كريتر نت – العرب
تثير أنشطة شركة فالكون المصرية للخدمات الأمنية التي يديرها عسكريون متقاعدون موجة من التساؤلات بسبب الغموض الذي يحيط بها، فلا أحد تقريبا يعرف مجال أنشطتها وعدد منتسبيها وطبيعة المهام الموكلة إليهم، حتى أنها لا تخضع للمراقبة المالية والقانونية.
وتتقارب الخيوط في مصر نحو صياغة أدوار جديدة قد تكون مشبوهة لشركة أمنية كبرى لها علاقات بالحكومة وأجهزة الأمن والمخابرات، وسط مخاوف كبيرة من إسناد مهام سرية إليها خلال الفترة المقبلة.
ويقول الكاتب محمود حسن في تقرير على موقع ميدل إيست مونيتور إن طبيعة مهام مجموعة الصقور للأمن والحراسة (فالكون)، التي أعلنت صراحة مشاركتها في حملة دعم وتأمين ولاية رئاسية ثالثة للرئيس عبدالفتاح السيسي تثير تساؤلات.
ويضيف حسن أن التساؤلات تتزايد بسبب الغموض الذي يحيط بنشاط الشركة وآليات عملها وتشكيلاتها وحساباتها المالية والمهام الموكلة إليها وطبيعة المسؤولين عن إدارتها.
المجموعة الأمنية (التي تضم سبع شركات) ليست جديدة، حيث تأسست عام 2006، لكن دورها تصاعد بعد ثورة 2013. ولعبت المجموعة دورا بارزا في قمع التظاهرات وتأمين المرافق العامة والمطارات والأندية والسفارات الأجنبية والمسؤولين البارزين والفعاليات السياسية والرياضية والفنية.
وتعتبر الشركة الأكبر في المجال الأمني، حيث يبلغ إجمالي عقودها أكثر من ملياري جنيه مصري (حوالي 65 مليون دولار)، والأكثر تأثيرا نظرا إلى وجود عدد كبير من جنرالات وضباط الجيش والمخابرات والشرطة المتقاعدين يشغلون مناصب عليا فيها، حيث يتولى وكيل جهاز المخابرات الأسبق الفريق خالد شريف رئيس مجلس إدارتها.
محمد مرسي: توقيت بيع فالكون لنخنوخ غير مناسب ويطرح فكرة تشكيل ميليشيات خاصة بمسميات مختلفة
وبحسب مصدر مطلع تحدث إلى ميدل إيست مونيتور، شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن الشركة غير مدرجة في البورصة، ولا تخضع لأي رقابة مالية أو قانونية، ولا يُعرف حجم أو طبيعة أنشطتها.
وبحسب الموقع الإلكتروني للشركة، فإن خدمات فالكون تشمل حماية المنشآت، الحماية الشخصية، الدعم والتدخل السريع، الاستشارات الأمنية، أمن المناسبات العامة، الأمن الصناعي، أمن المرأة، كلاب الحراسة والتدريب على السلامة والصحة المهنية.
يقول حسن إن القراءة المتعمقة تكشف عن أربعة مواقف محورية هي الأبرز في تاريخ الشركة. الأول هو الإعلان في أغسطس 2014 عن إطلاق “قطاع الدعم والتدخل السريع” بحجة مواجهة الفلتان الأمني وأعمال الشغب، وهي المهام المنوطة أصلاً بوزارة الداخلية.
ويعني ذلك أن هناك جهازًا أمنيًا خاصًا موازيًا للشرطة، بالإضافة إلى منحه ترخيصًا يسمح له باستخدام السلاح، بحسب صحيفة الشروق المصرية. ويتيح حق نشر قوات التدخل السريع لشركة فالكون نشر مجموعات مسلحة ومركبات ودراجات نارية في النقاط الأمنية المستهدفة، بالإضافة إلى زرع أجهزة التتبع والتجسس والمراقبة.
ويتعلق الوضع المحوري الثاني بتوفير الغطاء القانوني للشركة من خلال صدور القانون رقم 86 لسنة 2015 بشأن شركات حراسة المنشآت وتحويل الأموال، والذي أتاح لها الحصول على تراخيص لعدة أنشطة.
وفي ديسمبر 2016 اتخذت المجموعة المثيرة للجدل خطوة محورية ثالثة، ولكن هذه المرة على بعد دولي، من خلال إقامة شراكات أمنية مع شركات روسية وأميركية وبريطانية، كان أهمها توقيع عقد مع شركة الاتصالات السعودية، لتصبح الجهة التجارية الوحيدة وكيل الشركة الروسية في مصر.
لكن الإجراء المحوري الرابع الذي يعتبر الأبرز والأكثر تأثيرا في تاريخ المجموعة، وهو بيع الشركة لصبري نخنوخ الذي سبق أن أدين بجرائم خطيرة، والذي حصل في مايو 2018 على عفو رئاسي من السيسي بعد أن حكم بالسجن 28 عاما بتهم التنمر وحيازة أسلحة ومخدرات.
