شادي عبد الحافظ
منذ اللحظة الأولى التي أعلنت فيها كتائب القسام عن طوربيد العاصف الجديد، اهتم عدد من الخبراء حول العالم بفحص مقاطع الفيديو لمعرفة أي شيء عن هذه الآلية الجديدة، من هؤلاء كان “إتش. آي. ستون” الصحفي المتخصص في القطع العسكرية البحرية، الذي قدم لنا إشارات مهمة في هذا الصدد (1).
مسيرات الماء
أفاد ستون أن طوربيد العاصف، كما يبدو من الفيديوهات التي أصدرتها حماس، هو مركبة تحت الماء ذاتية القيادة (Unmanned Underwater Vehicles) (UUV)، بمعنى أنها مسيرة لكن تعمل تحت الماء (2)، من تلك الوجهة فالعاصف يشبه المسيرات الانتحارية أو ربما صورة أولية منها، هذه المسيرات عادة ما تعمل بطريقة بسيطة، فهي تنطلق إلى السماء لتصل إلى منطقة الهدف، ثم تتسكع أعلى الهدف لفترة من الزمن لحين تصل إليها الأوامر، وما إن تتلقى الأمر بالضرب حتى تحول نفسها إلى قذيفة تضرب الهدف من الأعلى.
طبِّق الفكرة نفسها ولكن في الماء، فبحسب تحليل ستون يبدو أن العاصف يحتوي بالأعلى على جهاز توجيه، وكاميرا صغيرة في المقدمة، وتساعد تلك الأدوات في التواصل مع الطوربيد، الذي يحتوي داخله على محرك احتراق داخلي يوجه الطوربيد عبر المراوح في الخلفية، وزعانف تساعده على الطفو والتوجيه.
لاحظ كذلك أن مقدمة الطوربيد تحتوي على فتيل، ما إن يُفعَّل عبر الاصطدام أو عن بُعد، فإنه يقوم بالتبعية بتفعيل شحنة متفجرة داخلية، وبذلك تكتمل فكرة المسيرة، حيث يوجَّه الطوربيد لهدف بعينه في الماء، ثم يحوم حول الهدف لفترة، وفي لحظة ما يعطيه المشغل على الأرض الأمر فينطلق الطوربيد لضرب الهدف، وتفجيره بأقصى قوة ممكنة.
في الواقع، هذا النمط من المسيرات الانتحارية المائية (الطوربيدات التي تعمل بوصفها مركبات مائية غير مأهولة) ما زال يخضع للدراسة (3)، وتصدر منه نسخ أولية في عدد من الدول. في النهاية، يبدو أن المستقبل حافل بالاستخدامات الحربية لهذه المسيرات المائية، فهي مثل الطائرات بدون طيار بدأت بنطاق استطلاعي، ثم أصبحت مع الوقت مسيرات انتحارية، ثم طائرات مقاتلة.
عالم جديد
حاليا، يُطوَّر نوعان من هذه المركبات غير المأهولة: الأولى هي مركبة تعمل تحت الماء عن بُعد (ROUVs)، وتهدف بشكل أساسي إلى استبدال البشر بمهام تحت الماء في المناطق ذات الظروف الصعبة، ويُتحكَّم فيها يدويا من قِبَل مشغل بشري لأداء المهام التي تشمل المراقبة والدوريات والإصلاح وحتى المهام التعليمية. والثانية هي مركبة مستقلة تحت الماء (AUVs)، يمكنها العمل دون مشغل بشري، فهي مبرمجة على العمل أوتوماتيكيا.
تقوم القوات البحرية للعديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، ببناء مسيرات الماء لاستخدامها في اكتشاف الألغام الموجودة تحت الماء والتخلص منها، على سبيل المثال هناك “ريموس” (REMUS) وهو مركبة ذاتية القيادة يبلغ طولها نحو متر واحد فقط، تُستخدم لإزالة الألغام في نطاق ميل مربع واحد في غضون 16 ساعة. توفر هذه المركبات بدون قائد تغطية أوسع بتكلفة أقل بكثير مقارنة بنظيراتها المأهولة، ناهيك بأن جودة البيانات التي يتم إرجاعها بواسطة المركبات البحرية غير المأهولة أعلى بكثير من تلك الخاصة بالغواصات المأهولة.
بدأت هذه التقنيات لأغراض استكشافية وعلمية وسينمائية بالأساس، ثم تطورت لنطاقات الاستطلاع ومنها إلى العمل العسكري المباشر. التكلفة المنخفضة لهذه الآليات وتجاوزها للخسائر البشرية يجعلها أوسع استخداما يوما بعد يوم.
