غزة – ياسر البنا
بعد أن كان يستعد لحفل زفافه المقرر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بات الحصول على يوم إضافي من النجاة هو الهمّ الأكبر للشاب محمد علي زيارة.
ويقيم زيارة و15 من أفراد عائلته -بينهم نساء وأطفال- في باحة مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح (وسط قطاع غزة) منذ بداية العدوان الذي تشنه إسرائيل على القطاع منذ نحو شهر.
ويوضح -للجزيرة نت- أنه وأفراد أسرته يشعرون بحالة من “الرعب والهلع” مع الأنباء التي تتحدث عن المجازر الإسرائيلية الوحشية بحق العائلات الفلسطينية في القطاع، ويؤكد “حالة الرعب كبيرة، ولا حصانة لأحد”.
رحلة نزوح
وفي رحلة نزوحه وعائلته من حي الشجاعية (شرق مدينة غزة) بعد تدمير منزلهم، أطلقت قوات الاحتلال النار عليهم خلال اجتيازهم وادي غزة، مما أدى إلى إصابة اثنين من أشقائه، أحدهم بترت قدمه، والآخر أصيب بكسور في كلتا يديه.
واضطرت عائلة زيارة للإقامة في المستشفى لرعاية ابنيها الجريحين، ولعدم وجود مكان للإقامة فيه، بعد امتلاء مراكز الإيواء المقامة في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ورغم وجوده في مستشفى، فإن هذا الأمر لا يشعر الشاب بالأمان مطلقا. يقول زيارة “لا ننام طوال الليل بسبب القصف والتوتر والقلق والحالة النفسية، والتهديدات الإسرائيلية للمستشفيات”. مشيرا إلى أن ظروف الحياة في المستشفى “قاسية للغاية”، حيث إنهم ينامون على الأرصفة، ويفتقدون لأبسط مقومات الحياة.
ويلفت إلى أن حالة الرعب التي أصابت بعض الأمهات من أفراد عائلته، أدت إلى توقفهن عن إرضاع أطفالهن، بسبب قلة الطعام والحالة النفسية الصعبة. وبالإضافة إلى خوفه الشديد من الموت مع عائلته بفعل الغارات الإسرائيلية الوحشية، يواجه زيارة مشكلة عدم امتلاكه المال لينفق عليهم.
مأساة
ولأجل ذلك، استدان زيارة مبلغا بسيطا من المال، لا يتجاوز 60 دولارا، وأقام “بسطة” لبيع بعض الأغذية ومواد التنظيف داخل إحدى باحات مستشفى شهداء الأقصى. يقول “أعمل مع أخي فراس، وأربح يوميا من 10 إلى 20 شيكلا (من 2.5 إلى 5 دولارات) نشتري بها خبزا وحفاظات وحليبا للأطفال”.
ولم تقتصر مأساته على هذا الحد، فلقد دمرت إسرائيل منزل عائلته المكون من 3 طوابق، والذي يتضمن شقته التي كان يستعد للزواج فيها. “كلّفني أثاث شقتي الخاص بزواجي فقط نحو 20 ألف شيكل، وكله تدمر مع الشقة”، يضيف زيارة.
ويوضح أن خطيبته تقيم في مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع، ولم يرها منذ 5 أسابيع، بسبب انعدام المواصلات جراء نفاد الوقود. ويشير إلى فرشة بجوار أحد حوائط المستشفى، ويقول “أنام على هذه الفرشة”، ثم يشير إلى بطانية تجلس عليها سيدة و5 أطفال، ويكمل “هذا غطائي”.
قصة أخرى، تشير إلى المأساة التي يعيشها سكان غزة بحثا عن الأمان، يرويها عبده فايز، من سكان مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع.
البحث عن الأمان
يقول فايز -للجزيرة نت- إنه لجأ مع بداية العدوان إلى مخيم النصيرات (وسط القطاع) للسكن مع بعض أقاربه، بحثا عن الأمان له ولأطفاله. لكنّ غارة إسرائيلية استهدفت المنزل الذي يقيم فيه، أدت إلى استشهاد اثنين من أطفاله، هما سعدية (12 عاما) وهشام البالغ من العمر سنتين. يقول “قتلوا أطفالي، كل من في المنزل مدنيون أطفال ونساء، ونقول للاحتلال أنتم تستهدفون الأطفال، ورغم ذلك نحن صامدون”.
