كريتر نت – متابعات
اعتبر مراقبون أن تشديد الصين لقيود تصدير الغرافيت أحد المعادن النادرة المهمة في الصناعات التكنولوجية المتقدمة خطوة لإثبات قوتها في هذا المضمار وأداة أخرى مضادة للعقوبات الأميركية وخاصة في ما يتعلق بأشباه الموصلات وصناعة الرقائق.
وفرضت الصين قيودا جديدة على صادرات الغرافيت، وهو مادة خام رئيسية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، بتعلة حماية الأمن القومي في أحدث إجراءاتها للسيطرة على إمدادات المعادن الحيوية.
ويأتي الإجراء استجابة للتحديات المتعلقة بهيمنتها التصنيعية العالمية في أعقاب إعلان في يوليو الماضي عن قيود تصدير مماثلة على منتجات الغاليوم والجرمانيوم المستخدمة في رقائق الكمبيوتر والمكونات الأخرى.
وبموجب اللوائح الجديدة التي أعلنت عنها وزارة التجارة والجمارك يوم الجمعة الماضي بشكل مفاجئ، ستطلب السلطات تراخيص تصدير خاصة لثلاثة أنواع شديدة الحساسية من المعدن.
وعللت الوزارة الإجراء بأن ضوابط التصدير بشأن الغرافيت هي “ممارسة دولية شائعة”، لكن بالنسبة إلى خمسة أنواع، أقل حساسية من هذا المعدن، المستخدمة على سبيل المثال في صناعة الصلب، أسقطت بكين ضوابط التصدير.
وتعمل بكين منذ سنوات على إعادة هيكلة الصناعة في إطار ست شركات تسيطر عليها الدولة، وتأمل من خلال عملية الدمج في الاحتفاظ بهيمنتها على إنتاج الفلزات الأرضية النادرة ذات الأهمية الإستراتيجية.
وشددت الولايات المتحدة مؤخرا القيود على صادرات الرقائق الدقيقة للذكاء الاصطناعي، وهو قطاع مهم إستراتيجيا تريد الصين اللحاق به.
توم كافانا: الصينيون يستغلون سلاح ندرة المعادن لكسب نقاط لصالحهم
وإضافة إلى ذلك، توصلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اتفاق مع هولندا واليابان في وقت سابق من العام الجاري لتقييد تصدير بعض معدات صناعة الرقائق المتقدمة للصين ومن ثم إبطاء تطورها العسكري والتقني المرتبط بالذكاء الاصطناعي.
وأدت القيود المفروضة على الغرافيت، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها انتقام من القيود الأميركية المشددة، إلى زيادة المخاوف في الغرب من أن الصين قد تحد من صادرات المواد الأخرى، بما في ذلك المعادن النادرة، التي تهيمن على إنتاجها.
ويرى خبراء أن التكنولوجيا اللازمة لتكرير وتنقية المواد تعد سلاحا قويا بيد الصينيين يمكن استخدامه لحماية مصالحهم أكثر من المعادن النادرة ذاتها، كما يتطلعون إلى حظر بيع التكنولوجيا لبعض الدول أو الشركات.
وأكد توم كافانا رئيس معادن البطاريات في شركة أرغوس أن المعادن المهمة الأخرى التي تهيمن عليها الصين تشمل أشكال الكوبالت المكرر والنيكل والمنغنيز المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية.
ونسبت وكالة رويترز إلى كافانا قوله “من المتصور أنهم سيستخدمون هذا لصالحهم بينما يحاول بقية العالم زيادة إنتاج بطارياتهم”.
والمعادن النادرة أو الأتربة النادرة هي مجموعة مكونة من 17 عنصرا تستخدم في منتجات تتراوح من الليزر والمعدات العسكرية إلى المغناطيس الموجود في السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية مثل أجهزة آيفون.
واستحوذت الصين على 70 في المئة من إنتاج المناجم العالمية للعناصر الأرضية النادرة في العام الماضي، تليها الولايات المتحدة وأستراليا وميانمار وتايلاند، حسبما أظهرت بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
ويمتلك أكبر اقتصاد في آسيا ما لا يقل عن 85 في المئة من القدرة العالمية على معالجة الخامات الأرضية النادرة وتحويلها إلى مواد يمكن للمصنعين استخدامها، وفقا لتقرير نشرته شركة الأبحاث آدماس أنتلجنس في عام 2019.
وتظهر بيانات الجمارك الصينية أن صادرات البلاد من العناصر الأرضية النادرة انخفضت في سبتمبر الماضي مقارنة بالشهر السابق، لكنها ارتفعت بنسبة 6.6 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري إلى قرابة 40.4 ألف طن.
