كريتر نت – متابعات
جاء هجوم مسلحي حركة حماس الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة في الشهر الماضي بعد يوم واحد من الذكرى الخمسين لحرب 6 أكتوبر 1973.
هذا التزامن دفع بعض المحللين بسرعة إلى التساؤل عمّا إذا كان يمكن أن تقود الأزمة الحالية إلى ارتفاع أزمة طاقة على غرار ما حدث في 1973.
في 1973 قررت الدول العربية النفطية حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التي تدعم إسرائيل، ويتذكر الأميركيون الآن القفزة الكبيرة في أسعار النفط والنقص الحاد في البنزين في السوق الأميركية في أوائل السبعينات، مما ساعد في تعزيز قوة منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) والتي تضم بعض الدول العربية في سوق النفط العالمية.
في الوقت نفسه سلّط الكثير من المحللين الضوء على أسباب عديدة لاستبعاد تكرار سيناريو الماضي بسبب الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين اليوم. لكن ما يغيب بشكل ملحوظ عن أغلب التعليقات هو أنه وفقا لخبراء الاقتصاد والطاقة لم يكن حظر تصدير النفط العربي في 1973 فعّالا، لأن ما حدث هو تحويل مسار هذا النفط إلى دول أخرى في السوق الدولية، ولكن ارتفاع الأسعار كان بالفعل نتيجة تسارع الطلب العالمي على الخام، وكان نقص البنزين في الولايات المتحدة نتيجة القيود الأميركية على أسعار النفط الخام.
◙ في كل مرة تفرض فيها أوبك نفسها بزيادة الإنتاج أو خفضه، تسعى دولها للإيحاء بقدرتها على التحكم في مصالح الغرب
وكان التأثير الوحيد طويل المدى للحظر هو تعزيز سوء فهم قدرة منظمة أوبك على تحديد أسعار النفط، بحسب تحليل الخبيرين ديفيد كيمب وبيتر فان دورن الذي نشره معهد كاتو الأميركي للأبحاث.
في الوقت نفسه هناك اعتقاد شائع بين الرأي العام ووسائل الإعلام والسياسيين في الولايات المتحدة أن أوبك التي تضم 13 دولة تنتج حوالي 40 في المئة من إنتاج النفط الخام في العالم، تستطيع التحكم في أسعار النفط من خلال تعديل مستويات إنتاجها.
ونشر معهد كاتو بالفعل دراسة تحت عنوان ” التصورات الخاطئة عن قدرة أوبك وسلوكها: كشف مسرح أوبك”، تناولت ما إذا كان بإمكان أوبك تعديل إنتاج النفط بسهولة وما إذا كان سلوك منظمة الدول المصدرة للنفط الفعلي يتوافق مع الفهم العام لقدرتها على التحكم في أسواق النفط.
وخلافا للمعتقدات السائدة بشأن ما تفعله أوبك وطريقة عملها، أظهرت الدراسة أن قدرة أعضاء أوبك على تعديل مستويات إنتاجها النفطي تحكمها الاعتبارات الجيوسياسية والحقائق الفنية لاستخراج النفط. ولا يمكن زيادة معدلات الإنتاج من الآبار الموجودة بسرعة.
ولا يمكن زيادة احتياطيات النفط أو خفضها بسرعة دون آثار جانبية مهمة. وبشكل عام تحتاج زيادة معدلات إنتاج النفط إلى حفر آبار جديدة. بمعنى آخر فإن المملكة العربية السعودية ودول أوبك ككل، لا تستطيع زيادة كمية النفط التي تنتجها أو تخفيضها، بالطريقة التي يتم بها التحكم في تدفق المياه من الصنبور.