وينص القانون المصري رقم 86 لسنة 2015 في شأن شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال على أنه “يجب ألا يكون رؤساء وأعضاء شركات الأمن قد سبق الحكم عليهم بجناية أو جنحة وعقوبة سالبة للحرية، أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ما لم تتم إعادة تأهيلهم”.
ولقب نخنوخ بالعديد من الألقاب، مثل أمير البلطجية، ورئيس جمهورية البلطجية، ووزير الداخلية الموازي، بحسب إذاعة مونت كارلو الدولية التي عنونت تغطيتها للصفقة بـ”صبري نخنوخ، رئيس الجمهورية” وبذلك أصبحت جمهورية البلطجية المالك والمدير لمجموعة فالكون، أكبر شركة أمنية في مصر.
وكان نخنوخ يمتلك مكاتب لتوريد البلطجية والمخدرات والأسلحة في العاصمة القاهرة، وسبق أن استخدمها في تخريب المرافق العامة والسجون خلال ثورة 25 يناير 2011 بهدف نشر الذعر في شوارع مصر.
وما زاد من الشك في الصفقة هو حقيقة أن المجموعة، التي تمتلك أكثر من 60 في المئة من سوق خدمات الحراسة والأمن في مصر، بيعت مقابل ثلاثة ملايين جنيه فقط (حوالي 97 ألف دولار) بالإضافة إلى تحمل ديون الشركة المقدرة بـ120 مليون جنيه إسترليني (حوالي 3.9 مليون دولار). ويقول حسن في تقريره إن الصفقة باتت خطيرة للغاية مع صدور تصريحات للسيسي مثيرة للجدل حول إمكانية تدمير مصر ونشر الفوضى في البلاد.
وقال السيسي قبل أسابيع “يمكنني أن أعطي ورقة ترامادول (مادة مخدرة) و1000 جنيه (حوالي 32 دولاراً) لـ100 ألف شخص ظروفهم صعبة وأرسلهم لمدة 10 أسابيع لتهيئة الوضع. أستطيع أن أدمر البلاد بمليار جنيه إسترليني (32 مليون دولار)”.
◙ الشركة التي يقودها عسكريون متقاعدون لا تخضع لأي رقابة مالية أو قانونية ولا يُعرف حجم أو طبيعة أنشطتها
ويرى حسن أن الصورة تكتمل بمجرد تحليل الظروف والتصريحات بما يضع مصر أمام نموذج جديد يقوم على تمصير واستنساخ مجموعة فاغنر الروسية التي تضم الآلاف من المرتزقة وتنفذ عمليات قذرة في مناطق مختلفة حول العالم.
واعتبر الخبير السياسي حمدي المصري تولي نخنوخ رئاسة الشركة تطورا نوعيا في عملها الأمني والسياسي، ما يثير مخاوف حقيقية خلال الفترة المقبلة. فبعد أن كان مجندو الشركة من المتقاعدين من الجيش والعاملين بمواصفات ومعايير أمنية عالية، فمن ينضمون لاحقا سيكونون بلطجية وسيقومون بتأمين مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يمهد لأحداث عنف ضد من يشتبه في تصويتهم لأي مرشح معارض للسيسي.
وأضاف المصري أن تطور أنشطة الشركة وطبيعة توظيف أعضائها يثيران مخاوف حقيقية من ظهور نسخة مصرية من مجموعة فاغنر الروسية في المدن المصرية. وتواجه مصر الآن شركة مؤثرة للغاية لها علاقات وثيقة بالمؤسسات الأمنية والعسكرية في البلاد، وربما تعمل في مرحلة ما كجهاز أمني مواز، أو ميليشيات يوكل لها تنفيذ أجندة خارجية إذا لزم الأمر.
ووصف محلل سياسي مصري، فضل عدم الكشف عن هويته، إسناد رئاسة الشركة لنخنوخ بأنه “وسيلة لإضفاء الشرعية على البلطجة وتوفير جهة رسمية يعمل من خلالها البلطجية”. وحذر المسؤول من أن الخطوة مؤشر على توسع دور فالكون للقيام بأعمال دعم النظام الحاكم مستقبلا إذا انهار الوضع أو وقفت الجهات الرسمية ضد السيسي.
ويرى مراقبون أن نخنوخ مجرد واجهة للنسخة المصرية من فاغنر، وأن الجهات السيادية هي التي تدير المجموعة فعليا (لا يزال عدد أعضائها غير معروف)، وسط تقديرات غير رسمية بأن العدد لا يقل عن 100 ألف عضو.
وحذر الدبلوماسي المعروف محمد مرسي سفير مصر الأسبق في الدوحة في منشور له على فيسبوك، من أن “توقيت بيع فالكون لنخنوخ غير مناسب، ويطرح فكرة ومفهوم وبدايات تشكيل ميليشيات خاصة بمسميات مختلفة الأشكال والظروف. وقد تفقد السيطرة عليها وكذلك المهام التي تشكلت من أجلها”.