كريتر نت – متابعات
وضعت جماعة الحوثي الجهود التي تبذلها جهات إقليمية ودولية لإطلاق عملية سلام في اليمن أمام معادلة صعبة تهدد بنسفها، وذلك برفضها الحوار مع أي جهة داخلية وتمسّكها بالتفاوض مع المملكة العربية السعودية دون غيرها.
وعبّر عن هذا الموقف مقال نشرته الجماعة في الصحف التابعة لها تحت عنوان “خارطة طريق العدوان لا تلبي مطالب الشعب اليمني”، وجاء فيه أنّ “تحالف العدوان عاد للالتفاف على أسس ومتطلبات السلام العادل في اليمن، حيث عاد مرة أخرى إلى الحديث عن ضرورة إجراء مفاوضات يمنية – يمنية لتكريس كذبة الحرب الأهلية وتمكين دول العدوان من التنصل عن الالتزامات التي تحاول تجاوزها من خلال الإعلان عن خارطة طريق لا تلبّي مطالب الشعب اليمني”.
ويسعى الحوثيون من خلال التمسّك بالتفاوض المباشر مع السعودية إلى تلخيص الصراع في اليمن في مجرّد “عدوان خارجي” تشنه السعودية عن طريق التحالف العسكري الذي تقوده، وتنتهي الأزمة بوقفه.
وتتمكن الجماعة بذلك من التملّص من المسؤولية عن الأزمة التي فجّرتها سنة 2014 بانقلابها على الحكومة الشرعية واستيلائها على السلطة بقوة السلاح، ومن التملّص من النتائج الكارثية التي أعقبت ذلك واستمرت تبعاتها على مدى أكثر من تسع سنوات.
كما تتمكّن أيضا من نفي أي شرعية لأي طرف يمني تضمن له المشاركة في مفاوضات السلام التي يمكن أن تعقد مستقبلا، وتتيح له بالنتيجة المشاركة في الصيغة التي قد يتمّ التوصّل إليها لحكم البلاد وإدارتها في مرحلة ما بعد الحرب.
وأشار المقال إلى اللقاء الذي جمع مؤخرا في الرياض وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ورئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي وما صدر خلاله من تأكيد المملكة تشجيعها “الأطراف اليمنية على التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام لإنهاء الأزمة”.
وترجم هذا الخطاب، بحسب مراقبين، رغبة المملكة في التحوّل من طرف رئيسي مشارك في الحرب اليمنية إلى راع للسلام بين الأطراف المتصارعة.
الموقف الحوثي يعني عدم امتلاك أي طرف يمني لحق مشاركته في مفاوضات السلام والمساهمة في إدارة البلد بعد الحرب
وعبّر العليمي أثناء اللقاء عن استجابته للجهود السعودية مثنيا على “وقوف المملكة إلى جانب الشعب اليمني، بما في ذلك مبادراتها وجهودها المستمرة لتجديد الهدنة وإطلاق عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة”.
وورد في المقال أنّ “التمسك بمسألة التفاوض بين الأطراف اليمنية يترجم إصرارا واضحا على تجنب طريق السلام الفعلي الذي يلزم دول العدوان وعلى رأسها السعوديّة، بكافة متطلبات الحل المتمثلة بإنهاء الحرب والحصار والاحتلال ودفع التعويضات، ويلزمها قبل ذلك بتنفيذ إجراءات بناء الثقة المتعلقة بالملف الإنساني والتي تشمل رفع الحصار عن الموانئ والمطارات ودفع مرتبات الموظفين من إيرادات النفط والغاز، ومعالجة ملف الأسرى، وهي إجراءات كان الرئيس المشاط قد أكّد مؤخّرا أن دول العدوان تواصل المماطلة فيها، معتبرا ذلك تصعيدا مستفزّا يعطي الحق في الرد المماثل”.
كما ورد في المقال الذي يعبّر بشكل صريح عن موقف الحوثيين قول المحرّر إنّ “الإصرار على الدفع بالمرتزقة (السلطة المعترف بها دوليا بقيادة العليمي) إلى الواجهة تحت عنوان المفاوضات اليمنية – اليمنية مؤشر ثابت على انعدام جدية دول العدوان في التوجّـه نحو سلام حقيقي وعادل لأنّ محاولة فرض المرتزقة كطرف رئيسي في المفاوضات هي محاولة مكشوفة تماما لتقديم السعوديّة كوسيط، وبالتالي السماح لها بالتنصل من أي التزامات”.
وفي تعليقها على محتوى المقال، رأت مصادر سياسية يمنية أنّه يحمل مؤشرات بالغة السلبية على مصير جهود السلام المبذولة معتبرة أنّه بمثابة نهاية مبكّرة لها.
وقال أحد المصادر إن صيغة الاقتصار في التفاوض على المملكة العربية السعودية شرط تعجيزي لن تقبل به المملكة لأنّه يحمّلها بشكل كامل المسؤولية التارخية عن الأزمة اليمنية برمّتها، ولا القوى السياسية اليمنية لأنّه يلغي دورها بالكامل، كما لن تقبل به الأطراف الوسيطة في النزاع لأنّه شرط غير جدّي ولا يعكس حسن النوايا.
ويرجّح مراقبون أن يكون الحوثيون بصدد تجميد الصراع عند النقطة التي وصل إليها راهنا، بعد أن حصلوا على نوع من الإقرار السعودي بالوضع الذي أوجدوه ومن ضمنه سيطرتهم على مناطق واسعة من الأراضي اليمنية.
ويقول هؤلاء إنّ الجماعة الموالية لإيران باتت تعتبر نفسها في وضع توازن للردع مع السعودية بامتلاكها أسلحة تستطيع من خلالها تهديد مصالح حيوية للمملكة على غرار قصفها قبل سنوات لمنشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو العملاقة.