كريتر نت – العرب
منح الإسرائيليون الأردن فرصة استعراضية تشبه مشهدا من الحرب العالمية الثانية من خلال إنزال المساعدات على غزة عبر المظلات، وهو ما من شأنه أن يرفع عنه الحرج ويخفف عنه الاحتقان الداخلي في ظل استنفار الشارع والتظاهرات والشعارات الداعمة لغزة في مجتمع أردني نسبة كبيرة منه من أصول فلسطينية.
وأعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إنزال “مساعدات طبية عاجلة” جوا فجر الاثنين في غزة مخصصة لمستشفى ميداني أردني.
وكتب الملك عبدالله على منصة إكس “تمكن نشامى سلاح الجو في قواتنا المسلحة (…) من إنزال مساعدات طبية ودوائية عاجلة جوا للمستشفى الميداني الأردني في قطاع غزة”، مضيفا “هذا واجبنا لمساعدة الجرحى والمصابين الذين يعانون جراء الحرب على غزة”.
ويقول مراقبون إن الإسرائيليين أدركوا حجم الضغوط على الملك عبدالله، وخصوصا بعد رفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أي تجاوب أو تفهم لمطالب الأردن، فمنحوه فرصة الاستعراض ليبدو كمنقذ للفلسطينيين يتحدى الحصار المفروض عليهم ويحافظ على حياتهم بما يقدر عليه من مساعدات دوائية.
وأفاد الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية مهند المبيضين بأن عملية إنزال مساعدات طبية ودوائية جوا للمستشفى الميداني الأردني في غزة عملية ليست سهلة وتطلبت ترتيبات لوجستية معقدة.
ونقلت قناة “المملكة” عن المبيضين قوله إنّ “موقع المستشفى الميداني الأردني صعب حيث يقع في منطقة صراع محتدم، ولكن ما يهم الأردن هو تخفيف آلام أهالي غزة ودعم المستشفى الميداني”.
وأضاف أن “إسرائيل تتحمل مسؤولية المساس بأي طرف أو جزء من المستشفى الميداني الأردني”، وقال إنّ “الاحتلال الإسرائيلي يقصف محيط المستشفيات، ولكن رسالة الأردن واضحة منذ بداية الصراع (ومفادها) أن المستشفى الميداني الأردني باق”.
إسرائيل تعرف أن الأردن لا يقدر على تحمل الضغط الداخلي لذلك تحركت لمساعدته على امتصاص الغضب الشعبي
وبعد أن سعت وسائل الإعلام الأردنية لإظهار الحدث وكأنه قد تم بمعزل عن أي تنسيق مع إسرائيل، قال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن إنزال المساعدات الطبية جوا إلى غزة -والذي أعلنه الأردن- تم “بالتنسيق” مع الجيش الإسرائيلي.
وأوضح الناطق “بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي ألقت طائرة أردنية معدات طبية ومواد غذائية للمستشفى الأردني في قطاع غزة. ستستخدم الطواقم الطبية هذه المعدات لمساعدة المرضى”.
وتعرف إسرائيل أن الأردن لا يقدر على تحمل الضغط الداخلي، وأن استمرار قصف غزة لأسابيع من دون أي أفق قد يهدد أمنه الداخلي، ولذلك تحركت لمساعدته على امتصاص الغضب الشعبي، وتحويل وعده بالوقوف إلى جانب الغزيين من حيّز الأقوال إلى حيّز الأفعال، وهو أمر لا يخص الأردن فقط، فدولة مثل مصر تحتاج إلى خطوة إسرائيلية مماثلة لرفع العتب عنها وكي لا تلومها غزة ولطمأنتها على أمنها القومي.
وفي سياق متصل بالطمأنة هدفت زيارة وزير الخارجية الأميركي لأنقرة إلى طمأنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والاستجابة رمزيا لشعاراته وتحمّسه اللفظي لنصرة غزة من خلال تأكيد الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية إلى القطاع من دون نقاش وقف إطلاق النار، كما ألمحت إلى ذلك تصريحات تركية.
ورفع العاهل الأردني سقف خطابه في الأيام الأولى التي تلت هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي رافضا أي تهجير للفلسطينيين نحو بلاده. ورغم مجاراة التصريحات لتحمّس الشارع، فإن الأردن لا يخفي تخوّفه من أن يؤثر التصعيد على الداخل الأردني.
وعبر عن ذلك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حين قال قبل أيام “نخشى الأسوأ وكل المؤشرات تشير إلى أن الأسوأ قادم”، وإن الحرب ستكون لها تداعيات كارثية. ودعا إلى حماية المنطقة من خطر اتساعها.
ويتخوف المسؤولون الأردنيون من أن تتسع دائرة الاحتجاج على إسرائيل لتصبح احتجاجات متعلقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي وظروف المعيشة وارتفاع الأسعار.
وأكثر ما يُخشى منه أن توفر الاحتجاجات مناخا ملائما لاستعادة ما جرى خلال إثارة قضية الفتنة التي برزت عام 2021 بسبب خلاف بين الملك عبدالله الثاني والأمير حمزة بن الحسين، أخيه غير الشقيق، وما تلا الخلاف من جدل واسع في الشارع واستهداف للأسرة الحاكمة، ومشاركة العشائر في الخلاف وانحيازها إلى الأمير حمزة، وهو وضع جعل مؤسسة الحكم في وضع صعب.
وتتخوف السلطات الأردنية من أن توظّف المناطقُ التي يقطنها أردنيون من أصول فلسطينية الاحتجاجات المتعلقة بغزة في تنظيم مظاهرات حاشدة ضد السلطة ردا على ما تعتبره سياسة رسمية تُعاملها كمناطق من درجة ثانية بسبب أصولها، وهو ما ظهر خلال الشعارات التي رفعت في الاحتجاجات على رفع أسعار المحروقات في نهاية العام الماضي.