كريتر نت – متابعات
يضع ارتباط الدوحة بحركة حماس علاقاتها الأكثر أهمية مع واشنطن أمام احتمال تخفيض كبير في مستوى العلاقات. ولطالما قدمت الدوحة نفسها وسيطا موثوقا به للولايات المتحدة إلا أن حرب غزة قد تضر بهذه الصورة.
وتستخدم قطر علاقتها الوثيقة مع حماس للمساعدة في تأمين إطلاق سراح الرهائن في غزة، لكن هذه العلاقات نفسها قد تؤدي في النهاية إلى الإضرار بعلاقاتها السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل.
وفي 22 أكتوبر علّق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على إطلاق سراح الرهينتين الأميركيتين اللتين تم احتجازهما في هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، وقال لشبكة “إن بي سي نيوز”، “أود مجدداً أن أشكر حكومة قطر على الدور المهم للغاية الذي لعبته في إطلاق سراحهما”. وتم إطلاق سراح رهينتين أخريين في اليوم التالي.
وتعليقاً على المفاوضات، قال مسؤول قطري كبير لصحيفة ألمانية “تم الإفراج عن الرهينتين في إطار يؤكد النية الإيجابية للإفراج عن الرهائن. نحن متفائلون بأنه سيتم إطلاق سراح الرهائن، وخصوصاً المدنيين، قريباً جداً”. لكن البيان الرسمي الإسرائيلي في هذا الشأن لم يأتِ على ذكر قطر، وهو أمر غير مفاجئ نظراً لعلاقات الدوحة الوثيقة مع حماس، وادعائها الأوّلي بأن إسرائيل هي “المسؤولة الوحيدة” عن الصراع الحالي.
ويقول سايمون هندرسون، مدير برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إن دور قطر أثار غضباً شعبياً في الولايات المتحدة أيضاً، حيث تساءل العديد من المراقبين عن سبب تقرّب واشنطن لهذه الدرجة من الدولة الخليجية الصغيرة.
وتستضيف الدوحة في الوقت نفسه قاعدة جوية أميركية كبرى وقيادة حماس وبيروقراطيتها، كما تحافظ على علاقات مع إيران ونظام طالبان في أفغانستان. ولكن الإدارات الأميركية شجّعت أحياناً وأشادت بعلاقات قطر بحماس وطالبان لأسباب سياسية مختلفة. ويضيف هندرسون في تحليله أن النقاد يتناسون عادة التاريخ الحديث للعلاقات القطرية الوثيقة مع إسرائيل، وهي علاقات أقل علنية هذه الأيام ولكن من المؤكد أنها لا تزال قائمة.
وعلى سبيل المثال، كشف أحد الصحافيين عن قيام طائرات تابعة للحكومة الإسرائيلية برحلات من الدوحة وإليها في أواخر سبتمبر. وحاول المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون مراراً وتكراراً، دون جدوى، إيجاد وسيط بديل ليحل محل الدوحة في التعامل مع قطاع غزة، وقد تدفعهم الأزمة الحالية إلى المحاولة مجدداً.
وظهر أول دليل علني على علاقات الدوحة بإسرائيل بعد اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995، حيث حضر وزير الإعلام القطري حمد بن عبدالعزيز الكواري جنازته في القدس مرتدياً الزي العربي الكامل. وقام خلف رابين، شمعون بيريز، بزيارة الدوحة في عام 1996، وتم إنشاء مكتب تجاري إسرائيلي – سفارة بحكم الأمر الواقع من الناحية العملية – في الدوحة بعد فترة وجيزة.
وعلى الرغم من التوترات في المنطقة، ظل هذا المكتب مفتوحاً حتى عام 2008، عندما نفذت إسرائيل عملية “الرصاص المصبوب” في غزة. ولم تؤت خطط إنشاء مكتب قطري مماثل بالقرب من تل أبيب ثمارها. واليوم، لا يزال الإسرائيليون قادرين على زيارة قطر باستخدام جوازات سفرهم الأصلية، ولدى وزارة الخارجية الإسرائيلية موظف مسؤول للشؤون القطرية.
وقوبلت هذه العلاقات بمساعدات قطرية للفلسطينيين. وقد فضلت الدوحة غزة على الضفة الغربية في هذا الصدد، وزودت القطاع بالتمويل الضروري لاحتياجات الطاقة، والرواتب العامة، والمباني السكنية الجديدة، والمدارس. وكان المبعوث القطري الرئيسي الذي ينظم هذه المشاريع هو رجل الأعمال الكبير في مجال البناء محمد العمادي. وكان أحد الدوافع الرئيسية لإقامة الدوحة علاقات مع إسرائيل الاعتقاد بأن هذه الأخيرة ستساعد قطر على التأثير على الولايات المتحدة عبر مجتمعها اليهودي.
وهناك دوافع محلية أيضاً لعلاقات الحكومة القطرية مع حماس، فالقطريون العرب يتعاطفون مع الفلسطينيين بشكل عام، والعديد منهم يشاركون في الالتزام الصارم بالإسلام المتمثل في أيديولوجية الإخوان المسلمين والتي تزعم حماس أنها تتبعها. وغالباً ما أثارت رعاية الدوحة لشبكة “الجزيرة” الإعلامية غضب واشنطن أيضاً. فقناتها العربية على وجه الخصوص مؤيدة بشدة للإسلاميين ومعادية للولايات المتحدة، وهي مشاعر كانت لها عواقب عملية مميتة على القوات الأميركية على الأرض.
وعلى سبيل المثال، بعد الإطاحة بصدام حسين، تآمر صحفيو “الجزيرة” في العراق على ما يبدو مع مقاتلين كانوا ينصبون كمائن للقوات الأميركية، وذلك جزئياً للحصول على صور أفضل جودة. وفي ذلك الوقت، لم يكن للغضب الدبلوماسي الأميركي تجاه الدوحة تأثير واضح على ممارسات الشبكة.