ولا يقف الأمر عند حدود المسيرات الطوربيد مثل العاصف. في الواقع، تطمح البحرية الأميركية قريبا لتطوير الغواصة غير المأهولة “أوركا” (ORCA) التي من المتوقع أن تعمل بالمراقبة والقتال المغمور والسطحي بوصفها غواصة عادية لكن من دون طاقم (4). بطول 18 مترا، تنضم “أوركا” إلى فئة المركبات المائية غير المأهولة الكبيرة جدا (Extra Large Unmanned Undersea Vehicle)، أما الصين فبدأت بالفعل في تطوير غواصات كاملة من هذا النوع، حيث رصدت بعض الأقمار الصناعية مؤخرا غواصتين بطول 16 مترا و18 مترا، ويبدو أنهما تطوير للغواصة “HSU-001” الصينية التي كانت أصغر، بطول 5 أمتار فقط.
أما شركة “هانوا أوشن” الكورية المعروفة سابقا باسم “دايو” لبناء السفن والهندسة البحرية، فقد أعلنت (5) مؤخرا أنها تنوي تطوير غواصة غير مأهولة تتميز بأنبوبَيْ طوربيد مثل الغواصات التي تطورها دول مثل الصين والهند، يبلغ طول الغواصة 23 مترا وبوزن 60 طنا، كما كشفت الشركة النقاب عن نموذج مصغر لـ”سفينة أم” كبيرة للأنظمة غير المأهولة يطلق عليها اسم “جوست كوماندر” يمكنها نشر طائرات بدون طيار وما يصل إلى غواصتين مقاتلتين غير مأهولتين.
إلى أي مدى سيؤثر طوربيد حماس؟
بحسب الرصد الأولي للطوربيد، يبدو أن العاصف مصنوع من المعدن، وبالتبعية فإن قدراته على الغوص ستكون متواضعة، خاصة أن المركبة لا تمتلك كما يشير ستون في تحليله نظامَ طفوٍ متطورا، ويبدو أنها مصنوعة من أدوات محلية، كأسطوانات الغاز المضغوط ومركبات دفع الغواصين، لكن لا يوجد شك في أن هذه الطوربيدات خطيرة حقا وسيضطر الاحتلال لاتخاذ تدابير وقائية.
لكن اللافت للانتباه في هذا السياق ليس فقط قدر التطور الذي تضيفه المقاومة لقطعها الموجودة حاليا كالصواريخ، ولكن كذلك قدر التنوع في هذه القطع، حيث تظهر أسلحة تغطي نطاقات مختلفة، قد تكون أولية وتجريبية في البداية، لكن ذلك هو شأن كل تطور، ولفهم ما نقصد تأمل معنا التالي:
نحن الآن في أوائل الألفية، تمكنت حركة حماس من تطوير الصاروخ “قسام 1” بقدرات متواضعة جدا؛ أسطوانة فولاذية بوزن 35 كيلوغراما فقط، وطول أقل من مترين، ووزن 1.5 كيلوغرام للرأس الحربي، ومدى يصل إلى كيلومترين ونصف، تطور خلال الإطلاقات الأولى على إسرائيل إلى ما بين 3-4.5 كيلومترات فقط. صُنع الصاروخ من مكونات محلية تماما في غالبها؛ مزيج صلب من السكر ونترات البوتاسيوم، والأخير هو سماد شائع، بالإضافة إلى مادة “تي إن تي” ونترات اليوريا في الرأس الحربي، والأخير هو كذلك سماد شائع آخر، كانت تكلفة بناء هذا الصاروخ نحو 800 دولار فقط وقتها، وهي تكلفة ضعيفة جدا في هذا النطاق.
الآن قارِن ذلك بصاروخ “عياش 250” الذي استهدفت به حماس “مطار رامون” على بُعد 220 كيلومترا أثناء حرب 2021، إنه الصاروخ صاحب أطول مدى إلى الآن في ترسانة حماس (250 كيلومترا) وصاحب أقوى تأثير تدميري على الأرض.، بخلاف ما لم تعلن عنه كتائب القسام بعد.
وإذا راقبت التتالي الزمني لتطور صواريخ المقاومة فسوف تلاحظ أن ما يُخيف الإسرائيليين ليس فقط تصاعد المدى ولكن زيادة الدقة كذلك، والتسارع في التطوير، فحجم الإنجاز الذي يحققه الفلسطينيون في عام يتضاعف في العام الذي يليه، منذ “قسام 2” في 2002 بمدى 9-12 كيلومترا، إلى “قسام 3” في 2005، بمدى 15-17 كيلومترا، إلى “إم 75” في 2012 بمدى يصل إلى 80 كيلومترا، إلى رنتيسي 160 في العام نفسه ويصل مداه إلى 160 كيلومترا، وهذه فقط أمثلة.
بالنظر إلى هذه المعدلات، وبالإضافة إلى نضج الأنظمة غير المأهولة بوصفها فرصة للقوات غير النظامية لامتلاك تكنولوجيا يمكنها موازنة القوى مع الجيوش الثقيلة، يمكن أن تتوقع ما الذي يمكن أن يصل إليه العاصف خلال سنوات قليلة.
المصدر : الجزيرة