وفي قصة مشابهة، لجأ أبو محمد (فضل عدم ذكر اسمه) من بلدة جباليا إلى مدينة دير البلح، بحثا عن الأمان. لكنّ الغارات الإسرائيلية لاحقت العائلة في منفاها الجديد، وأفقدته عددا من أقاربه.
يقول للجزيرة نت “فقدت اثنين من أولادي، واثنين من أحفادي (ولد وبنت) وزوجة ابني، وأخي، وزوجة أخي”. وحاليا يقيم أبو محمد بشكل دائم، في مستشفى شهداء الأقصى لرعاية حفيده المصاب بحروق.
ويتابع “أنام هنا فوق فرشة على الرصيف، وينام أفراد الأسرة وعددهم 25 شخصا، في منازل لبعض الأقارب في دير البلح”. ويوضح أنه لا يتمكن من النوم ليلا بفعل القلق والرعب، وينتظر طلوع الصبح على “أحر من الجمر”. ويكمل “الكل خائف، من يقول إنه غير خائف يكذب، توكلتُ على الله. أعتقد أن هذا المكان أكثر أمنا، فالمنزل الذي كان يقيم فيه أفراد أسرتي تعرض للقصف، وأتدبر أموري هنا بصعوبة شديدة”.
حالة نفسية معقدة
عن الحالة النفسية المعقدة التي يعيشها سكان غزة هذه الأيام، يقول الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة “بالتأكيد حالة الهلع والرعب كبيرة للغاية، والناس تشعر بالسعادة لمجرد طلوع الشمس وهي لا تزال على قيد الحياة. ورغم أن الناس عايشوا على الأقل 4 حروب، وهذه ليست حربا جديدة، فإن -بالتأكيد- حجم الإجرام الإسرائيلي هذه المرة غير مسبوق”.
ويتابع “الناس هنا نوعان، الأول تعرض لمجزرة بشكل مباشر ونجا ويعيش حالة الصدمة، والثاني ينتظر دوره للمرور بهذه التجربة المريرة”. ويؤكد أن الحالة النفسية الصعبة التي يعيشها سكان غزة انعكست على كل مجريات حياتهم وساعات نومهم وطعامهم.
يقول عفيفة إنهم يعيشون حالة استنفار دائم “النساء تنام بلباس محتشم وهناك حالة جاهزية للموت، والسؤال الذي يتهامس به الجميع، كيف يمكن أن يفرقنا الموت؟ من سيموت؟ ومن سيبقى؟ ومن سيدفننا؟”.
وأشار إلى وجود ظاهرة تفريق الآباء لأولادهم بين عدة أماكن، “حتى لا تخرج كل العائلة من السجل المدني، وينقطع نسلها، أمام هذه المجازر التي تؤدي لاختفاء أسر بأكملها”. ولفت إلى أن أصعب ما يواجه الآباء، هو كيفية التعامل مع الأطفال في مثل هذه الظروف الصعبة، متسائلا “كيف نقلل من هلعهم، ونقنعهم أن هذا الصاروخ لا يستهدفنا؟”.
وأوضح الكاتب أن هناك ظاهرة أخرى وهي أن العديد من المواطنين يسألون من لهم تجربة نجاة من القصف “هل هي قاسية؟” كي يحضروا أنفسهم لها.
ولفت إلى أن ردود فعل بعض الأهالي المفجوعين بأحبائهم، غريبة وملتبسة “فلا وقت ولا متسع ولا فسحة للبكاء والحزن، لكنهم ينتظرون وقتا آخر يتركون أنفسهم طويلا للبكاء والنحيب، لأنه لم يتح لهم القيام بهذه الفرصة، جزء كبير من الشعب الفلسطيني لديه حالة من الكبت، وينتظر اللحظة التي يمنحها لنفسه كي يفصح عن مشاعر الحزن والبكاء”.
المصدر : الجزيرة نت