كريتر نت – متابعات
في عالم اليوم المترابط، تمتلك الصراعات الإقليمية ميلا فريدا للتردد في أكثر القطاعات غير المتوقعة، حيث تشعر سوق الغاز الأوروبية بالصدمات المباشرة الناجمة عن المواجهة المستمرة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ويقول الباحث بيشاو بنيامين في تحليل على موقع موديرن دبلومسي إن الاتحاد الأوروبي، الذي يبدو محصنا بمخزون كامل من الغاز الطبيعي، ليس معزولا كما يبدو.
ومع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، فإن استقرار هذه الاحتياطيات معرض للخطر، إذ يسلط التاريخ الحديث لديناميكيات الطاقة في الاتحاد الأوروبي الضوء على مأزقه الحالي.
وعانت أوروبا من انقطاعات كبيرة في الإمدادات، خاصة بعد التخفيض الكبير في شحنات الغاز من روسيا في عام 2022 والذي أدى إلى ارتفاعات قياسية في الأسعار.
ويرسم التقرير الأخير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية صورة تحذيرية: ففي حين أن مرافق التخزين الأوروبية تكاد تكون ممتلئة، وتمثل نحو 100 مليار متر مكعب أو ما يقرب من 33 في المئة من استهلاك دول الاتحاد الأوروبي، فإن هذا لا يوفر أي ضمان لاستقرار الأسعار في الأيام المقبلة، وخاصة إذا تبين أن الشتاء أكثر قسوة.
أسعار الغاز الأوروبية تتجه نحو الارتفاع، خاصة بسبب المخاوف بشأن مدة انقطاع إنتاج الغاز في إسرائيل
وتزيد أستراليا من تعقيد هذا السيناريو، إذ إن إضرابات العمال في مواقع إنتاج الغاز الرئيسية التابعة لشركة شيفرون، وخاصة مشروعي “جورجون” و”ويتستون” اللذين يمثلان معا أكثر من 5 في المئة من الطاقة الإنتاجية العالمية للغاز الطبيعي المسال، تهدد الاستقرار العالمي لسوق الوقود الأزرق.
ومن المحتم أن يؤثر التوقف المحتمل لمثل هذه المساهمة الكبيرة على أسعار الغاز الطبيعي المسال العالمية، مما يؤدي إلى المزيد من تقلب الأسعار في أوروبا.
وبعد تلقيها تعليمات بوقف إنتاج الغاز الطبيعي في منصة “تمار” وسط الصراع، فإن تحول إسرائيل على مدى العقدين الماضيين من مستورد للغاز إلى مصدر مهدد بالخطر.
وشهدت صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، والتي كانت تبلغ 800 مليون قدم مكعبة يوميا حتى الأسبوع الماضي، انخفاضا كبيرا إلى حوالي 650 مليون قدم مكعبة يوميا بسبب توقف الإنتاج في منصة “تمار”.
وفرضت إسرائيل إجراءات أمنية مشددة حول حقول الغاز قبالة سواحلها بعد توقف تدفق الغاز من حقل تمار، في ظل احتمال تعرضه لهجوم بالصواريخ من قطاع غزة. وكان الحقل ذاته تعرض في جولات قتالية سابقة إلى عمليات استهداف عطلته لعدة أيام، آخرها خلال معركة “سيف القدس” مايو 2021.
ومع دخول العدوان على غزة الأسبوع الثاني، يواجه قطاع الطاقة والمياه الإسرائيلي تحديات بشأن التعامل مع انتظام تزويد الغاز إلى الأسواق الخارجية.
قطاع الطاقة والمياه الإسرائيلي يواجه تحديات بشأن التعامل مع انتظام تزويد الغاز إلى الأسواق الخارجية مع دخول العدوان على غزة الأسبوع الثاني
كما أن إعلان حالة الطوارئ في سوق الغاز يعني، حسب شيني أشكنازي مراسلة صحيفة “كلكليست” لشؤون الطاقة، خفض صادرات الغاز الإسرائيلي بقدر الضرورة إلى مصر والأردن أيضا.
وأوضحت أشكنازي أنه في حال وجود نقص في الغاز بالسوق الإسرائيلي، ستكون الحكومة قادرة على فسخ العقود الموقعة مع شركات الغاز، وتخصيص كميات الغاز للسوق بطريقة مختلفة وغير عادية، بما في ذلك خفض الصادرات بقدر الضرورة.
وانخفضت احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي المحلي من الطاقة والغاز بشكل كبير بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي في ظل الحرب، ولم تكن هناك حاجة إلى استخدام المازوت بدلا من الغاز، حسب أشكنازي، التي أفادت بأنه مع إيقاف استخراج الغاز من حقل تمار، تمت الاستعانة بحقلي الغاز لفيتان وكاريش تانين، اللذين يزودان الاقتصاد المحلي بالغاز.
وبينما أحدثت اكتشافات إسرائيل تحولا في مشهد الطاقة الخاص بها، فقد عززت أيضا بشكل غير مباشر إمدادات الغاز في أوروبا، خاصة وأن أوروبا تبحث عن بدائل للغاز الروسي.
ويعد التقرير التحليلي الأخير الصادر عن بنك جولدمان ساكس بمثابة مؤشر رائد، حيث يحذر من التداعيات المحتملة للصراع المستمر على قطاعي النفط والغاز العالميين.
ويقول البنك إنه إذا تصاعدت المواجهة، فقد نشهد زيادة استباقية في الإنتاج من قبل لاعبين رئيسيين مثل المملكة العربية السعودية، مما يؤدي إلى المزيد من التقلبات في سوق الطاقة.
ويشير تحليل البنك كذلك إلى أن أسعار الغاز الأوروبية تتجه نحو الارتفاع، خاصة بسبب المخاوف بشأن مدة انقطاع إنتاج الغاز والتداعيات الجيوسياسية للصراع المستمر في الشرق الأوسط.
ويقف قطاع الغاز الإسرائيلي، الغني بالاكتشافات الأخيرة والاستثمارات الأجنبية الكبيرة، ولاسيما حصة شيفرون التي تقدر بمليارات الدولارات في حقول الغاز البحرية، عند مفترق طرق.
ويمكن أن تؤدي الأعمال العدائية المستمرة إلى إعاقة الاستثمارات المستقبلية، مما يؤدي إلى إبطاء وتيرة التنمية في قطاع يعد بالكثير لكل من إسرائيل وأوروبا.
وتؤكد “عاصفة الأقصى” على التفاعل المعقد بين الجغرافيا السياسية والأسواق العالمية. وتجد أوروبا، في سعيها إلى تحقيق أمن الطاقة، نفسها وهي تتصارع مع أحداث جيوسياسية بعيدة عن شواطئها، الأمر الذي يذكر بالتوازن المعقد والحساس الذي يحافظ على تماسك أسواق الطاقة العالمية.