ويقول الباحثان كيمب وفان دورن إن الأدلة الأكاديمية الموثقة على قدرة أوبك على التحكم في أسعار النفط غير حاسمة. وعلى الرغم من أن أوبك ربما حاولت في وقت ما منذ الثمانينات التحكم في أسعار النفط، فإنه من غير المرجح أن تكون أوبك تكتلا احتكاريا ناجحا في سوق النفط العالمية. فعلى السطح تحدد أوبك حصصا لإنتاج أعضائها، لكن غالبا ما يتم انتهاك هذه الحصص بدرجة كبيرة.
وخلال الفترة من 1993 إلى 2007 على سبيل المثال أنتجت دول أوبك أكثر من حصصها بنسبة 80 في المئة في المتوسط. كما لم تظهر الدول الأعضاء التزاما ملموسا بالتغيير المقرر في حصصها الإنتاجية. وفي المتوسط فإن التعديل الذي تقوم به الدول في إنتاجها يكون في حدود ثلث التغيير الذي يتم إقراره سواء بزيادة الحصة أو خفضها.
وركزت دراسة معهد كاتو على طبيعة إنتاج النفط في ثلاث دول رئيسية بأوبك هي السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. وتتمتع الدول الثلاث بأعلى درجة من الاستقرار السياسي، كما أنها كانت تنتج 55 في المئة من متوسط الإنتاج الشهري لدول أوبك خلال الفترة من 2003 إلى 2022، كما أنها تمتلك حوالي 95 في المئة من إجمالي الفائض المفترض للطاقات الإنتاجية لمنظمة أوبك.
وإذا أرادت أوبك تعديل إنتاجها من النفط بسرعة للسيطرة على أسعار النفط، كما هو شائع، فمن المرجح أن يظهر تفاوت كبير في إنتاج النفط لهذه البلدان الثلاثة من شهر إلى آخر، لكن المثير للاهتمام أن ما نراه هو أن وتيرة إنتاج هذه الدول تشبه في الواقع وبشكل لافت للنظر وتيرة الإنتاج للولايات المتحدة.
وقبل عام 1993 كانت معدلات الإنتاج في دول أوبك متقلبة للغاية، في حين كانت الولايات المتحدة أكثر استقرارا، وتزامنت هذه الفترة مع محاولات أكثر وضوحا من قبل دول أوبك للتحكم في سعر النفط والدفاع عنه من خلال تعديل الإنتاج. ولكن منذ عام 1993 أصبحت وتيرة إنتاج دول أوبك أقل تقلبًا بكثير وبدت قريبة من صورة إنتاج الولايات المتحدة.
وترى دراسة معهد كاتو أن الاهتمام الدولي بأوبك مبالغ فيه، وأن السياسيين في الدول المستهلكة للنفط يضخمون دور المنظمة لتحقيق مصالحهم الذاتية إلى حد كبير.
ويقول أستاذ علم السياسة الأميركي جيف كولجان إن منظمة أوبك مجرد “أسطورة عقلانية” تمنح فوائد سياسية محلية ودولية لأعضائها، وتمنح الزعماء الغربيين فرصة لتوفير كبش فداء مناسب عندما ترتفع أسعار النفط أو تنخفض، وهو حدث لا يستطيع السياسيون السيطرة عليه. ويعني هذا الرأي أنه يتعين على الرأي العام ووسائل الإعلام والسياسيين الأميركيين أن يكونوا أقل اهتماما بتصرفات أوبك.
ويضيف معهد كاتو بالقول إنه في كل مرة تفرض فيها منظمة أوبك نفسها على وسائل الإعلام بقرار زيادة إنتاج النفط أو خفضه، تقوم دول المنظمة بمغازلة مواطنيها بإظهار قدرتها على التحكم في مصالح الدول الغربية، في حين تستخدم حكومات الدول الغربية هذه القرارات ككبش فداء لأيّ أزمة في سوق النفط العالمية. لذلك فإن أفضل طريقة للحد من تأثير أوبك، هي توقف قادة الغرب عن الاهتمام بالتحركات غير الحقيقية للمنظمة.