وكانت بكين قد صدرت العام الماضي نحو 48.7 ألف طن من الأتربة النادرة، بانخفاض قدره 0.4 في المئة على أساس سنوي.
◙ الغرافيت واحد من 17 عنصرا من المعادن النادرة التي تستخدم في منتجات تضم توربينات الرياح والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية وغيرها
وتستورد الولايات المتحدة معظم الأتربة النادرة من الصين، لكن الاعتماد تراجع إلى 74 في المئة بين عامي 2018 و2021، من 80 في المئة خلال عامي 2014 و2017.
وتؤكد بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن الصين لديها احتياطيات تقدر بنحو 44 مليون طن من مكافئ أكسيد الأرض النادر، أو 34 في المئة من الإجمالي العالمي.
وتشير التقديرات إلى أن كلا من فيتنام وروسيا والبرازيل لديها ما يزيد قليلا عن 20 مليون طن، في حين أن الهند لديها 6.9 مليون، وأستراليا 4.2 مليون طن تليها الولايات المتحدة بـ2.3 مليون طن.
وفي عام 2010، قيدت الصين صادرات المعادن النادرة إلى اليابان في أعقاب نزاع إقليمي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار ودفع اليابان إلى البحث عن مصادر بديلة. وقالت بكين في ذلك الوقت إن “القيود استندت إلى مخاوف بيئية والحفاظ على الموارد”.
ونجحت اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في تحدي الإجراء الذي اتخذته الصين في قضية أمام منظمة التجارة العالمية.
ودفعت الحادثة اليابان، التي كانت تعتمد على الصين في الحصول على كل ما تحتاجه من المعادن النادرة تقريبا، إلى البحث عن موردين بديلين لتخفيف اعتمادها على الصين.
واستثمرت طوكيو في شركة الإنتاج الأسترالية ليناس وخفضت حصة وارداتها من العناصر الأرضية النادرة من الصين إلى 58 في المئة بحلول عام 2018.
والأتربة النادرة وفيرة نسبيًا ولكنها توجد بتركيزات منخفضة وعادةً ما توجد ممزوجة مع بعضها البعض، أو مع عناصر مشعة مثل اليورانيوم والثوريوم.
وتجعل الخصائص الكيميائية للأتربة النادرة من الصعب فصلها عن المواد المحيطة بها، كما أن معالجتها تولد نفايات سامة.
ومكنت المعايير البيئية المتساهلة الصين من تعزيز هيمنتها في مجال المعادن النادرة في العقود الأخيرة مع ترك المنتجين الغربيين لهذه الصناعة.
وكثفت الدول الغربية دعمها لتعزيز الإنتاج المحلي من المعادن المهمة بما في ذلك المعادن النادرة. ووضعت أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سياسات وحزم دعم لقطاعات المعادن الحيوية لديها.
◙ 70 في المئة من الأتربة النادرة في 2022 أنتجتها الصين تلتها الولايات المتحدة وأستراليا
وتقوم شركة أم.بي ماتيريالس، ومقرها الولايات المتحدة، باستخراج أكاسيد الأتربة النادرة في منجم ماونتان باس في ولاية كاليفورنيا، وتشحن بعضها إلى الصين لمعالجتها وتحويلها إلى النيوديميوم ومعادن أرضية نادرة أخرى.
وأعلنت ماتيريالس في أغسطس الماضي أنها أطلقت مصنع فصل في الولايات المتحدة وتقوم بتكرير كميات صغيرة في كاليفورنيا، لكنها لم تقدم كميات.
وتبتعد شركة صناعة السيارات الكهربائية تسلا عن العناصر الأرضية النادرة في النماذج المستقبلية للتخفيف من المخاطر البيئية ومخاطر العرض، حيث تكافح صناعة العناصر الأرضية النادرة لتلبية الطلب.
وأظهرت بيانات حكومية الشهر الماضي أن الصين زادت حصتها من تعدين الأرض النادرة لهذا العام إلى مستوى قياسي يبلغ 240 ألف طن.
وتم وضع نظام الحصص، الذي يصدر عادة على دفعتين سنويا، استجابة لمشاكل الصين طويلة الأمد المتعلقة بالتعدين غير القانوني.
وتمثل حصة إنتاج التعدين للعام بأكمله لعام 2023، بما في ذلك 120 ألف طن الصادرة في مارس الماضي، زيادة بنسبة 14 في المئة عن العام الماضي.