثرة من خلال التعهد بتقديم مساعدات اقتصادية بقيمة 1.2 مليار دولار في بداية أغسطس، إلا أن الوضع الاقتصادي لا يزال سيئا. فقد فقدت العملة الوطنية، الريال اليمني، ربع قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في العام الماضي وحده. وكثيراً ما اضطرت محطات الوقود إلى إغلاق أبوابها في الأشهر الأخيرة، واضطر الناس في مدينة عدن الجنوبية إلى تحمل انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 17 ساعة – في ظل درجات الحرارة الشديدة. ويتزايد الإحباط بين السكان، وقد حدثت حواجز طرق متكررة، ووقعت إصابات وحتى وفيات خلال الاحتجاجات. وعلى الرغم من الجهود المتزايدة التي يبذلها الشركاء الأوروبيون لدعم الحكومة من خلال المزيد من الزيارات المتكررة والحضور الأكبر في عدن، فإن الضعف الصارخ في مؤسسات الدولة وانعدام الوحدة بين الجهات الفاعلة الرئيسية في الجنوب لا يزال يمثل أكبر نقطة ضعف للحكومة”.
تؤكد ماجدالينا أن هذه الديناميكيات اليمنية الداخلية تجعل استراتيجية التفاوض الحالية للسعودية، فضلا عن الدعم الذي تتلقاه من معظم الجهات الفاعلة الدولية، أكثر إشكالية. فقد فشل بيان صادر عن الحكومة الأمريكية بشأن محادثات الرياض في ذكر الحكومة اليمنية أو حقيقة أنها، إلى جانب الأمم المتحدة وأطراف الصراع الأخرى والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، مستبعدة من هذه “الجهود من أجل السلام”.
واستطردت: “لا ينبغي أن يكون مفاجئًا إذ أن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، أعرب علنا عن انتقادات حادة لتصرفات الرياض على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن وجهة نظره، فإن “الصفقة السيئة”، التي يمكن أن تمهد الطريق في نهاية المطاف لاستيلاء الحوثيين بشكل كامل، ستؤدي في المقام الأول إلى سيطرة إيران ليس فقط على موارد النفط اليمنية ولكن أيضا على طرق التجارة ذات الأهمية الاستراتيجية.
وقالت “كما رفض بشدة فكرة المشاركة الأحادية للحوثيين في إيرادات الدولة المتولدة في الجنوب- خاصة في ظل حالة الطوارئ الحالية في المنطقة- وكذلك التنازلات المتعلقة بالرواتب أو الموانئ البحرية أو انسحاب القوات الأجنبية ردا على ذلك. ما يعتبره تكتيكات ابتزاز من قبل الحوثيين قبل التوصل إلى وقف فعلي لإطلاق النار”.
كما تشير إلى أن المحادثات في السعودية توفر الأمل بمستقبل سلمي لليمن لأنها تسلط الضوء على المصالح السياسية الحقيقية للحوثيين، وخاصة في مجال التعاون الاقتصادي، مما يوفر أساسًا لنفوذ كبير في مفاوضات طويلة المدى.
وزادت: “ومع ذلك، طالما ظل الهدف الأساسي للمملكة يقتصر على الخروج من مشاركتها في الحرب لحفظ ماء الوجه وتأمين حدودها، فهناك خطر متزايد من قيام الحلفاء السابقين بعرقلة عملية السلام. بالإضافة إلى ذلك، فإن خطر الجهود التوسعية العسكرية الجديدة التي يبذلها المتمردون، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة محتملة على السكان المدنيين الذين يعانون بالفعل، يتزايد”.
واختتمت مجدلينا بقولها إنه “في ضوء هذه السيناريوهات، يجب على الجهات الفاعلة الدولية مثل الحكومة الألمانية تكثيف جهودها لتعزيز المصالحة اليمنية – اليمنية، بما في ذلك في المجالات المتعلقة بالتنمية والسياسة الاقتصادية، وتمكين المؤسسات السياسية من استعادة ثقة السكان الذين يشعرون بخيبة أمل متزايدة”.