ياسر عبدالعزيز
على عكس ما يعتقد البعض فى العالم العربى، فإن الشارع والإعلام الغربيين أقل انحيازا لإسرائيل، وأكثر ميلا للتعاطف مع قضية الشعب الفلسطينى بشكل عام، ومع أهل غزة الذين يتعرضون لعدوان بشع وقتل ممنهج من آلة الحرب الإسرائيلية بشكل خاص، مقارنة بالمواقف السياسية الغربية المُعلنة وغير المُعلنة.
لا يجد الحديث عن وجود قدر، ولو ضئيل، من التعاطف، أو التفهم، بين أوساط الرأى العام والإعلام فى الغرب أنصارا فى العالم العربى، لكن هذا القدر الضئيل سيظهر بكل تأكيد إذا ما قورن بالجفاء والتصلب الباديين فى المواقف السياسية الغربية. فهذه المواقف تبدو حتى هذه اللحظة غاية فى الصلابة فيما يتعلق بإدانة «حماس» وتفهم «حق إسرائيل» فى الدفاع عن نفسها، وعدم الرغبة فى اتخاذ إجراءات من شأنها إيقاف العمليات العسكرية الدائرة راهنا، والتى أسقطت الآلاف من المدنيين والأطفال الفلسطينيين، ودمرت مقدرات الحياة فى مناطق عديدة بقطاع غزة.
لكن وجود بعض التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين فى مدن غربية، وبعض التغطيات الإعلامية الغربية التى تجتهد، على استحياء، لإحداث التوازن فى نقلها للأحداث وتحليلها، وقيام السلطات فى دول غربية عدة، مثل ألمانيا، وفرنسا، وأستراليا، وغيرها، بقمع تلك التظاهرات أو التضييق عليها، يشير بوضوح إلى هذا التباين بين المواقف السياسية الغربية ومواقف الرأى العام والإعلام حيال الصراع الدموى الراهن.
ويبدو أن الموقف السياسى الغربى الراهن، كما يظهر فى تصريحات وبيانات القادة والمؤسسات الرسمية والأحزاب الرئيسية، يتسم بدرجة من الصرامة والصلابة كافية لمساعدة إسرائيل فى إنفاذ أجندتها حيال تلك الحرب ومستقبل الصراع مع «حماس».
وفى هذا الموقف سنجد توافقا ظاهرا على اختزال القضية الفلسطينية فيما حدث يوم 7 أكتوبر الجارى، واعتبار أن ما جرى يومذاك هو «هجوم وحشى إرهابى» يُحتم الوقوف إلى جانب إسرائيل و«الشعب اليهودى»، الذى «لم يتعرض لمثل هذا العدوان منذ المحرقة».
واستنادا إلى ذلك، يتوافق الغربيون الرسميون على ضرورة إدانة «حماس» وعدم إدانة إسرائيل، مهما تجاوزت فى «الرد» وغالت فى «الدفاع عن النفس»، وقتلت المدنيين والأطفال، الذين هم «مجرد دروع بشرية ألقت بهم (حماس) فى أتون الصراع»، وجعلتهم مجرد «أضرار جانبية»، كما يقول ساسة غربيون بوضوح.
لذلك، فإن المواقف الرسمية الغربية ستتضافر لكى تمنع صدور أى قرار بوقف إطلاق النار، كما حدث فى «قمة القاهرة للسلام»، وفى مجلس الأمن، وستحرص أيضا على أن تستمر العمليات العسكرية لحين إتمام إسرائيل «مهمتها» المتمثلة فى القضاء على «حماس» وإخراجها من حسابات الصراع.
صحيح أن الموقف السياسى الغربى الرسمى قد لا يمانع فى الحديث عن ضرورة وجود ممرات إنسانية لتقديم قدر من المساعدات للفلسطينيين، الذين يواجهون آلة الموت والتجويع والحصار، ولن يمانع، على الأرجح، فى عقد هدن إنسانية موقتة ومحدودة، لكنه سيحرص على ألا يمثل هذا عائقا ميدانيا أمام خطط إسرائيل لتنفيذ مراميها من العملية العسكرية بقدر الإمكان.
سيوفر الغربيون المساعدات لإسرائيل بكثافة، وسيشمل هذا أنواع الدعم السياسى والقانونى والعسكرى واللوجيستى، وسيحرصون على عدم تبلور أى إجراء أممى يمكن أن يقوض «حق» إسرائيل فى «الدفاع عن النفس ومقاومة الإرهاب».
وعندما سيبرز أى قيادى أممى مثل أنطونيو جوتيريش ليتحدث عن أن «هجوم (حماس) لم يأت من فراغ»، وأن الفلسطينيين يعانون منذ 56 عاما من «العنف والحصار والخنق والتدمير»، أو يتحدث زعيم سياسى مثل حمزة يوسف، الوزير الأول فى أسكتلندا، عن ضرورة وقف فورى لإطلاق النار، فلن يُعول عليهما، ولن يتم التجاوب مع أطروحاتهما بصورة عملية أو إيجابية.
هناك انحياز سياسى غربى راسخ ومُقيم لوجهة النظر الإسرائيلية حيال مُجمل الصراع، وهو أمر تعززه مصالح عملية ومواقف أيديولوجية ودعاوى أخلاقية، وقد كان من الممكن التعامل مع هذا الانحياز وتخفيف غلوائه فى مواقف سابقة، استطاع الفلسطينيون خلالها إظهار موقفهم الحقيقى كشعب مُحتل يتعرض للعنف والحصار والتدمير والتشريد من قوة احتلال، لكن ما حدث يوم 7 أكتوبر منح هذا الانحياز طاقة فعل كبيرة، فضلا بالطبع عن شعور غربى بالخذلان من الموقف العربى، الذى لم يكن متماهيا بما يكفى مع الرؤية الغربية للحرب الروسية- الأوكرانية.
لا يمكن استبعاد إمكانية حدوث تغير محدود فى الموقف السياسى الغربى إزاء حرب غزة تحت ضغط المشاهد المؤلمة التى ترد من الميدان، لكن هذا التغير لن يكون كافيا لمساعدة الفلسطينيين على النحو المأمول، ومع ذلك، فإن التعويل على الرأى العام الشعبى المتصاعد، وبعض المنابر الإعلامية الأقل تعصبا وانحيازا، يمكن أن يساهم فى حلحلة هذا الموقف.
نقلاً عن “المصري اليوم”